لم يعد قطاع الملابس المستعملة «الفريب» ملجأ الطبقات الضعيفة فحسب، بل اصبح وجهة حتى لصفوة المجتمع واصبحت المعاملات بين التجار والحريف تتم بالشيكات، فالجودة و الماركات العالمية باتا يجلبان النساء والرجال على حدًّ سواء و من جميع الطبقات. التونسيّة نزلت الى الشّارع لتقصيّ راي المواطن التونسي حول أسباب لجوئه إلى هذا القطاع فكان لنا التحقيق التالي: عمر (صاحب محل لبيع الملابس المستعملة الرفيعة) قال ان اقبال المواطن التونسي على الملابس المستعملة يعود الى غلاء المعيشة ككلّ مضيفًا ان التجار يشتكون بدورهم من الاسعار على مستوى المصانع وباعة الجملة وتابع قوله «قديمًا كانت هنالك تسهيلات اكبر و ان الاسعار اليوم في ارتفاع متواصل باعتبار ان كل تاجر يبيع وفق السعر الذي يناسبه». من ناحيته قال عاطف الدريدي(خبير)-وهو يقلب حذاء رياضيًّامستعملًا- انه شخصيًّا يفضّل الملابس و الأحذية المستعملة التي تنافس في جودتها بضاعة محلات بيع الملابس الجاهزة مبيّنًا ان ارتفاع اسعار «الفريب»يهون امام الجودة و «الماركات العالميّة»، وعقّب قائلا (وهو يقيس حذاء ) «إن سوق الملابس المستعملة كان موجّهًا للمواطن ضعيف الدّخل ،لكن اليوم أصبح يؤمّه الباحثون عن الموضة والماركات العالميّة فارتفعت اسعاره». مقاطع للفريب! ايمن العرفاوي (عاطل عن العمل) قال إنه شخصيًّا لا يحبّذ الملابس المستعملة التي اعْتبرها «حقرة» مؤكدا أنّه لا يطيق تلك الرّائحة المنفّرة التي تصدر من «الفريب»مضيفًا ان تلك الملابس قد وقع استعمالها من قبل اشخاص آخرين ثمّ جيء بها الى هنا اي انّ مصدرها غير معروف معقّبا انه لا يمتك بالًا واسعًا ليمضي وقته باحثًا في كومة ملابس عمّا يتماشى و ذوقه، و اختصر قوله في كلمتين «أنا مقاطعٌ للفريب»! وخلافًا له قال صالح عمري (حدّاد) انه غالبا ما يعتمد على الملابس المستعملة مفسّرًا انّها أقل سعًرا و أكثر جودة مضيفًا ان «الفريب» قد ارتفع ثمنه مقارنة بالسنوات الفارطة ورغم ذلك يبقى في متناول المواطن العادي. هاجر (طالبة في علم النفس) قالت انها شخصيّا تشتري الملابس المستعملة «ككل التونسييّن»مفسّرة انها تجد دائمًا ضالّتها في الملابس المستعملة سواء على مستوى الاسعار أو الجودة او الماركات العالمية مضيفة ان «الفريب»اصبحت اسعاره مرتفعة مقارنة بالسنوات الفارطة ولكنه يبقى افضل من الملابس الجاهزة.وتوافقها الرّأي زميلتها لِينْ (طالبة علم نفس) قائلةً إن كل التونسيّن يستعملون»الفريب»، مضيفة ان ما يجلب مثيلاتها للملابس المستعملة هو احتواؤها على ماركات عالميّة لا تباع في تونس ويتباهي الناس بامتلاكها. التونسي «ما يلبس كان من الفريب».. نور الدين (حارس بمنشاة عمومية) قال في صوت تشوبه الحسرة انه لم يعد في مقدوره اقتناء ملابس حتى من «الفريب»مضيفًا انه قد اشتغل في قطاع بيع الملابس الجاهزة في سن العشرين عندما كانت السلع تباع بأسعار زهيدة جدًّا و في متناول المواطن العادي، ثمّ قال بعد تأمل انه يبقى بالثلاث و الأربع سنوات دون ان يقتني ثيابًا جديدة حتى من «الفريب»الذي اصبح السروال فيه يباع بعشرين دينارا متسائلا كيف يستطيع «الزوالي»ان يدفع هذا المبلغ؟ سعاد (رية بيت) قالت «إن المواطن التونسي يلبس كان من الفريب»مفسّرة ذلك باختلاف الجودة و السّعر عما تعرضه محلات بيع الملابس الجاهزة وهو ما يمكّن المواطن العادي من تجديد محتويات دولابه كل فترة، مبيّنة انها كأم لبنتين تناسبها اسعار الملابس المستعملة وجودتُها ، فهي «تدوم»وقتًا أطول حسب رأيها. أمّا هندة(طباخة في مطعم) قالت انّها لا تمتلك الوقت للذهاب الى سوق الملابس المستعملة بسبب عملها مضيفة انها «موش مغرومة»فعليًّا بهذا الامر، و لكنها تجد احيانا في «الفريب» أشياءً رائعة لا توجد في باقي محلات البلاد وان هناك بعض الاسواق التي بقيت الاسعار فيها منخفضة مقارنة باسواق اخرى ثم اضافت ضاحكة انها عندما تسنح الفرصة للذهاب الى السّوق فانها «تغطس بيدها وساقها» . وتستطرد قائلة ان الفريب عمومًا قد ارتفعت أسعاره رغم انه و في بعض الاماكن مثل اريانة و الحفصية بقيت الاسعار في المتناول. قالت بثينة الجبالي (طالبة لغة انقليزية) بابتسامة عريضة انها «تحب الفريب كثيرًا» و انها تلبس غالبًا ملابسا مستعملة معلّلةً ذلك بالفرق في الجودة و جاذبية الماركات العالمية التي لا يمكن العثور عليها في تونس، معقّبة في مرح انها حتى ولو اصبحت تمتلك الكثير من المال ستظل تشتري الملابس المستعملة التي تشعرها دوما بالاختلاف عن زميلاتها لكونها غير متوفرة في المحلات المنظمة، كما قالت ان «الفريب»أساسًا موجّه لضعاف الحال لكنه اليوم اصبح وجهة الاغنياء والباحثين عن الموضة ممّا جعل الاسعار في بعض الاحيان تكون فوق الخيال. من جهتها قالت هند (اطار بمؤسسة) انها تشتري من «الفريب» احتياجاتها لكل العائلة معلّلة ذلك بأن المستعمل ارفع جودة وارخص سعرًا وأنه يوفر منتوجات لا يمكن ايجادها الا في «الفريب»او تكون باهظة جدّا في محلات بيع الملابس الجاهزة كالماركات العالمية، فيكون المستعمل هو الحل حسب قولها، مبينة ان «الفريب لم يعد متاع الزوالي»لان الاسعار اصبحت ترتفع حسب الجودة اما تلك التي تكون اسعارها منخفضة فتكون ارذل السّلع، لذلك اصبح الفريب يستقطب صحاب الدخل المرتفع حسب رايها. نجلاء(اطار) قالت-و هي في عجلة من امرها-«الي لاباس عليه»هو الذي يشتري الملابس المستعملة ويعتمد الشيكات ايضا حسب قولها،مرجعة ذلك الى توفر الجودة و الماركات العالمية المغرية حسب تعبيرها. المحصلة يبدو أن هذا القطاع الذي ولد منذ عقود لسد احتياجات الطبقات الضعيفة شهد «تحويل وجهة» نحو الأثرياء وميسوري الحال... في بلد يفترض أنه يمتلك صناعة عريقة إسمها النسيج والملابس؟