(تونس) محمد بوغلاب في 2 ديسمبر 2001، من شهر رمضان، كنت أرتشف قهوة رفقة صديق قديم لم نملّ من بعضنا حتى اليوم في مدينة الساحلين، رن الهاتف، الدكتور عبد الرزاق الحمامي يتصل، كنت أنتظر قفشاته المعتادة فإذا بصوت حزين يصلني قائلا»عواطف ماتت» لم أفهم، عن أي عواطف تتحدث؟ سألت ومسحت ذاكرتي كل من نعرف ممن اسمهن عواطف، لم يقو سي عبد الرزاق على الرد، وصلني بكاؤه . لا أذكر كيف تنقلت من سوسة إلى العاصمة التي وصلتها ليلا، بمن أتصل يا ربي؟ ما جدوى تذكّر تلك اللحظات؟ حتى في موتها أقلقت عواطف ذوي النفوس المريضة فراحوا يؤلفون القصص من حولها، نفوس مريضة مازالت تواصل مسيرتها باحتراف عال، تمارس الشرّ للشرّ ... هل يدرك هؤلاء ماذا كانت عواطف بالنسبة لجيل كامل من الإعلاميين؟ أنا وكريمة الوسلاتي ونصر الدين اللواتي والهادي زعيم وحسان بلواعر وعفاف الهمامي وريم المؤدب وأماني بولعراس وعلي براهيم وآخرون ... علمتنا عواطف كيف نحب ما نفعل وكيف نحب بعضنا البعض بعد أن نشبع تنافسا ...علمتنا عواطف كيف نجتمع معا نتقاسم «الماء والملح» والضحكات...علمتنا عواطف كيف نتحكم في «الأنا» ونكبح جماحها لنحافظ على العشرة الطيبة ...علمتنا عواطف كيف نكون جديرين باحترام أنفسنا والآخرين ... ماتت عواطف وكاد مركبي يغرق بين الأمواج المتلاطمة، كان عليّ أن أواجه مصيري منفردا دونك، وفعلت وصبرت وتحملت الأذى ممن تعرفين ومن آخرين أوقعتهم الصدفة اللعينة على كراس لا يستحقونها . عواطف، مازلت في الإذاعة، هل تصدّقين؟ وبالمناسبة عدت إلى الميكروفون قبل فترة ... تسألين عن صورتك التي كانت ترافقني في حلّي وترحالي ، لقد سرقت مني... لقد أضاعوها كما أضاعوا اشياء كثيرة .... لا يهمّ....المهم أنك مازلت بيننا ومعنا وفينا أستاذة ومعلمة وأختا وأما في مدينة بلا قلب ....حين حللت بالعاصمة قبل عشرين عاما لم يكن لي غير وجه الله وأنت وصديقي محمد زين العابدين ورشدي نويرة ... اليوم أنا أحسن حالا صدّقيني، لا تعبئي بما تقرئين على «الفايسبوك» ...انا كما تعرفينني منذ كنت تلميذك في معهد الوردانين ... لي بنت رائعة بلغت التاسعة تنتظر قدوم شقيقها...ولي زوجة تحبني وتصم أذنيها عن «أولاد الحرام وبناته» نتقاسم الحياة بشغف، ولي جمع من الأصدقاء يحبونك كثيرا... ولي ذكراك دائما....