محمد بوغلاب لم يكن الأردن يوما بلدا منتجا للسينما ولم تكن السينما من خياراته الثقافية، عدا بعض الاستثناءات بدأت بفيلم نديم مطالقة «كابتن أبو رائد» الذي حقق جائزة «أفضل فيلم أول» في مهرجان دوربان في إفريقيا الجنوبية وجائزة (المخرج جون شليسنجر) في مهرجان «بالم سبرينغز» الأميركي وجائزة أفضل مخرج في مهرجان سياتل الدولي وجائزة الجمهور في مهرجان صندانس و جائزة المهر العربي في مهرجان دبي السينمائي سنة 2007. أفلام أردنية أخرى نالت جوائز عالمية: «إعادة تكوين» لمحمود المساد (من مهرجاني سان سابستيان وصندانس): «الجمعة الأخيرة» ليحيى العبد الله (من دبي، فريبورغ وسان سيباستيان) و«مدن ترانزيت» لمحمد حشكي (دبي) كنا نظن أنفسنا أحد مراكز الإبداع السينمائي تماما مثل المغرب وبدرجة أقل سوريا قبل أن تصبح ملاذا لداعش وجبهة النصرة وغرفة مركزية لجهاد النكاح ، دون الحديث عن مصر التي مازالت هوليود الشرق رغم الأزمة العميقة التي تمر بها الصناعة السينمائية هناك ، غير أن الأردن غير نظرته إلى السينما بقرار سياسي بإحداث الهيئة الملكية للأفلام التي باتت نافذة على العالم لاستقطاب المنتجين العالميين للتصوير في الأردن، وأحدث صندوق الأردن لدعم الأفلام بما يوفر سندا إنتاجيا مهما لجيل جديد من السينمائيين الشباب ومن بينهم ناجي أبو نوار مخرج فيلم"ذيب" الذي ولد في لندن وتربى في عمان عاصمة المملكة الهاشمية وتخرج سنة 2005 من ورشة عمل "راوي" لمؤلفي السيناريو ، عام 2009 اخرج فيلمه القصير الأول "موت ملاكم" الذي عرض في مهرجان دبي السينمائي ، ويعد "ذيب" ثاني فيلم لناجي ابو نوار وأول أفلامه الطويلة وعنه فاز بجائزة افضل مخرج في قسم آفاق من مهرجان البندقية كما شارك "ذيب" في مهرجان لندن السينمائي الذي يُعد احد أهم المهرجانات الأوروبية وحصل الفيلم على تنويه خاص، كما شارك أيضاً في الدورة ال16 من مهرجان مومباي السينمائي. بالمناسبة سيعرض الفيلم ذيب في تونس خلال أيام قرطاج السينمائية و يسعى منتجوه إلى توزيعه تجاريا في القاعات التونسية اوما بقي منها صوّر الفيلم في ذات المواقع الصحراوية التي صُور فيها من قبل الفيلم الكلاسيكي لورانس العرب(بطولة عمر الشريف )، وضابط المخابرات الأنجليزي المعروف بلورانس العرب ليس بعيدا عن مناخات"ذيب" فقد كان أحد أحد مفاتيح"الثورة العربية الكبرى" ضد الخلافة العثمانية في سنواتها الأخيرة قصة الفيلم تدور سنة 1916 في الجزيرة العربية(السعودية حاليا) حيث كان أجداد حكام الأردن الحاليين(الشريف حسين) الذي كان يمني نفسه بأن يكون ملك العرب ولكن البريطانيين نكثوا بعهدهم وأبرمت إتفاقيات سايكس بيكو التي نصت على تقسيم المنطقة العربية إلى مجموعة دول وأسندت لعبد الله إبن الشريف حسين إمارة الأردن وعين فيصل ملكا على العراق بعد أن إحتل الفرنسيون سوريا التي وعده بها الأنجليز، أما الشريف حسين فإضطر للتخلي عن عرشه لإبنه علي وعاش منفيا في جزيرة قبرص قبل أن يتجه إلى الأردن حيث مات ودفن في القدس وإستولى آل سعود على إمارته في الحجاز ليكون ميلاد دولة المملكة العربية السعودية الحالية. يقول المخرج ناجي أبو نوار الحاصل هذا العام على جائزة مجلة "فارياتي" لأفضل مخرج في الشرق الأوسط «لم يستغرق التصوير قدرا كبيرا من الزمن، غير أن الإعداد استغرق عامين ثم عامين آخرين في الموقع». ويضيف أبو نوار متحدثا عن ظروف الإعداد لفيلم"ذيب" «طرقنا أبواب كافة القرى في المنطقة وتقابلنا مع الكثير من الناس، ثم دعوناهم إلى تناول الشاي لدى منزل شيخ القبيلة أو في مكان عام». وبعد تلك الدعوة المفتوحة إلى الناس في المنطقة، كان على فريق الإنتاج اختيار 11 شخصية فقط من بين 250 فردا. عقدنا لهم ورشة تمثيل لمدة 8 أشهر لتدريبهم على فنون التمثيل من أجل تصوير الفيلم" وعن الديكور والملابس يقول المخرج «شاهدت الكثير من الصور التاريخية. حيث تعتمد الملابس على الصور الأرشيفية للفترة بين عام 1905 وحتى عام 1920. وتحديدا الصور الموجودة في جامعة نيوكاسل الإنجليزية التي التقطتها الرحالة الإنجليزية جيرترود بيل، التي تجولت في المنطقة في تلك الفترة وأرشيف مكتبة الكونغرس الأميركية". كان الطفل ذيب يعيش في هدوء في عشيرته في حماية الأب صاحب الصيت الذائع، بوفاة الأب إحتمى ذيب بشقيقه حسين الذي أخذ على عاتقه تدريب شقيقه ليكون قادرا على مواجهة مفاجآت الصحراء . بقدوم الضابط الأنجليزي يتغير مسار الأحداث يطلب هو ودليله المساعدة في الوصول إلى بئر على طريق الحجاج القديم إلى مكةالمكرمة ، يتمسك ذيب بمرافقة شقيقه ومعلمه فهو دليله في تلك الصحراء الواسعة ويلتحق به في رحلة محفوفة بالمخاطر كانت المنطقة تعيش لحظة حاسمة من تاريخها الحديث بعد تشييد خط السكة الحديدية بأمر من السلطان عبد الحميد الثاني الرابط بين تركيا عاصمة الخلافة والمدينة المنورة مرورا بالشام . يقتل حسين والضابط الأنجليزي ويجد ذيب نفسه في موقف غير منتظر، في مواجهة قاتل شقيقه . دون مبالغة يمكن إعتبار"ذيب" فتحا سينمائيا في مدونة السينما العربية، وستكون الفرصة مواتية لسينمائيينا ليشاهدوا الفيلم في أيام قرطاج السينمائية عساهم يعدلون ساعاتهم التي تجاوزها الزمن في كثير من المحطات في إنتظار ما ستكشفه الأيام عن أفلام مختار العجيمي ومديح بلعيد وكوثر بن هنية وغيرهم ...