التونسية (تونس) 3 سنوات من العمل داخل قبة المجلس الوطني التأسيسي، عاش خلالها نواب الشعب عديد المواقف وعدة لحظات بعضها لا يخلو من التشنج وشدّ الأعصاب وبعضها لا يخلو من الطرائف... خطابات جميلة وأخرى منمّقة، كلمات جارحة وأخرى في الصميم، عدة غصرات... في كتابة الدستور والتأسيس للجمهورية الثانية ودولة الديمقراطية وعدة نقاشات حول فصوله وأبوابه الى حين الوصول إلى النسخة النهائية منه... ذكريات لا تنسى ولحظات سجلّها التاريخ وأخرى ستبقى ذكريات لا ينساها النّواب. «التونسية» سألتهم عما بقي في ذاكراتهم وحصلت منهم على أجوبة. محرزية العبيدي: الممارسة ليست سهلة قالت محرزية العبيدي النائب الأول لرئيس المجلس الوطني التأسيسي انّ أهم عمل تحقق خلال ال3 سنوات هو انجاز الدستور الذي إستغرق سنتين من العمل من فيفري 2012 إلى فيفري 2014، واعتبرت انّ التحدي الكبير الذي واجهوه هو الإنطلاق من صفحة بيضاء تحولت إلى دستور، مبيّنة أنهم عاشوا عدّة تجاذبات بين شرعية الخبرة وشرعية النواب المنتخبين ممّا تسبب في عدة خلافات، وأكدّت انّ من أبرز المواقف التي بقيت في الذاكرة هو حمل مسودة الدستور لعرضها على المواطنين تقريبا في 24 ولاية في إطار الحوار الوطني مؤكّدة أن تلك اللّحظات شكّلت لحظات فارقة ولا يمكن أن تنسى على حدّ تعبيرها،معتبرة ان اللقاءات مع المواطنين كانت ممتازة. وأضافت محرزية العبيدي انّ هذه التجربة حملت في طياتها أفكارا جديدة ومقتراحات مثلت توازنا بين البعد العربي الإسلامي والإنتماء الى الحداثة والكونية أي الى المنظومة العالمية لحقوق الإنسان. وكشفت انّ لحظات مناقشة الفصل الأول في الدستور وما رافقها من نقاشات كبيرة لا تنسى، وقالت انّ الشيخ راشد الغنّوشي لعب دورا مهما في حسم تلك الخلافات ليتحوّل الفصل إلى حجر الأساس ولكي يصبح جامعا لكلّ التونسيين. واعتبرت العبيدي انه رغم ذلك فإن معاني الفصل الأوّل أصبحت واضحة أكثر بالفصل الثاني الذي ينّص على أن تونس دولة مدنية قائمة على المواطنة وعلى علوية القانون مشيرة الى أنّ الثورة الحقيقية هي إنجاز الدستور وأنه حجر الأساس، معتبرة أنه يجب تطبيق عديد المعاني كالحق في المساواة وفي العيش الكريم . وأضافت أنّ الفصل 49 يعتبر من أهمّ الفصول حيث يختم باب الحقوق والحريات. واعتبرت أنّ الجانب الذي لم يطبق كما يجب هو الحكم المحلي والديمقراطية المحلية ملاحظة ان هذا الأمر سيتجسد أكثر من خلال إنتخاب مجالس جهوية . وقالت أنّه كانت هناك لحظات صعبة في مناقشة الفصول ومنها الفصلان 6 و108 على سبيل المثال، معتبرة ان الديمقراطية ليست قناعات فقط ولا تمنيات مضيفة ان هناك علاقات إنسانية تكونت داخل المجلس بين النواب. وكشفت العبيدي ان العطاء اختلف من نائب إلى آخر وان هناك من كان يهتمّ فقط بالعروض الفرجوية وهناك من كان يعمل في صمت، مبينة انها تثّمن كثيرا دور النساء اللاتي عملن في اللجان للمجهود الذي بذلنه وكذلك الزملاء الذين ساهموا في النقاشات وفي انجاز الدستور. وقالت «عشنا عدة تجاذبات وتعطيلات مما ضيّع علينا الكثير من الوقت»، مؤكدة ان الديمقراطية ممارسة وأن الممارسة ليست سهلة وانه يجب الإستفادة من دروس الماضي، داعية إلى ألاّ يتم تكرار نفس الأخطاء. سامية عبّو: كان بالإمكان أفضل ممّا كان من جهتها قالت النائبة سامية عبوّ من «التيّار الديمقراطي» أنّ تجربة «التأسيسي» ضمّت عدة أشياء جميلة وأخرى سيئة،مضيفة انّ هذه التجربة إحتوت على الكثير من الجهد والتعب،واعتبرت انه وللأسف ورغم المجهود الكبير فإنّ الصورة التي ترسخت لدى المواطنين تعلقت فقط بالنواحي السلبية التي شهدها المجلس. واعتبرت عبّو ان ساعة من العمل صلب المجلس الوطني التأسيسي تعادل 5 ساعات من العمل في مكتب أو إدارة. وأضافت انّ أسوا الذكريات كانت تلك التي تعلقت بخبر إغتيال الشهيد محمد البراهمي، معتبرة انّ هذا الحدث كان مريعا، وأن خبر إغتيال شكري بلعيد كان سيئا وتأثيره شديدا. وقالت انّ من بين اللحظات الجميلة التي عاشتها كانت لحظة المصادقة على الدستور، وقالت انها غير راضية عن الكثير من الأشياء. وأشارت سامية عبّو إلى انه كان بالإمكان أفضل مما كان وانه كان يمكن القيام أيضا بعدة إصلاحات إضافية حتّى لا تتمكن المنظومة القديمة من العودة، ملاحظة انّ عديد الملفات لم تفتح لا داخل المجلس ولا في الإعلام مما جعل بعض الوجوه من المنظومة القديمة تعود إلى الساحة وكأنها لم تفعل شيئا، وأكدت انه تم تحميل بن علي وعائلته وأصهاره كلّ التهم من نهب وقتل... في حين ظهر البقية وكأنهم أبرياء... وقالت انّها تحملّ المجلس الوطني التأسيسي بالدرجة الأولى مسؤولية ذلك. وشدّدت على انه تم ارتكاب أخطاء فادحة على المستوى السياسي، متمنية ألاّ يتحملّ ثمنها الشعب التونسي. المولدي الرياحي: جسامة المسؤولية من جهته قال المولدي الرّياحي انه فخور بكونه كان رئيس كتلة «التكتلّ» بالمجلس التأسيسي، وأضاف انّ «التكتلّ» وتقريبا جلّ أعضاء الكتلة ومستشاريهم ساهموا في صياغة الدستور الجديد وفي أعمال اللجان التشريعية المختلفة،مثمّنا ما قام به مصطفى بن جعفر في إدارة المرحلة الإنتقالية بصفته رئيسا للمجلس وكذلك في حماية المسار الإنتقالي من المخاطر التي كانت تحدّق بتونس. وقال انّ ما سيبقى في ذاكرته هو مساهمة نواب «التكتل» مساهمة فعّالة في وضع أسس الدولة المدنية التونسية الجديدة، وفي وضع أركان الجمهورية الديمقراطية ليتمكن التونسي من أن يعيش حداثته في القرن 21 ولكي نبني على هذه الأسس الصلبة مجتمعا تونسيا عادلا متوازنا ينعم بالحرية وتتقلّص فيه الفوارق بين الجهات والفئات وتتّحقق أهداف الثورة . وأضاف الرّياحي أنّ الدستور يضمن حق التونسيين والتونسيات في المواطنة وفي الشغل وفي العيش الكريم، و يضمن للأجيال القادمة كلّ حقوقها في الأمن والأمان وفي التعليم والصحة والثقافة والسكن وكلّ ظروف الحياة اللائقة. وقال «ما بقي في ذاكرتي ووجداني هو الحزن العميق بفقدان شخص عزيز عليّ شخص كان قريبا مني ومن نفسي»، مضيفا ان سنوات النضال والجمر جمعته والشهيد البراهمي، مشيرا الى مشهد آخر كله أسى ولوعة هو يوم فقدان المناضل شكري بلعيد والذي جمعته به سنوات النضال طيلة عقدين من الزمن على حدّ تعبيره. وأكدّ ان مشاعر الألم كانت تنتابهم كلما علموا بسقوط ضحايا في صفوف الأمنيين والجيش والحرس ...مبينا انّ الأحداث المؤلمة كانت تزيدهم شعورا بجسامة المسؤولية لمزيد العمل على حماية تونس وشعبها من الإرهاب ولبذل المزيد من الجهد سواء كانوا داخل المجلس أو خارجه . وليد البنّاني: لحظة البداية والنهاية من جانبه قال وليد البناني نائب عن حركة «النهضة» انّ أهمّ لحظة سيتذكرّها تقريبا جلّ النواب كانت لحظة المصادقة على الدستور، معتبرا أنّ الفرحة كانت عارمة داخل قبّة المجلس خاصة بعد التصويت بأغلبية مريحة، وكشف انّه لن ينسى كذلك أول يوم له في المجلس وبداية القسم، ملاحظا ان البداية والنهاية لحظتان لن ينساهما. واعتبر البنّاني انّ موقع كتلة «النهضة» حتى على مستوى تمثيلية الشعب كان مهمّا جدا داخل مجلس النواب وان ذلك جعل مهمتهم جسيمة. وقال انه كانت هناك لحظات صعبة ومؤثرة تمثلت خاصة في خبر إغتيال شكري بلعيد والبراهمي مبينا ان تلك اللحظات أخافتهم وجعلت المسؤولية أمامهم أصعب. واعتبر انّ تعليق نشاط المجلس ساهم في إضاعة الكثير من الوقت. وأكدّ وليد البنّاني انّ أهم اللحظات بالنسبة إليه كانت المصادقة على قانون العدالة الإنتقالية بالإضافة إلى تزكية الحكومات. وقال انّ المناخ داخل المجلس والعلاقة بين ال217 نائبا بمختلف انتماءاتهم وكتلهم جعلتهم أصدقاء وزملاء قبل أي شيء آخر. وشددّ البنّاني على أنّ المهمة لن تكون سهلة في المرحلة القادمة من حيث القوانين القادمة أو المصادقة على الميزانية وعلى المحكمة الدستورية وعلى الإصلاحات الكبرى في تونس وعلى مجلّة الإستثمار والإصلاحات الجبائية والتربية والتعليم والأمن ... واعتبر أنّ الكثير من الأعمال تنتظر النواب الجدد، مؤكدا ان تونس تحتاج إلى ترسانة كبيرة من القوانين والأعمال. وكشف أنه سيكون لكتلة «النهضة» ومن خلال التجربة السابقة داخل المجلس وحسب المقاعد التي تحصلت عليها حضور متميز، وانّ المرحلة القادمة ستكون مرحلة بناء، داعيا إلى تفادي الأخطاء التي وقعت سابقا في إدارة المجلس وفي النظرة للمجلس ككل، مؤكدا ان تغليب المصلحة العليا للوطن يجب ان تكون فوق أي انتماء حزبي. محمود البارودي: التاريخ سيذكر هذا المجلس أما محمود البارودي عن «التحالف الديمقراطي» فقد قال انّه بعد فترة من التجاذبات تمّ إنجاز الدستور، معتبرا ان لحظة المصادقة عليه كانت من أهمّ اللحظات لأن النواب وفّقوا في صياغة الدستور الجديد رغم ما مرّوا به من لحظات عصيبة كالإغتيالات وإعتصام الرحيل،وقال ان هناك عدة مواقف هامة ولحظات عصيبة كالمصادقة على حكومة علي لعريض والتي شكلت نقطة مفصلية في ذلك الوقت حيث كثر الحديث عن المحاصصة الحزبية و»الترويكا» ...مبينا ان مشروع العدالة الإنتقالية وتركيز مؤسسات الجمهورية حملا في طياتهما صورا جيدة، مؤكدا انّ أهم شيء ميّز المجلس هو العلاقة بين الزملاء . وكشف البارودي أن التاريخ سيذكر هذا المجلس وان الاجيال القادمة ستتذكره مضيفا انه بالإمكان أفضل ممّا كان وتدارك بعض النقائص، معتبرا انهم قاموا بما يتوّجب القيام به قائلا: «سنترك للتونسيين تقييم ما أنجزنا وتقييم أداء كل نائب». واعتبر انّ المجلس لم يكن مجرد وحدة بل كان يتكون من نواب ومعارضة وكتل وان كلّ نائب أضاف من موقعه للمشهد السياسي وللمجلس بصفة عامة. ابراهيم القصاص: أعتذر لهؤلاء من جهته اعتبر النائب إبراهيم القصاص انّ فترة 3 سنوات لم تكن سهلة بالمرّة وأنها لم تكن كلها «مفرحة»، وقال ان كلّ التونسيين اليوم في سفينة واحدة وانه لا يمكن لأي كان ان يحدث ثقبا في تلك السفينة حتّى لا تغرق. واعتبر انّ من بين المواقف التي أثارت جدلا موقفه الخاص بالمرأة، معتبرا ان بعض النائبات أوّلن هذه المسألة، وقال انّ ما قصده بكلامه كان مبنيا على العرف وعلى التقاليد حيث ان والدته كانت في خدمة والده رحمه الله مما جعلها ترتقي درجات في نظره ولكن هناك من أوّل كلامه بجعل المقصود من كلامه هو انه على المرأة أن تغسل قدمي الرجل. وأكّد ان كلامه عن الإعلام أسئ فهمه أيضا، وانه لم يكن يقصد الإعلام النزيه والأقلام الشريفة وقال «سامح الله من وضع وسائل الإعلام في سلة واحدة». واعتذر القصاص لكل زملائه طالبا منهم ان يسامحوه، وقال أعتذر ان كنت سبّبت لهم أو لأي منهم أي إحراج أو أي نوع من التشنج، واضاف قائلا :»أعتذر لمصطفى بن جعفر رئيس المجلس ان كنت سببت له تشنجا او أغضبته». وأكدّ انّه سامح اي زميل له حتى وان سبب له جرحا. وقال «أرجو لمن أعطاه الشعب الثقة ان يكون في مستواها» وطلب من المعارضة ان تكون بنّاءة». وأضاف انه يتمنى التوفيق لتونس ولأبناء تونس. وعن وجهته بعد «التأسيسي» قال انه حاليا بصدد «خلط الإسمنت» لبناء سور في بيته، مؤكدا انه إعتزل نهائيا السياسية، وانه سيتجه إلى الإشهار بعد أن وصلته عدة عروض من قنوات أجنبية وعربية، وقال «انتظروني في الأشهر القليلة القادمة في جبة تختلف عن جبّة السياسي».