شاب علق بالمصعد وعائلة حُبست في فضاء تجاري فجأة ودون سابق إنذار انطفأت مساء أول أمس الأنوار وحلّ السواد وعمّ الظلام...وغرقت جمهورية «تونس» من شمالها إلى جنوبها في عتمة قاتمة وسبحت في ظلمة حالكة... فحار الناس في أمرهم وراودت بعضهم الهموم وأضنتهم الغموم وأعياهم التدبير وأرهقهم التفكير وهم حائرون يتساءلون: «ما الخطب؟» ومن هنا وهناك أطلّت برأسها التخمينات والاحتمالات و«القراءات» قبل أن تتحوّل لدى البعض إلى إشاعات وحتى سيناريوهات تتحسّس وسط «الدُجى» تفسيرا ومبرّرا لهذا الانقطاع المفاجئ للتيّار الكهربائي... كيف عاش «التوانسة» ساعتين ونصف في الظلام وما هي الطرائف بل والمآسي التي سجّلت خلال الحدث الطارئ؟ «التونسية» نزلت أمس إلى الشارع وجسّت نبضه وخرجت بالريبورتاج التالي: «آش صار؟» سؤال حائر تردّد عشية أول أمس على ألسن عديدة وكثيرة في شمال تونس وجنوبها وهي تتلمس طريقها وتتحسّس ملامحها وسط ظلمة حالكة وعتمة داكنة مستفهمة عن سر انقطاع التيار الكهربائي بصفة فجئية وبلا إنذار عن كامل تراب الجمهورية! و إن اختلفت شؤون الخلق في التعاطي مع هذا الطارئ المباغت , فاستشاط البعض غضبا واستياء وتقبّل البعض الآخر الموضوع ببرودة أعصاب وانصرف آخرون إلى نسج خيوط حكايات «القيل والقال»... فالثابت أنّ المواطنين لم يستسيغوا هذا «الحدث الطارئ » وبحثوا عن تفسيرات مقنعة مطالبين بألاّ يتكرّر في قادم الأيام .و في هذا الإطار قال «بلال» (سائق تاكسي): «لحظة انقطاع الكهرباء كانت عائلتنا بصدد الإعداد لحفل عقد قران فغمّنا الظلام وتلخبطت الأمور... فتوزّعنا في العاصمة بحثا عن الشموع. وفي الشارع لاحظنا حالة استنفار قصوى من قبل رجال الأمن... وكان الناس في حيرة من أمرهم وخائفين حتى إن بعضهم ربط الأمر بوجود مخطط إرهابي أو عملية خطيرة... فالأكيد أن ما أسموه بالعطب الفنّي تسبّب في إخافة «التوانسة» وتعطيل مصالحهم». من جهتها لوّحت «فاطمة» برأسها قائلة في سخرية: «آه من عمايل قصان الضو»... ففي البيت أصبحنا نتحرّك كالأشباح ونهتدي إلى وجوه بعضنا البعض عن طريق استخدام إضاءة الهواتف الجوالة ,أما قضاء حوائجنا والقيام بشؤوننا فقد تأجّلا إلى حين عودة النور . وأعتقد أن كل ما قيل عن وجود خلل أو خطأ فني هو مجرّد هراء ,فهم يريدون جسّ نبض المواطن قصد المرور إلى تنفيذ إستراتيجية قطع التيار الكهربائي لمدّة معينة في اليوم كعنوان للاقتصاد في الطاقة». أما «رضا» (تاجر) فقال إنه استعان بهاتفه الجوّال على تبديد شبح الظلام عبر التسلّي بشبكة «الفايس بوك»... مضيفا: «كل شيء يهون, المهم هو أن تونس لاباس...». سيناريو 2002... يتكرر ! 31 أوت 2014... عشية أحد سوداء أعادت إلى ذهن التونسيين ما حصل في 30 جوان 2002 ,تاريخ انقطاع التيار الكهربائي عن البلاد التونسية أثناء بث مباراة نهائي كأس العالم التي جمعت ألمانيا بالبرازيل. وبين التاريخين ظلت الأسباب رغم تشابهها «غير مقنعة» حسب «محمد» الذي قال بحنق شديد: «عام 2002 لملم «زين العابدين بن علي» الحكاية بدعوى وقوع خلل فني ولكنه لم يقنعنا واليوم ها هم يعيدون إغفالنا بالعذر نفسه لكنهم لن يخدعونا ,فتناقضهم يفضحهم... فمرّة يتعللون بعطب فني ومرّة بعاصفة في الساحل... فإما أن يقولوا الحقيقة وإما أن يكفّوا عن استبلاه الشعب». و إن اختلفت تخمينات وتفسيرات التونسيين بشأن انقطاع الكهرباء فربطوها بدواع أمنية وشؤون قومية... فإن «فتحي» (متقاعد) قد دار في خلده لحظة انقطاع الكهرباء أن «نقابة الكهرباء والغاز» شنت الإضراب الذي هدّدت به منذ مدة , مضيفا: «بانقطاع التيار الكهربائي بصفة مباغتة رجحت أن يكون السبب إما نتيجة لتحرّك إرهابي وإما إضراب من قبل أعوان «الستاغ»... ولكنّي رجحت الاحتمال الثاني باعتبار أن تونس سبق أن شهدت حادثة مماثلة أيام بن علي في سنة 2002». و عن تبعات انقطاع الكهرباء ومخلّفاته قال «محمد»: «زوجتي تحيّرت كثيرا خوفا من تلف المنتوجات المحفوظة في الثلاجة ,ومن جهتي فكّرت في مصير المرضى في المستشفيات وأصحاب الأفراح والسيّاح في النزل... » «وحلة... وغصرة» أن تغرق جمهورية بأكملها في الظلام معناه أن تتعطل جلّ أسباب التواصل والاتصال سيّما أن كل تحركاتنا واحتياجاتنا أصبحت رهينة... الطاقة ! ومن بين ضحايا الحياة «الحديثة» أو بالأحرى انقطاع التيار الكهربائي شاب جنى عليه سوء حظه أن يكون في المصعد لحظة هذا الانقطاع المفاجئ... فعلِق هناك. وهبّ أهله يطرقون أبواب الجيران بحثا عن سلّم يُمكّنهم من «التسلق» وخلع باب المصعد وإخراج ابنهم «المحتجز»... بين الأرض والسماء ! و ليس وقع حلول الظلام «الشامل» وأنت في «حضرة» العائلة بالشدة ذاتها التي فاجأت العديد ممّن كانوا في «الخارج» لحظة وقوع « الكارثة»... فكم عطّل انقطاع النور مصالح ناس وناس؟ ففي أحد الفضاءات التجارية «حبس» انقطاع الكهرباء أم صحبة ابنيها بسبب تعطل آلة الخلاص «الكاسة» وعدم تمكّنها من استخلاص فاتورة مشترياتها, وممّا زاد الطين بلّة توّقف الأبواب «الأوتوماتيكية» عن العمل وانقطاع المكيّفات عن التبريد... فكان حجم المعاناة مضاعفا: حرارة وظلام! وفي هذا السياق روت « سليمة» أن «عمّتيها كانتا تقضيان بعض الشؤون في إحدى المحلات التجارية الكبرى عندما انقطع التيار الكهربائي... فكانت حالة استنفار قصوى من قبل أعوان الحراسة تحسبا لوقوع مكروه للإضرار بالفضاء. فعاش كل من دفعته حاجة أو رغبة في «التسوّق» حالة من الهلع والفزع والأعوان يحاولون إخراج الحرفاء الذين توافدوا على الباب خوفا من الظلام وما يمكن أن يختبئ في عتمته...» وأضافت سليمة قائلة: «ما حدث غير معقول... الجميع حاروا في أمرهم», حركة المرور تعطلت, الناس في حيّنا خرجوا إلى الشارع لحماية بيوتهم من توافد اللصوص والمجرمين... أليس الظلام الستار الواقي لتنفيذ الجريمة؟». طرائف ونوادر بالرغم من حالات الهرع والجزع بسبب العتمة غير المتوقعة فإن «شعاعا» من الطرائف أضاء حلكة الليل وبقي مادة للتفّكه والتندر بين المعارف والأحباب , وهم يستقبلون نور النهار. ومن الحكايات الطريفة التي تناقلتها ألسن التونسيين بعد أكثر من ساعتين من الظلام الحالك أن «حلاّقة» اضطرت للصعود بعروسها إلى سطح إحدى العمارات لإتمام عملية الزينة ومستلزمات التجميل على «ضوء» غروب الشمس بعد أن تعذرت عليها «الرؤية» داخل صالون الحلاقة... أو قصة العريس الذي تحدى الظلام ولم يشأ إفساد فرحته فأكمل «حجامته» على نور قنديل زيتي... والأكيد أن كل «دار فرح» في كل حيّ من أحياء ولايات الجمهورية كان لها شأن خاص مع انقطاع الكهرباء فمنهم من لعن الحظ ونحس الطالع واستسلم ل«المكتوب» المقدّر ومنهم من سخر من عبث الأقدار وأكمل سهرته على ضوء الشموع وهناك من انتظر بفارغ الصبر عودة النور لإتمام طقوس الأفراح ومراسم الزواج... وعندما يعمّ الظلام ويحلّ السواد, من الطبيعي أن تضيع تفاصيل الأشياء وتغيب ملامحها في الحلكة القاتمة فتختلط الأمور ويصعب التمييز بينها... وهو ما حصل تماما ل«أحلام» التي سكبت مشروبا غازيا في رضاعة ابنها بدل الحليب ! لمدّة تجاوزت ساعتين من الزمن ,غاب النور فحار الناس في أمرهم وداروا في تيه وضيق... فماذا يقول سكان القرى النائية الذين لازالوا يبدّدون حلكة ليلهم بوسائل إضاءة بدائية في القرن الحادي والعشرين ؟ وماذا يفعل فاقدو البصر في بلادنا وقد حكم عليهم قدرهم بالظلام طول حياتهم , فلا فرق عندهم بين ليل ونهار, ضوء وظلام...؟ الشموع... سيّدة الموقف بعد أن عجزت وسائل الحياة الحديثة في إنارة حياة الناس , كان الرجوع بقوة إلى وسائل الإضاءة التقليدية... فاستنجد الكلّ بالشموع تحت شعار: «أفضل من أن تلعن الظلام أشعل شمعة». وفي هذا الإطار قال تاجر بعين زغوان أن 10 علب من الشموع نفدت في خمس دقائق فحسب! وأبدى التاجر تحسرا لعدم التزود بكميات أكبر من الشمع الذي صار مرغوبا مفقودا في غفلة من الزمن الحديث ! ضمار تونسي... بالمناسبة من المعروف عن الشعب التونسي أنه شعب «ضامر» , فهو لا يفوّت الفرصة دون إيجاد النكتة وخلق البسمة وهو في عز الأزمة... ومن أطرف النكت التي قالها عن انقطاع التيار الكهربائي ما يلي : «كثرة التيارات «الحزبية» أثرت على التيارات «الكهربائية»» «الشعب التونسي ودع شهر أوت بالشموع... طلع شعب رومنسي» «بعد قصة الضوء غدوة تشوف شعر البنات على حقيقتو»