مع الشروق : امتحانات ليست كالامتحانات !    دعماً لمطالب أهالي عقارب.. 95 نائباً يوقّعون عريضة لإحداث فرع محلي للكنام    تقرير دولي: تونس من أقل الدول الإفريقية تعرضا لمخاطر تبييض الأموال... التفاصيل    وزارة الفلاحة تنطلق في العمل ببرنامج تخزين كميات من زيت الزيتون لدى الخواص مع اسناد منح للخزن    بطل مسلم ينقذ عشرات اليهود من الموت في هجوم سيدني ويحرج نتنياهو..    الجزائر.. فضيحة "البوشي والكوكايين" أمام القضاء بعد قرابة 8 سنوات    كأس العرب قطر 2025: مدرب منتخب الأردن يؤكد السعي لبلوغ النهائي على حساب السعودية في مباراة الغد    بطولة القسم الوطني "ا" للكرة الطائرة : مولدية بوسالم تفوز على الترجي الرياضي 3-2    البطولة الوطنية المحترفة لكرة السلة: برنامج مباريات الجولة التاسعة    كيف سيكون الطقس هذه الليلة؟    بمشاركة عديد الدول.. ادارة مهرجان نيابوليس لمسرح الطفل تعلن عن موعد الدورة 38    تطاوين: انطلاق الشباك الموحد للحجيج لموسم 1447 ه / 2026 م لفائدة 133 حاجًا وحاجة    كيفاش تتكوّن العاصفة المتوسطية علاش تنجم تتطور إلى إعصار متوسطي؟    عاجل: ''poudre talc'' مشهورة مرفوعة ضدها قضية بسبب مريضتي سرطان...شنيا الحكاية؟    فوز 11 تلميذا في مسابقات الملتقى الجهوي للصورة والسينما والفنون البصرية للمدارس الإعدادية والمعاهد    قفصة : إنطلاق الحملة الوطنية الأولى للكشف المبكر عن اضطرابات الغدة الدرقية    هام: النظارات الطبية تولّي أرخص وأسهل...شوف كيفاش    عاجل/ 10 قتلى بإطلاق النار على تجمع يهودي في سيدني..    وفاة تونسي في حادث مرور بليبيا..وهذه التفاصيل..    حجز 30 غراما من الماريخوانا لدى شخص عاد مؤخرا من ألمانيا..#خبر_عاجل    كأس تونس.. الجامعة تعلن عن موعد سحب قرعة الدور التمهيدي    عاجل: إصابة هذا اللّاعب تجدد القلق داخل الجهاز الفني    المعابر الحدودية بجندوبة تسجل رقما قياسيا في عدد الوافدين الجزائريين..    مدنين / بلدية بن قردان تنطلق في تركيز 390 نقطة انارة عمومية من نوع "لاد" بالطريق الرئيسية ووسط المدينة    توفى بيتر غرين.. الشرير اللي عشنا معاه على الشاشة    عاجل: منخفض جوي قوي يضرب المغرب العربي.. أمطار غزيرة وثلوج كثيفة في الطريق    الكاف : مهرجان "بدائل للفنون الملتزمة" يمنح جائزته السنوية التقديرية للفنّان البحري الرحّالي    المسار الحالي لتونس في مجال السلامة المرورية يقود الى تسجيل 74 الف وفاة و 235 الف اصابة بحلول سنة 2055    الريال يواجه ألافيس ومان سيتي أمام كريستال بالاس ضمن الدوريات الأوروبية    كشف هوية أول مشتبه به في هجوم سيدني    عاجل: التاكسي الفردي يلوّح بالإضراب بعد تجاهل المطالب    الإطار الطبي للمنتخب يتابع الحالة الصحية لنعيم السيتي للمشاركة في كأس إفريقيا    عاجل: شنيا حكاية ضبط كميات كبيرة من الكبدة المنتهية صلوحيتها كانت متجهة نحو الجزائر؟    شنيا حكاية المادة المضافة للبلاستك الي تقاوم الحرائق؟    إنشاء مجمع صناعي متكامل لإنتاج العطور ومستحضرات التجميل ببوسالم    الرياض تستضيف المنتدى العالمي ال 11 للحضارات بدعم غوتيريش و130 دولة    عاجل: الأطباء يحذرون...الطب الشعبي قد يؤدي للوفاة عند الأطفال    أزمة وطنية: أكثر من 1500 مريض ينتظرون زرع الكلى    السوق المركزي في المغرب شعلت فيه النار... خسائر كبيرة    الفئة العمرية بين 18 و44 سنة تمثل 51 بالمائة من مجموع قتلى حوادث المرور (دراسة)    تطورات قضية مصرع مغنية تركية.. صديقة ابنتها تدلي باعترافات صادمة    شنيا يصير وقت شرب ال Chocolat Chaud في ال Grippe؟    الألواح الشمسية وقانون المالية 2026: جدل حول الجباية بين تسريع الانتقال الطاقي وحماية التصنيع المحلي    جون سينا يقول باي باي للمصارعة بعد 23 عام مجد    جندوبة: استئناف النشاط الجراحي بقسم طبّ العيون    اعتقال سوري ومصري و3 مغاربة في ألمانيا بتهمة التخطيط لهجوم إرهابي على سوق عيد الميلاد    السعودية.. السماح للأجانب بتملك العقار وتطبيق النظام المحدث ينطلق قريبا    سوسة.. العثور على جثة مسن روسي الجنسية في حديقة المكتبة الجهوية    تاكلسة.. قافلة صحية لطبّ العيون تؤمّن فحوصات لفائدة 150 منتفعًا    8 أبراج تحصل على فرصة العمر في عام 2026    سوسة: "24 ساعة متواصلة من الشعر"    تنطلق اليوم: لجان تحكيم أيام قرطاج السينمائية    المؤسسة المالية الدولية تؤكد مواصلة دعم تونس في مجال الطاقات المتجددة    موعد الشروع في ترميم معلم الكنيسة بقابس    شنوّا حكاية ''البلّوطة'' للرجال؟    تنبيه لكلّ حاجّ: التصوير ممنوع    خطبة الجمعة.. أعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك    بدأ العد التنازلي لرمضان: هذا موعد غرة شهر رجب فلكياً..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكارْ الصّفراء :حمّام النساء
نشر في التونسية يوم 07 - 12 - 2014


بقلم : الناصر السعيدي
لأن هذه الحافلة تنطلق من محطة احدى الأحياء الشعبيّة للعاصمة ثم تمرّ في مسلكها بمحطّات أحياء أخرى تعاني من الحرمان والمعاناة... رجالها «خدّامة حزام»... ونسوتها عاملات بمصانع النسيج المنتشرة في ضواحي «منّوبة» و«قصر السعيد»...فإن جلّ ركابها من الجنس اللّطيف...ورغم أن التعب والشقاء اغتصب منهنّ النّظارة والوجه المشرق وكبّرهنّ قبل عمرهنّ باعتبار أنّ كبارنا يقولون دوما «الخير يطرّي...والهم يهّري»... فإنّهن يسبقن الحافلة منذ الصباح الباكر لتغصّ بهنّ كلّما قطعت أكثر ما يمكن من الطريق.
وفي وسط الحافلة يولد مجتمع مصغّر... بنات منفردات هائمات بعيون شاردة تخترق زجاج النوافذ وكأنّها تقرأ في تمعّن لوحات الاشهار الثّابتة في صمت على واجهات الأكشاك والمقاهي والمغازات... حلقات من البنات يغازلن بعضهنّ هزلا ودردشة لعلّهن يعشن لحظات متعة قبل أزيز الآلات ووحشة سجن المصانع.
يعطيها هاك الطفلة متاع البارح... باش تهْبل عليه وهو في عمر بوها.
أوه...مالا...عندها حق...مدللّها ومفرهدها...
الكرهبة والفيلا والشيخات...خير من طفل صغير منتّف.
لا أخيّتي...عجوز كبّي...كيف الزّير المتكّي... لا يضحّك ولا يبكّي.
وانطلقت بنتان تغنّيان وتصّفقان...«شايب لا لا ...يا آمّا... شايب لا لا...قدرة ومكاتيب اللّه يا آمّا»...فتتجاوب معها جلّ الرّاكبات بالزّغردة والضّحكات».
اللطف يا ربّي... لا حشمة ولا جعرة.
ريت ماهو...هذيكة عاملة روحها بطل وهي كمباصة كبيرة في المعمل متاعنا.
ما غير ما تقلّي... ماهي القوّادة متاع الشّاف.
اللّه يجيرنا...ربّي لا يعطينا ما يغلبنا.
الحافلة تترنّح...تتهادى ثم تتوقف فجأة أمام الضّوء الأحمر خلف جحافل السيارات والشاحنات والحافلات والدراجات الناريّة...الجو يختنق داخل الحافلة...ضجر وقلقل وتوتّر...يتنهّدن...يتأفّفن.
خبزة مرّة..ربّي يخفّف ها المكتوب.
يا ربّي كان نخلطو موخّر إلاّ ما يتّنقب النهار.
هدرة كبيرة...على زوز صوردي ناخذو فيهم...
لا منحة إنتاج ولا كنام ولا تأمين ولا كونجي.
عادة أخيتي قريت على روحك؟
اللّه غالب...ماهو كيف خطبني هاك المكبوب ولد خالتي...قلت نخدم باش نجهز روحي ونهز وذنين القفة مع والديّ.
حقة آش عمل سي خطيبك في إيطاليا؟
هانو يستنّى في لوراق...قالوا كل واحد حرقْ باش يعطوه إقامة متاع ثلاثة شهور.
ربّي معاه...أنا خويا ما عطاووه الإقامة إلاّ ما عرّس بعجوزة طليانيّة..راهي مصّتلو شبابو وصحْتو.
ومن إحدى أركان الحافلة تكلّمت إحدا هنّ بصوت رخيم... معنى معنى تتدلّل :
إيجى خالتي...أنت أكبر منّي... شد بقعتي ورْتاح قبل ما نوصلو للمعمل.
نعم.. أكبر منّك...كبْ سعد العار...أنت ظفرتْ الشيّب وتقلّى خالتي.
صمتت البنت وخيّم السّكون على الحافلة إلاّ من بعض الضحكات الخافتة وبعض الوشوشة والهمس والتوتويت.
ما اقواها... ربّي يهدها... شافة بالتكمبيل والتّشحيت...محمرة ومدبّغة وهي في عمر ممّاتي.
وفجأة عطست احداهما واضعة يدها على فمها.
رحمك اللّه...يهدينا ويهديك اللّه.
واللّه نخمّم نخدم اليوم ولاّ ناخذ كونجي.
هو أنا عندي ثلاثة أيام ونخمّم في كونجي متاع جمعة كاملة... هانوا الطبّة يبيعو في الشهائد الطبية على خمسة دينارات.
هاها ها...وكيف العادة تعمل فيها سفرة لتركيا.
ما تشلقش عادة...مشية للجم وبعد تحويسة في «سوسة» بسوق ليبيا ودورة خفيفة في «مساكن» بسوق فرنسا.
يامهفّة...وتجيب كالعادة شوية زرابي وماعون وماكياج وثريات وقيّد على تركيا.
هاهاها...ويمشي الجافل ويجي الغافل.
تقترب منهما احدى الصديقات وتربّت على كتف احداهما.
اللطف عليك عزيزتي... هاك تعطس...ردّ بالك على روحك.
اللّه غالب..من هاك الستيديو الي كارينو كلّو ندوة والدّوش زوز حيوط فرضاوي تحت الدروج.
ماني نعرفها...الديار ولاّت عششْ عششْ باش يكروها للّيبيين...عائلات عائلات احتلّونا في الحومة.
ما يغلبك كان إلي يقلّك متاعي...يكرو اللّيلة ب 60 دينار للّيبية ونحن نمشو نزمرو.
تعرف إلى حيّنا شعبي والديار فيه نار ومسمار...كراء وإلاّ شريان...والحاكم يتفرّج.
ولّينا كيف العصافر نسكنو في قفصّات.
يا ناري عليك... قلّو الحاكم...اشكون حاسس بينا ولّى يفكر في مشكلة الديار؟
قلت الحق...يضربو في الملاين ويباتو في المشتل وأفريكا والحمامات ونحن ماكلتنا الميزيريا.
مرّ الوقت سريعا تقطعه العاملات بأحلى النّكت والتّنبير والتعليق على برنامج ستار أكاديمي إلى أن ترنّحت الحافلة وتوقفت في محطتها النهائية وتنزل الرّاكبات بسرعة في بطحاء تتفرّع عنها مسالك ومسارب تؤذي إلى مركّبات صناعية ومعامل.
امشي اخّيتي...اهبط...قبل ما يفوتنا الوقت ويطردنا عرفنا.
لاه يطردنا..على كيفو...والنقابة آش تعمل؟
يا ناري عليك...قلّو نقابة...الراجل ملاّك وصاحب معامل وبنوك ما ينجّمُو حتى واحد...تي قالو حتى الحكومة كيف تحتاج تتسلّف من عندو.
تفرغ الحافلة حمولتها من بنات مكابدات وستعود لهنّ حتما عند غروب الشمس لتحملهنّ بتعبهنّ وشقائهنّ الى الأحياء البعيدة...يقف السائق من كرسيه..يتكسّل...ويتثاءب ثم يلتفت زميله في ذيل الحافلة يستعد باش يعمل تعسيلة.
يا واللّه...مخي راب ورأسي تكسّر..مالا جوجمة متاع كلام...يا لطيف.
يا ولدي..كأنو واحد يخدم في حمّام نساء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.