يوم السبت 14مارس الجاري لم يكن يوما عاديا في المعهد الثانوي بجنعورة، هذه الضاحية الهادئة لمدينة قبلي والتي عرف سكانها منذ القدم بأنهم من أطيب طيّبي هذه الجهة. كانت الاوضاع عادية جدا، لكن فجأة حدث ما لم يكن في الحسبان وما لم يتوقعه أحد، عدد كبير من الافراد يقتحمون باب المعهد فساحته فقاعات الدرس بحثا عن «كافر» و«زنديق» يعلم أبناءهم الكفر والإلحاد، لغط وعياط كأنه لقطة من التاريخ الغابر هجمت فجأة على قرننا الواحد والعشرين، اكفهرّت وجوه الاساتذة وخاف التلاميذ ورُوّعوا، وكان السؤال المصيري: من المقصود بهذا الهجوم؟ كل الاساتذة أو جُلّهم اعتبروا أنفسهم معنيين، فمواد الادب والعلوم والفيزياء والتفكير الاسلامي والفنون التشكيلية و... كلها معنية بهذه التهمة القديمة/الجديدة، وليتضح في النهاية ان المقصود هو أستاذ الفلسفة، ولا غرابة في الأمر فالعلاقة الخاصة جدا بين التفكير الفلسفي وغربان الظلام أعداء الفكر الحرّ في كل العصور معروفة، منذ سقراط الى اليوم، والأمر في تاريخنا العربي الاسلامي أكثر من جلي من المعتزلة وصولا الى صادق جلال العظم ونصرحامد أبي زيد مرورا بابن رشد وغيره. هجوم سافر على مؤسسة تربوية في عزّ الظهيرة والناس ليسوا نياما، مجموعة من مغسولي الدماغ يصلون الى قاعات الدرس ويقتحمون قاعة الاستاذ رفيق النصيري ل «تأديبه» بل لتطبيق الحدّ عليه، وحدّ الردة معروف وهو القتل، الصدفة وحدها وتضامن التلاميذ والأساتذة والإداريين الشرفاء هي التي أنقذت الاستاذ رفيق من موت محقّق، كان سيظل عارا على وجه الجهة ويلحقها بالفضاءات الداعشية في العراق وسوريا وليبيا، وسيلحق نظامنا التربوي بشقيقه الخليجي الوهابي الذي يعتبر الفلسفة من العلوم الكافرة التي وجب منعها على المؤمنين. لكن السؤال الذي يجب أن يطرح هنا: أين ادارة المعهد؟ أين السلط الجهوية وخاصة الامنية منها؟ صحيح أن الهجوم كان سافرا وصحيح أن الامن تدخل لحماية الاستاذ وطرد «الغزاة»، لكن المسألة أعمق، فهذا الاعتداء على المربي وعلى المؤسسات التربوية ليس الاول ولن يكون الأخير، وجزء من المربين كفّوا أصلا عن التدريس خوفا من الاعتداءات، خاصة ووزارة التربية ومن خلالها الحكومة مازالت تتلكّأ في سن قانون وعرضه على مجلس النواب لتجريم هذه الاعتداءات رغم صيحات الفزع التي أطلقتها ولازالت نقابات التعليم. اوالمطلوب أن يتم التعاطي مع هذه الحادثة بمنتهى الجدية، فتعليمنا في خطر ومؤسساتنا وإطاراتها في وضع غير مقبول. ان الموضوع متعدد الأبعاد لذلك على الجميع تحمّل مسؤوليتهم في الدفاع عن التعليم الديمقراطي العقلاني الموحّد وعن المدرسة كفضاء له حُرمة، وعن المربّي كسلطة اعتبارية، وفي انتظار ذلك على المندوبية الجهوية للتربية والسلط الجهوية بقبلي اتخاذ كل الاجراءات اللازمة لحماية المدرسين والمؤسسات وتتبّع كل من تورّط في هذا الهجوم الفاشستي. علي الجلولي (قيادي في الجبهة الشعبية)