مندوب روسيا لدى الامم المتحدة يدعو إلى التحقيق في مسألة المقابر الجماعية بغزة    طيران الكيان الصهيوني يشن غارات على جنوب لبنان    بعد اتفاق اتحاد جدة مع ريال مدريد.. بنزيما يسافر إلى إسبانيا    المرسى.. الاطاحة بمنحرفين يروّجان الأقراص المخدّرة    حالة الطقس يوم الخميس 2 ماي 2024    مدرب بيارن : أهدرنا الفوز والريال «عَاقبنا»    أخبار الاتحاد المنستيري...رهان على «الدربي» وفريق كرة السلة يرفع التحدي    صفاقس...حالة استنفار بسبب سقوط جزء من عمارة بقلب المدينة ... غلق الشارع الرئيسي... وإخلاء «أكشاك» في انتظار التعويضات!    في خطإ على الوطنية الأولى: دكتور وكاتب يتحول إلى خبير اقتصادي    في أقل من أسبوع.. أعاصير مدمرة وفيضانات اجتاحت هذه الدول    وفاة الفنانة الجزائرية حسنة البشارية    بنزرت ..أسفر عن وفاة امرأة ... حادث اصطدام بين 3سيارات بالطريق السيارة    سعيد يعود احد مصابي وعائلة احد ضحايا حادثة انفجار ميناء رادس ويسند لهما الصنف الأول من وسام الشغل    وزارة الشباب والرياضة تصدر بلاغ هام..    اتفاقية تمويل    غدا الخميس: وزارة التربية والجامعة العامة للتعليم الأساسي يوقعان اتفاقا ينهي توتر العلاقة بينهما..    وزارة السياحة تقرّر احداث فريق عمل مشترك لمعاينة اسطول النقل السياحي    المؤتمر الإفريقي الأول حول "آفاق تنمية الدواجن بإفريقيا" على هامش الدورة 20 للصالون المتوسطي للتغذية الحيوانية وتربية الماشية    المجلس الوطني للجهات والاقاليم ...لجنة صياغة النظام الداخلي تنطلق الخميس في النظر في الاحكام العامة والعضوية والحصانة (الناطق باسم اللجنة)    عقوبات مكتب الرابطة - ايقاف سيف غزال بمقابلتين وخطايا مالية ضد النجم الساحلي والملعب التونسي ونجم المتلوي    النادي الافريقي- جلسة عامة عادية واخرى انتخابية يوم 7 جوان القادم    روبليف يقصي ألكاراز ويتقدم لقبل نهائي بطولة مدريد المفتوحة للتنس    عيد العمال العالمي: تجمع نقابي لاتحاد عمال تونس وسط استمرار احتجاج الباعة المتجولين    عيد العمال العالمي: تدشين المقر التاريخي للمنظمة الشغيلة بعد أشغال ترميم دامت ثلاث سنوات    الاحتفاظ بعنصر تكفيري مفتش عنه من اجل الانتماء الى تنظيم ارهابي    تونس تعرب عن أسفها العميق لعدم قبول عضوية فلسطين في المنظمة الأممية    الاحتفاظ بتلميذ تهجم على استاذته بكرسي في احد معاهد جبل جلود    القصرين: وفاة معتمد القصرين الشمالية عصام خذر متأثرا بإصاباته البليغة على اثر تعرضه لحادث مرور الشهر الفارط    جندوبة: فلاحون يعتبرون أن مديونية مياه الري لا تتناسب مع حجم استهلاكهم ويطالبون بالتدقيق فيها    الكاف: اليوم انطلاق فعاليات الدورة التاسعة لمهرجان سيكا جاز    ندوات ومعارض وبرامج تنشيطية حول الموروث التراثي الغزير بولاية بنزرت    بعد تتويجه بعديد الجوائز العالمية : الفيلم السوداني "وداعا جوليا " في القاعات التونسية    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    القيروان: إطلاق مشروع "رايت آب" لرفع الوعي لدى الشباب بشأن صحتهم الجنسية والانجابية    اعتراف "أسترازينيكا" بأن لقاحها المضاد لفيروس كورونا قد يسبب آثارا جانبية خطيرة.. ما القصة؟    الفنانة درصاف الحمداني تطلق أغنيتها الجديدة "طمني عليك"    تفاصيل الاطاحة بمروجي مخدرات..    هام/ إصدار 42 ملحقا تعديليا من جملة 54 ملحقا لاتفاقيات مشتركة قطاعية للزيادة في أجور العاملين في القطاع الخاص    التشكيلة الاساسية للنادي الصفاقسي والترجي التونسي    تحذير من برمجية ''خبيثة'' تستهدف الحسابات المصرفية لمستخدمي هواتف ''أندرويد''..#خبر_عاجل    هام/ وزارة التربية تدعو إلى تشكيل لجان بيداغوجية دعما لتلاميذ البكالوريا..    وزارة التجارة: لن نُورّد أضاحي العيد هذه السنة    غرفة القصابين: معدّل علّوش العيد مليون ونص    تونس تشارك في معرض ليبيا للإنشاء    مهرجان سيكا جاز: تغيير في برنامج يوم الافتتاح    الطبوبي في غرة ماي 2024 : عيد العمّال هذه السنة جاء مضرّجا بدماء آلاف الفلسطينين    سامي الطاهري يُجدد المطالبة بضرورة تجريم التطبيع    اليوم: تونس تحيي عيد الشغل    اليوم.. تونس تحتفل بعيد الشغل    وزارة الفلاحة تضبط قيمة الكيلوغرام من التن الأحمر    غدا.. الدخول مجاني الى المتاحف والمواقع الاثرية    عاجل/ "أسترازينيكا" تعترف..وفيات وأمراض خطيرة بعد لقاح كورونا..وتعويضات قد تصل للملايين..!    مختص في الأمراض الجلدية: تونس تقدّمت جدّا في علاج مرض ''أطفال القمر''    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    يوم 18 ماي: مدينة العلوم تنظّم سهرة فلكية حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشّمس    خبراء من منظمة الصحة العالمية يزورونا تونس...التفاصيل    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صعوبات عديدة تنتظر الحكومة المقبلة:البنك الدولي يجمّد صرف 250 مليارا لتونس
نشر في التونسية يوم 28 - 10 - 2014

التونسية (تونس)
علمت «التونسية» أن البنك الدولي رفض رسميا صرف مبلغ 250 مليون دولار لفائدة الحكومة الحالية جراء عدم التزامها بالقيام بعدد من الاصلاحات البنكية والإدارية. وأفادت مصادرنا أن عدم صرف هذا المبلغ في الفترة القادمة سيتسبب في عدم قدرة الحكومة بداية من ديسمبر القادم على تسديد أجور شهر ديسمبر بالنسبة للوظيفة العمومية والقطاع العام .
وكانت «التونسية» قد كشفت منذ مدة عن وصايا البنك الدولي لتونس تحضيرا للمرحلة القادمة بانتخاب حكومة جديدة منبثقة عن الانتخابات التشريعية القادمة حيث بينت مصادر «التونسية» أن توصيات عديدة سيتم توجيهها للحكومة القادمة كشرط من شروط الدعم للسنوات القادمة. وبينت مصادرنا أن البنك الدولي يعتقد أن لتونس إمكانيات كبيرة في قطاعات الخدمات يمكن ان تعزز عملية التحول الهيكلي وتصبح مصدرا لنمو ديناميكي وخلق فرص العمل، وخصوصا للخريجين وخاصة بعد أن أبرزت عدة دراسات أن لتونس إمكانات كبيرة في قطاع تصدير الخدمات.
وأكد البنك الدولي في وثيقة سيتم الكشف عنها إثر الانتخابات أن قطاعات الخدمات تلعب في عالمنا المعولم اليوم وبشكل متزايد دورا محوريا وتشير التقديرات إلى أن تحرير قطاع الخدمات بشكل شامل قد يعزز النمو والاستثمار ويؤدي الى خفض معدل البطالة بنسبة 2.4 في المائة. ويرى البنك الدولي أنه ينبغي على تونس تسريع التكامل التجاري واعتماد استراتيجية «هجومية» في قطاعات الخدمات والتي تتوفّر فيها على ميزة نسبية قوية، مما يعني وجود إمكانية كبيرة للتّصدير. وقد تم من خلال الدراسات السابقة تحديد العديد من القطاعات ذات الامكانات الكبيرة: تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ونقل مراكز الانتاج الى الخارج، والخدمات المهنية، ووسائل النقل والخدمات اللوجستية والسياحة والخدمات الصحية والتعليم العالي. وكمثال على ذلك، يرى البنك الدولي أنه في إطار نقل الخدمات الى الخارج بإمكان تونس توفير 10000 وظيفة إضافية سنويا من تطوير هذا القطاع.
تحرير التجارة
وعلمت «التونسية» أن البنك الدولي سيقترح على الحكومة القادمة تحرير التجارة والذي يشترط أولا إصلاح بيئة الأعمال والمنافسة بصفة عامة كما أن فتح أي قطاع خدماتي للمنافسة المحلية مثل الخصخصة أو الغاء احتكار الدولة أو المنافسة الأجنبية دون التطرق إلى البيئة التنظيمية وبيئة المنافسة المحلية قد تكون له آثار سلبية، وهو ما يؤدي على سبيل المثال الى ظهور سلوكات منافية للمنافسة وارتفاع الأسعار وان الحكومة تحتاج إلى ضمان أن تكون الإصلاحات التنظيمية فعالة بحيث توفّر قدرا أكبر من المنافسة وتعالج أوجه القصور في السوق.
ودعا البنك الدولي إلى ضرورة أن تشمل معظم الإصلاحات التي سيتم القيام بها فتح قطاعات الخدمات أمام المنافسة وينبغي أن يتم القيام بها من جانب واحد خدمة لمصلحة تونس، دون انتظار للمفاوضات التجارية المتبادلة.
واعتبر البنك الدولي أن الحواجز القطاعية والأفقية لا تزال تعوق القدرة التنافسية لقطاعات الخدمات في تونس وان النظام الريعي الذي وضعه النظام القديم اعتمد بشكل كبير على هذه الحواجز الأفقية التي تضاف إلى تعقيد الإطار التنظيمي وغياب الشفافية في المنظومة.
ويقول البنك الدولي « ينبغي أن تركز الحكومة على استعادة الأمن القانوني والقدرة على التوقّع، وان تغتنم فرصة المفاوضات التجارة الإقليمية لإزالة الحواجز الأفقية غير الضرورية أمام التجارة ويمكن للمفاوضات التجارية الإقليمية، لا سيما مع الاتحاد الأوروبي، أن تمثّل قوة دفع وأن تساعد في بناء توافق في الآراء حول الإصلاحات كجزء من عملية التقارب، ولكن لا ينبغي أن تصبح ذريعة لتأخير الانفتاح من جانب واحد في قطاعات الخدمات والذي يصب في مصلحة تونس والذي من شأنه أن يؤدي إلى زيادة الاستثمار وخلق فرص العمل. يمكن تصور التكامل الإقليمي كأداة لتعزيز الحكم الرشيد تكمن فوائدها الرئيسية في عملية التقارب التي من شأنها أن تساعد على استعادة بيئة تنظيمية شفافة وآمنة ويمكن توقّعها وأن ترسل اشارة قوية للمستثمرين المحتملين».
اطلاق العنان للفلاحة
وعلى الصعيد الفلاحي علمت «التونسية» أن البنك الدولي سيدعو الحكومة القادمة إلى اطلاق العنان لإمكانات الفلاحة حيث يمكن لتونس الاستفادة من الفرص المتاحة لتصدير المنتجات الزراعية إلى الاتحاد الأوروبي باعتبار ان الاتحاد الأوروبي انتاج بلدانه من الغلال والخضروات، وهي المنتجات التي تتوفّر تونس فيها على ميزة نسبية، ولكن بالنسبة لمعظم هذه المنتجات فاّن تونس لا تستخدم سوى جزء صغير من حصصها التصديرية المتاحة إلى الاتحاد الأوروبي. وبدلا من الاستفادة من هذه الفرصة التصديرية تقوم تونس بدعم حماية المنتجات التي لا تتوفّر فيها على ميزة، والتي لا تزال تحظى بالحماية بموجب السياسة الزراعية المشتركة للاتحاد الأوروبي، ولا سيما الحبوب والحليب ولحوم الأبقار.
وبين البنك الدولي أن إصلاح السياسات الزراعية يمكن أن يؤدي الى إطلاق العنان للإمكانات الزراعية في المناطق الداخلية. وأنه لتعزيز القدرة التنافسية للقطاع الفلاحي يجب تنفيذ اصلاح جوهري للسياسات الزراعية بصورة متدرجة. وحسب خبراء البنك الدولي يجب أن يتّبع هذا الإصلاح أربعة محاور رئيسية هي: رفع الدعم تدريجيا عن الأسعار وعن دعم المدخرات واستبدالها بنظام للدعم المباشر للدخل مما يخلق اختلالات أقل وإنهاء تدخل الدولة المباشر في تسويق المنتجات الزراعية، وتطبيق برامج اجتماعية موجهة لمساعدة المواطنين الفقراء والضعفاء مباشرة وليس عن طريق الدعم الفلاحي وتحسين البنية التحتية وغير المادية والخدمات للقطاع الزراعي، ولا سيما من خلال تعزيز البحوث والارشاد والري والسجل العقاري والتمويل والتأمين، والبنية التّحتيّة للنقل، والتي تعتبر جميعها ضرورية لنمو الفلاحة. ومن المهم أن نلاحظ أن الهدف من هذا الإصلاح لا ينبغي أن يكون الحد من التمويل المخصص للقطاع الفلاحي، وإنما ضمان أن يعاد توزيع هذه الموارد نحو أكثر الأدوات فعالية لدعم الإنتاج الزراعي دون إحداث اختلالات ودون تقويض الميزة النسبية. وهذا بدوره من شأنه أن يحقق زيادة الاستثمار وفرص العمل في الفلاحة.
ويرى البنك الدولي أن تونس تتمتع بفرصة فريدة من نوعها من حيث موقعها الجغرافي القريب من السوق الضخمة المتمثلة في الاتحاد الأوروبي (28 بلدا) وأنّها لا تزال في أولى خطواتها في استغلال مؤهلاتها للتصدير نحو الاتحاد الأوروبي، وان الدمج التجاري لتونس بقي مقتصرا على أنشطة تجميع المنتجات وإعادة تصديرها نحو فرنسا وإيطاليا. وتعود أسباب هذا الدمج التجاري السطحي إلى طبيعة السياسات الاقتصادية التي حالت دون تمكين الشركات التونسية من تسلق سلم القيمة المضافة. ويقول تقرير البنك: لقد كانت معظم الإصلاحات الرامية للحد من الاختناقات قصد التمكين من مزيد من الاندماج في الاقتصاد العالمي ذات صبغة محلية وأحادية الجانب، ترمي للنهوض بالاستثمار ولخلق فرص العمل في البلاد. إن من شأن الدمج التجاري الدولي والإقليمي أن يدعم هذا التمشي بإدخال جملة من الإصلاحات الضرورية. وبالنظر إلى الإمكانات العالية التي يتمتع بها قطاع تصدير الخدمات والدور الذي يلعبه بوصفه العمود الفقري للاقتصاد ككل، ستجني تونس فوائد كبيرة من فتح المنافسة في قطاع الخدمات.
ويرى البنك الدولي أن من شأن إصلاح الإطار العام للمنافسة ومنظومة الصفقات العمومية أن يلعب دورا محوريا في النهوض بالقدرة التنافسية للقطاع المحلي الداخلي وبالتالي تمكين الشركات المصدرة من الاعتماد على المنتجات المحلية الوسيطة والترفيع من القيمة المضافة للصادرات التونسية.
ومن حيث التوجه الاستراتيجي، فإن البنك الدولي يرى أن الإمكانيات التونسية للنهوض بالصادرات نحو الاتحاد الأوروبي تفوق بكثير إمكانيات منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط وأنه بالتوازي مع الجهود المبذولة قصد التحسين من الدمج التجاري عبر منطقة المغرب العربي الكبير، يجب أن تواصل تونس سعيها إلى تعميق الدمج التجاري مع الاتحاد الأوروبي وتحقيق مكاسب كبيرة من الدمج الاقتصادي مع ليبيا، بشرط إرساء جملة من الإصلاحات الأساسية قبل تعميق التكامل بين البلدين، رغم أن الانعكاسات تظل بسيطة بالمقارنة مع بعض المبادرات الأخرى التي اتخذتها تونس، مثل التكامل مع الاتحاد الأوروبي.
واقترح البنك الدولي على الحكومة القادمة للحد من الفوارق الجهوية ضرورة تهيئة بيئة تتميز بتكافؤ الفرص واعتماد سياسات اقتصادية من شأنها التخفيف من تلك الفوارق بدلا من تقويتها.
وتم اعتبار أن السياسات الاقتصادية الحالية وخاصة السياسات التنافسية والصناعية، إضافة إلى مجلة الاستثمارات والسياسات الزراعية وسياسات التشغيل قد زادت من حدة تكاليف الاستثمار في المناطق الداخلية وساهمت في ترسيخ الفوارق الجهوية وإن الاعتماد على السياسات الاقتصادية ' العمياء جغرافيا' هو الشرط المسبق الذي وجب توفره للتخفيف من حدة الفوارق الجهوية. وإلى جانب الحد من الاختلالات التي تسببت فيها السياسات القائمة، يتّضح من خلال الرجوع الى التجارب الدولية أنه على الحكومة التركيز على تحسين الخدمات وجودتها.
ويقول البنك الدولي «ينبغي على الحكومة تحسين من إمكانيات النفاذ إلى الخدمات الأساسية في المناطق النامية، مع السعي إلى تحقيق النفاذ الشامل، مع خدمات أساسية ذات جودة عالية». ويتبين من خلال تحليلنا أن عامل قابلية التنقل لا يشكل عائقا كبيرا على مستوى المناطق الحضرية بتونس، حيث أن الفوارق بين الجهات وداخل الجهة الواحدة تعتبر ضئيلة، نسبيا وتولد الاختلافات في الخصائص واختلافات على مستوى الاستهلاك، سواء داخل المنطقة الواحدة أو بين المناطق. وبالتالي، فإن التحسين من إمكانيات النفاذ إلى الخدمات الأساسية وخاصة النفاذ إلى الخدمات الصحية والتربوية ذات الجودة في المناطق النامية يبقى الهدف الأساسي للسياسات الحكومية. علاوة على ذلك، فإن أصحاب القرار السياسي في حاجة إلى التفكير في ما يتجاوز توفير البنية التحتية للبت كذلك في تحديد التكاليف المتعلقة بتوسيع نطاق النفاذ وجودة الخدمة، مع كيفية استرداد تلك التكاليف. لقد عرفت العديد من الدول الأخرى آثارا إيجابية من جراء هذه الإصلاحات، فقد قامت كل من الجزائر ومصر والمغرب باتباع مبدأ اللامركزية الإدارية وإصلاح البرامج التعريفية للتحسين من استرداد التكاليف، خاصة في توفير المياه.
وبيّن البنك الدولي ضرورة إدراك أن الحوافز الجبائية والمالية من أجل التنمية الجهوية قد لا تساعد على تحقيق الأهداف. ويتبين من خلال العديد من التجارب الدولية وهو ما تؤكده كذلك التجربة التونسية أن الحوافز المالية والجبائية المقترحة للمستثمرين لا تمثل بديلا للسياسات التي تطرقنا إليها سلفا.
ويعتبر البنك الدولي أن إصلاح منظومة الحيطة الاجتماعية في تونس شرط مسبق لجميع الإصلاحات وأنها تحتاج إلى تعزيز من أجل حماية فعالة للفئات الهشة والفقيرة، والتحسين من النجاعة وتحقيق مزيد من الإنصاف. وأشار البنك الدولي الى فشل نظام الضمان الاجتماعي في تونس في حماية الفئات الأكثر فقرا، إذ نجد أن أكثر المنتفعين منه ينتمون إلى الأوساط الأيسر حالا، مما أدى إلى تفاقم اللامساواة والتوتر الاجتماعي. ويقوم النموذج الحالي على الدعم الموجه للمواد الغذائية والمحروقات بصفة غيرمستهدفة (نسبة من الدعم موجهة إلى غير مستحقيه)، مما يجعله مكلفا وغير منصف.
منظومة دعم المحروقات
وإلى جانب أسعار المواد الغذائية والمحروقات على الصعيد الدولي، ارتفعت كذلك التكاليف الجبائية بسرعة فائقة لتصل، في السنوات الأخيرة، ٪7 من الناتج المحلي الخام في 2012. وإضافة إلى الخسائر المالية المسجلة على مستوى صناديق الضمان الاجتماعي (منح التقاعد والتأمين على الصحة)، فإن ذلك يؤكد على الحاجة إلى إصلاح شامل وعاجل لمنظومة الضمان الاجتماعي في تونس. وقد أظهرت تجارب برامج الحماية الاجتماعية في كل من البرازيل والمكسيك، والعديد من البلدان الأخرى في جميع أنحاء العالم، أن برامج الحماية الاجتماعية المحكمة من شأنها أن تساهم في تعزيز التنمية الاقتصادية الشاملة. (لا يتطرق هذا التقرير إلى مناقشة إصلاح منظومة الحماية الاجتماعية) إمّا على مستوى دعم المحروقات والمواد الغذائية. فيقول تقرير البنك الدولي أن اصلاح منظومة الدعم يتطلب الاعتماد مسبقا، على منظومة للحيطة الاجتماعية قصد حماية الأسر الضعيفة الحال من الآثار التي قد تترتب عنها هذه الإصلاحات. ويجب أن تسير إصلاحات منظومة الدعم جنبا إلى جنب مع جملة من التدابير الاجتماعية المخففة التي من شأنها حماية الفئات الفقيرة والهشة مع اعتماد مساعدات وتحويلات موجهة لبعض القطاعات وإعفاءات جبائية وأسعار تفاضلية للطاقة ودعم لتشغيل العملة ذوي الوضعيات الصعبة. واستنادا إلى تجارب كل من البرازيل وإندونيسيا وجمهورية الدومينيك والشيلي، تمكن مثل هذه التدابير الاجتماعية من الحد من انعكاسات الإصلاحات على الأسر، خاصة برامج المساعدة المؤقتة أو التحويلات النقدية الموجهة للأسر الضعيفة الحال من خلال الشبكات البنكية أو التحويلات النقدية. وبالنسبة لتونس، يرى العديد من المعنيين بالأمر أن العملية التعويضية المتمثلة في التحويلات المالية هي الخيار الأفضل من ناحية النجاعة على مستوى الإدارة والشفافية. وتتمتع تونس بمنظومة تحويلات تعرف بالبرنامج الوطني لإعانة للعائلات المعوزة. ورغم النقائص التي تشتكي منها هذه المنظومة، سواء كان ذلك على مستوى دمج الفئات غير الفقيرة أو على مستوى إقصاء الفئات الفقيرة فإنه من الممكن تحسين هذا الاستهداف، بناء على الخبرة الدولية الواسعة النطاق في هذا المجال وعلى التكنولوجيات الحديثة. ليس من الصعب تعزيز برنامج PNAFN، وهو ما من شأنه ضمان الشفافية والحوكمة الرشيدة على مستوى طرق الاستهداف الجديدة التي سيقع إتباعها.
ويؤكد البنك الدولي في التوصيات الموجهة للحكومة القادمة أنه يجب استخدام إصلاح منظومة الدعم لإرساء منظومة حماية اجتماعية محكمة وموجهة، تضمن عدم إقصاء أي كان. ويمكن بذلك تخصيص الموارد المدخرة التي تحققت من إصلاح منظومة الدعم لتغطية التحويلات اللازمة لحماية الأسر الضعيفة الحال وتمويل الاجراءات الاقتصادية اللازمة.
وحسب البنك الدولي فإن تكلفة برنامج دعم الأسر الضعيفة الحال، بما في ذلك العملة، تختلف باختلاف عدد الأسر المستهدفة ومبالغ التحويلات. ومن الواضح أنه كلما ارتفع عدد الأسر المتحصلة على المساعدات أوعدد الأنشطة الصناعية التي يتم دعمها خلال هذا الانتقال، كلما قل توفر الموارد الموجهة للاستثمار العام أو التدابير الجبائية والتي يرتقب منها تعزيز النمو على المدى الطويل.
وختم تقرير البنك الدولي قائلا: «وحسب التوصيات التي سيتم توجيهها إلى الحكومة القادمة فإن تونس تتواجد اليوم في مفترق طرق وأمامها فرصة فريدة من نوعها للشروع في تغييرات جذرية لسياساتها الاقتصادية. هناك حاجة ملحة لرؤية جديدة للتنمية الاقتصادية للبلاد، تكون محل وفاق أغلبية التونسيين وتملي طبيعة الإصلاحات المطلوب إدخالها على المنظومة الحالية. وهذا يتطلب قيادة قوية لإرساء حوار وطني حول كيفية إنشاء بيئة اقتصادية سليمة من شأنها أن تعزز الاستثمار وأن تمكن الشركات من الزيادة في إنتاجيتها والرفع من قدرتها التنافسية على الساحة الدولية، وبالتالي تسريع خلق مواطن الشغل وإرساء منظومة للتوزيع العادل للمرابيح الناتجة من هذا النمو، حتى لا يقع إقصاء أي طرف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.