خيمة من المنتج إلى المستهلك بشارع الحبيب بورقيبة لترويج المنتوجات الفلاحية بأسعار الجملة    عاجل/ روسيا والصين: خطر إندلاع صراع نووي يتصاعد    نابل: انطلاق الدورة التاسعة من مهرجان الخرافة بدار الثقافة حسن الزقلي بقربة تحت شعار التراث والفن    الكاف:تظاهرة "المرأة والتراث"احتفاء بشهر التراث    السعودية: غرامة تصل إلى 100 ألف ريال لكل من يؤدي الحج دون تصريح    تونس تحتضن النسخة العشرين من دورة تونس المفتوحة للتنس بمشاركة 25 دولة وجوائز مالية ب100 ألف دولار    موعد مباراة باريس سان جيرمان وإنتر ميلان والقنوات الناقلة    الزمالك يعلن إقالة مدربه بيسيرو    اتحاد الفلاحة: نفوق عدد من رؤوس الماشية بالكاف بسبب الأمطار والبرد.. ومطالب بالتعويض    الطلاق بالتراضي دون اللجوء إلى المحكمة: مبادرة برلمانية تُحدث جدلًا    لا تستيقظ إلا بالقهوة؟ إليك بدائل صحية ومنشطة لصباحك    Titre    وزارة التجارة: استقرار شبه تام لأغلب المواد الإستهلاكية مطلع 2025    عاجل/ باكستان: "لا مجال لخفض التصعيد مع الهند"    عائلة الراحل سمير المزغني تهدي عمادة المحامين مكتبة    عاجل/ الداخلية: ضبط 217 عُنصرا إجراميّا خطيرا بهذه الولايات    الرابطة المحترفة الاولى (الجولة 29) : طاقم تحكيم مغربي لكلاسيكو النادي الافريقي والنجم الساحلي    أنس جابر إلى الدور الثالث من بطولة روما دون خوض المباراة    تسجيل كميات هامة من الامطار في اغلب جهات البلاد خلال الاربع والعشرون ساعة الماضية    المديرة العامة للمرحلة الابتدائية: وزارة التربية على أتمّ الاستعداد للامتحانات الوطنية    تراجع التوجه إلى شعبة الرياضيات من 20% إلى 7%    عاجل/ بن قردان: قتيل ومصابون في اصطدام سيارتين تونسية وليبية    سوق الجملة ببئر القصعة: ارتفاع أسعار الغلال خلال أفريل 2025    عاجل/ والي بن عروس يصدر قرار هام..    منوبة: حجز أكثر من 650 كلغ من لحوم الدواجن في حملة مشتركة على الطرقات ومسالك التوزيع والأسواق    عاجل/ احالة هذا الوزير على أنظار الدائرة الجنائية المختصة من أجل شبهات فساد..    نصائح طبية للتعامل مع ''قرصة الناموس'' وطرق للوقاية منها    رفح المنكوبة.. 80% من المدينة تحت الركام (صور)    تونس تبلغ مستوى نضج متوسط على مستوى الخدمات العمومية الرقمية (تقرير)    زغوان: افتتاح معرض التسوق على هامش الدورة 39 لمهرجان النسري    عاجل/ بعد تنفيس سُد ولجة ملاق الجزائري نحو تونس..اتحاد الفلاحة يكشف ويُطمئن التونسيين..    دون انتظار إسرائيل... ترامب يقرّر المضي قدما بخطواته بالشرق الأوسط    "كامل وشامل".. ترامب يعلن عن اتفاق تاريخي مع بريطانيا    كرة اليد: النجم يطالب بإعادة مباراة الكأس مع ساقية الزيت    للتونسيين بالخارج: خطوة واحدة للحصول على رخصة الجولان والبضائع المورّدة    فظيع/ هلاك امرأة وطفلها في انفجار قارورة غاز..    هيئة السلامة الصحية تتلف أكثر من 250 طنًا من المواد الغذائية الفاسدة في ميناء رادس    تطوير منظومة اللحوم الحمراء: تشكيل فرق عمل بين 3 وزارات لتحسين الإنتاج والتوزيع    الأمطار تتواصل: تحذيرات من رعد وغزارة في الشمال والوسط الليلة    قاض أميركي يوقف خطط ترامب لترحيل المهاجرين إلى ليبيا!    فضيحة ''المدير المزيّف'' تطيح بأعوان بإدارة الفلاحة    تسميات جديدة بهذه الوزارة..#خبر_عاجل    الاتحاد التونسي للفلاحة: الفلاحون يلجؤون إلى الفايسبوك لبيع خرفان العيد وتجاوز الوسطاء    هام/ تعرف على أسهل طريقة لخفض ضغط الدم دون التوقف عن تناول الملح..    عاجل/ سيناريو ماي وجوان 2023 سيتكرر بقوة أكبر وأمطار غزيرة متوقعة..    اليوم: طقس ممطر والحرارة تصل إلى 38 درجة بأقصى الجنوب    ثلاثة جرحى في حادث دهس في باريس وهذا ما قالته الشرطة الفرنسية    عشرية الغنيمة لم تترك لنا غير الدّعاء    وزيرة الثقافة تطالب بحلول عاجلة لمراكز الفنون الدرامية    مصر.. رفض دعاوى إعلامية شهيرة زعمت زواجها من الفنان محمود عبد العزيز    اجتماع تنسيقي بين وزارة الشؤون الثقافية واتحاد إذاعات الدول العربية تحضيرا لمهرجان الإذاعة والتلفزيون    تحذير هام من الإستخدام العشوائي للمكمّلات الغذائية.. #خبر_عاجل    اليوم في المسرح البلدي بالعاصمة: فيصل الحضيري يقدم "كاستينغ" امام شبابيك مغلقة    سامي المقدم: معرض تونس للكتاب 39... متاهة تنظيمية حقيقية    وزارة الصحة: احمي سَمعِك قبل ما تندم... الصوت العالي ما يرحمش    قبل أن تحج: تعرف على أخطر المحرمات التي قد تُفسد مناسك حجك بالكامل!    دليلك الكامل لمناسك الحج خطوة بخطوة: من الإحرام إلى طواف الوداع    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهيئة الوقتية لمراقبة الدّستورية، من «فرسان» دولة القانون
نشر في التونسية يوم 07 - 01 - 2015


بقلم: د. إبراهيم البَرتاجي
أستاذ تعليم عالي في القانون العامّ
قد تبيّن لنا الأيّام في قادمها أنّ هذه المؤسّسة الوقتية أو تلك لا تقلّ كفاءة عن المؤسّسات الدّائمة إن لم تكن أحسن منها. هذا ما يتبادر إلى الذّهن عند الاطّلاع على القرار الّذي أصدرته الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين في 22 ديسمبر 2014 والمتعلّق بقانون المالية لسنة 2015.
بعد مصادقة مجلس نوّاب الشّعب على مشروع قانون المالية للسّنة المذكورة في 11 ديسمبر، تمّت إحالة المشروع إلى رئيس الجمهورية لختمه. لكنّ الرّئيس تبيّن له أنّ بعض فصوله مخالفة للدّستور فطعن فيها أمام الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين.
نظرت الهيئة الوقتية، وهي عبارة عن محكمة دستورية، في أصل الطّعن واعتبرته وجيها. وتبعا لذلك، أصدرت في شأنه قرارا يفوح منه شذى أدبيات فقه القضاء العدلي، قضت فيه بلادستورية الأحكام المطعون فيها، سواء بسبب إدراجها في قانون المالية أو بالنّظر إلى مضمونها.
لادستورية الإدراج
ينصّ الفصل 66 من الدّستور على أنّه «يرخّص القانون في موارد الدّولة وتكاليفها حسب الشّروط المنصوص عليها بالقانون الأساسي للميزانية».
وبالرّجوع إلى الفصل 26 (ولا 29) من القانون الأساسي للميزانية، يتبيّن أنّ الأحكام الّتي يتمّ إدراجها في قانون المالية هي من صنفين. نجد أوّلا أحكام التّرخيص في الموارد والنّفقات، وهي أحكام من كنه قانون المالية للسّنة المعنية ولا يمكن أن نتصوّر وجوده في غيابها. أمّا الصّنف الثّاني فيتعلّق بالأحكام ذات الصّبغة المالية الّتي لها علاقة مباشرة بالميزانية مثل تعبئة الموارد الجبائية وغير الجبائية أو إحداث الحسابات الخاصّة في الخزينة. وهي أحكام غير مرتبطة حصريّا بالسّنة المعنية وتبقى نافذة ما لم يتمّ التّراجع عنها.
وما زاد عن ذلك يعتبر من «فرسان الميزانية» الّتي لا يصحّ إدراجها في قانون المالية، وإلّا أصبح هذا القانون وعاء تضع فيه السّلطة السّيايسة في آخر السّنة كلّ ما لم تتمكّن من وضعه في مكانه العادي، وهو ما لا يخدم وضوح القوانين وإدراك محتواها.
وفي هذا الإطار، طعن رئيس الجمهورية في الفصول 11 و12 و13 من المشروع المصادق عليه، وهي فصول تقضي بإحالة كلّ ما كان تابعا للمجلس الوطني التّأسيسي ولمجلس المستشارين من أعوان ووسائل إلى مجلس نوّاب الشّعب.
رجعت الهيئة إلى محدّدات محتوى قانون المالية فتبيّن لها بوضوح أنّ الأحكام المطعون فيها لا يمكن أن تجد مكانها فيه وأنّ إدراجها في هذا القانون «يعدّ تطويحا بها عن محيطها وبيئتها»، باعتبارها تتعلّق بمسألة تنظيمية لا يمكن ربطها بما جاء في الفصل 26 من القانون الأساسي للميزانية. وتبعا لذلك قضت بعدم دستورية الأحكام المذكورة من حيث إدراجها في مشروع قانون المالية.
والملاحظ أنّ المحكمة لم تذهب عن حقّ إلى أكثر من ذلك. فلا هي أقرّت الصّبغة التّشريعية للأحكام المطعون فيها ولا هي نظرت في دستوريتها من حيث الأصل. وإن كانت مسألة الدّستورية لا تثير إشكالا، فإنّ مسألة الطّبيعة تستحقّ التّوقّف.
استعملت الهيئة في هذا الشّأن عبارة «تدابير ذات طابع تنظيمي»، وهو ما يوحي بخروجها عن ميدان القانون. وبالفعل، مثل هذه المسائل الإدارية ترجع بالنّظر للسّلطة التّرتيبية، ولا تَعارُض في ذلك مع طبيعة الجهاز التّشريعي كسلطة. فسواء تعلّق الأمر بالسّلطة التّشريعية أو بالسّلطة القضائية، تبقي الأمور التّنظيمية البحتة من اختصاص السّلطة التّنفيذية. إنّما هي «أنَفَة» المجلس دفعته على ما يبدو نحو التّعقيد والوقوع في الخطإ.
لادستورية المضمون
يتعلّق الأمر هنا بمضمون الفصل 28 من مشروع القانون المصادق عليه والّذي جاء منقّحا لفصلين من مجلة الدّيوانة يتعلّقان بالبضائع الموجودة تحت سلطة إدارة الدّيوانة. تنصّ الأحكام الجديدة في كلّ مرّة على أجل يُعتبر المالك بانقضائه قد تخلّى عن بضاعته لفائدة الدّولة لتتصرّف فيها بما تراه.
رجعت المحكمة هنا إلى الفصل 41 من الدّستور الّذي جاء به «حقّ الملكية مضمون، ولا يمكن النّيل منه إلّا في الحالات وبالضّمانات التي يضبطها القانون.» فتبيّن لها أنّه لم يقع احترام الدّستور في هذا الخصوص. واستندت في ذلك إلى حجّتين.
أوّلهما أنّ التّخلّي عن الملكية لا يمكن استنتاجه من مجرّد انقضاء الأجل القانوني، فالمسألة أخطر من أن يتمّ التّعامل معها بمثل هذه البساطة. فكان لزاما التّأكّد من أنّ المالك «توخّى فعلا سلوك التّخلّي الاختياري». ولا يتمّ ذلك إلّا عن طريق التّعبير صراحة عن ذلك، وهو أمر مستبعد، أو عن طريق ملازمة الصّمت بعد التّنبيه عليه صراحة وتذكيره بما ينصّ عليه القانون.
أمّا الحجّة الثّانية فهي مأخوذة من غياب التّناسب بين الوضعية المذكورة في المشروع والمتمثّلة في عدم رفع البضاعة في الأجل القانوني وبين الإجراء المتاح للإدارة وهو الاستيلاء عليها. وغنيّ عن القول أنّ مبدأ التّناسب ما انفكّ يتدعّم في فقه القضاء الدّستوري اقتداء بالمكانة الّتي يحتلّها في فقه القضاء الإداري.
وتبعا لذلك، انتهت المحكمة عن صواب إلى أنّ التّنقيحات المزمع إدخالها على مجلّة الدّيوانة تنال من جوهر حقّ الملكية على معنى الفصل 49 من الدّستور الّذي اشترط في خصوص الضّوابط المتعلّقة بالحقوق والحرّيات أن لا تؤدّي إلى إفراغ هذه الحقوق والحرّيات من محتواها، وهو ما جعلها تقضي بلادستورية الأحكام المذكورة.
لا شكّ أنّ ضغط الوقت عند النّظر في مشروع قانون المالية حال دون أن يولي المجلس الجديد كامل الأهمية للجانب الدّستوري، فاكتفى بالحرص على أن تتمّ المصادقة في الأجل المنصوص عليه في الدّستور. ثمّ جاء دور بقية المؤسّسات المعنية بالأمر لتقوم بواجبها في هذا الصّدد.
والواضح أنّ الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، بعد تعثّرها عند نظرها في مشروع القانون الانتخابي ومحاولتها تدارك الأمر عند نظرها في مشروع قانون الطّاقات المتجدّدة، وجدت طريقها للتّقدّم بثبات على درب بناء دولة القانون، وهي رسالة بليغة لكلّ مستخفّ بمقتضيات الدّستور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.