مرحبا قُدوم دينا في بيت الصديق ابراهيم وحرمه نرجس    وزير الشّؤون الدّينية يختتم الملتقى التّكويني لمؤطّري الحجيج    سوسة: منفّذ عملية "براكاج" باستعمال آلة حادة في قبضة الأمن.    معهد الصحافة وعلوم الأخبار: المعتصمون يقررون تعليق مقاطعة الدروس ومواصلة الاعتصام    جمعية مرض الهيموفيليا: قرابة ال 640 تونسيا مصابا بمرض 'النزيف الدم الوراثي'    مهدّدة بالانزلاق الأرضي... وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي تستعد لتشخيص وضعية هضبة سيدي بوسعيد    إنتاج الغلال الصيفية ذات النّوى يبلغ 245 ألف طن    فص ثوم واحد كل ليلة يكسبك 5 فوائد صحية    الكيان الصهيوني يقرر وقف عمل قناة الجزيرة القطرية    تستور: الإحتفاظ بعنصر إجرامي مفتش عنه من أجل " سرقة مواشي والإعتداء بالعنف الشديد ومحاولة القتل".    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الأحد 5 ماي 2024    محكمة الاستئناف بالمنستير توضّح بخصوص عدم الاستجابة لطلب القاضي أنس الحمايدي    بطولة القسم الوطني "ا" للكرة الطائرة (مرحلة التتويج-الجولة 4): البرنامج    الاثنين : انطلاق الإكتتاب في القسط الثاني من القرض الرقاعي الوطني    رسميا "ناجي جلّول " مرشّح حزب الإئتلاف الوطني للإنتخابات الرئاسية    أريانة: الكشف عن وفاق إجرامي وحجز كمية من الهيروين وسلاح ناري أثري    حقيقة الترفيع في تعريفات الكهرباء و الغاز    كأس تونس لكرة اليد... «كلاسيكو» من نار بين «ليتوال» والترجي    مستقبل سليمان اتحاد بنقردان (0 1) خبرة الضيوف كانت حاسمة    سهرة تنتهي بجريمة قتل شنيعة في المنزه التاسع..    تفاصيل الاكتتاب في القسط الثاني من القرض الرّقاعي الوطني لسنة 2024    الإدارة الجهوية للتجارة بولاية تونس ترفع 3097 مخالفة خلال 4 أشهر    مختصّة في أمراض الشيخوخة تنصح باستشارة أطباء الاختصاص بشأن أدوية علاجات كبار السن    للمرة ال36 : ريال مدريد بطلا للدوري الإسباني    أمين عام منظمة التعاون الإسلامي يدعو لوقف حرب الإبادة في غزة وحشد الدعم للاعتراف بدولة فلسطين    المهدية: الاحتفاظ بشخص محل 15 منشور تفتيش وينشط ضمن شبكة دولية لترويج المخدرات    ظهرت بالحجاب ....شيرين عبد الوهاب تثير الجدل في الكويت    هذه مواعيدها...حملة استثناىية لتلقيح الكلاب و القطط في أريانة    جندوبة: إنطلاق عملية التنظيف الآلي واليدوي لشواطىء طبرقة    طقس اليوم الأحد...أجواء ربيعية    جامعة الثانوي تدعو الى وقفة احتجاجية    نتائج الدورة 28 لجوائز الكومار الادبي    الاعتداء على عضو مجلس محلي    لتحقيق الاكتفاء الذاتي: متابعة تجربة نموذجية لإكثار صنف معيّن من الحبوب    الرابطة المحترفة الثانية : نتائج مباريات الدفعة الأولى للجولة الحادية والعشرين..    شيرين تنهار بالبكاء في حفل ضخم    هند صبري مع ابنتها على ''تيك توك''    غدًا الأحد: الدخول مجاني للمتاحف والمعالم الأثرية    انتخابات الجامعة:إسقاط قائمتي التلمساني و بن تقية    روسيا تُدرج الرئيس الأوكراني على لائحة المطلوبين لديها    4 ماي اليوم العالمي لرجال الإطفاء.    صفاقس :ندوة عنوانها "اسرائيل في قفص الاتهام امام القضاء الدولي    عروضه العالمية تلقي نجاحا كبيرا: فيلم "Back to Black في قاعات السينما التونسية    منع مخابز بهذه الجهة من التزوّد بالفارينة    لهذا السبب.. كندا تشدد قيود استيراد الماشية الأميركية    14 قتيلا جراء فيضانات... التفاصيل    "سينما تدور".. اول قاعة متجوّلة في تونس والانطلاق بهذه الولاية    قتلى ومفقودون في البرازيل جراء الأمطار الغزيرة    فتحي عبدالوهاب يصف ياسمين عبدالعزيز ب"طفلة".. وهي ترد: "أخويا والله"    كأس تونس لكرة القدم- الدور ثمن النهائي- : قوافل قفصة - الملعب التونسي- تصريحات المدربين حمادي الدو و اسكندر القصري    نتائج قرعة الدورين ثمن وربع النهائي لكاس تونس لكرة القدم    رئيس اللجنة العلمية للتلقيح: لا خطر البتة على الملقحين التونسيين بلقاح "أسترازينيكا"    المدير العام للديوانة يتفقّد سير عمل المصالح الديوانية ببنزرت    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    العمل شرف وعبادة    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القاضية ليلى بحرية ل«التونسية»:القضاء دُمّر بمعاول أبنائه.. وتأخّر العدالة الانتقالية سبب البليّة
نشر في التونسية يوم 15 - 05 - 2015


على النوّاب أن يتحمّلوا مسؤوليتهم التاريخية
السلطة خائفة من تكريس القضاء كسلطة
الانزلاق نحو «دولة القضاة» غير وارد
لا يجب مقايضة استقلالية القضاء بتطهيره
حوار: أسماء وهاجر
أين وصلت معركة استقلال القضاء أمام تخوفات يثيرها البعض بأن الاستقلالية التامة للقضاة قد تؤدي إلى تكريس دولة القضاة في ظل تأخر العدالة الانتقالية وعدم تطهير القضاء من كل شوائب الفساد وامام لغة التصعيد بين هياكل القضاء والسلطة التشريعية بسبب مشروع المجلس الاعلى للقضاء ليتجدد السؤال معها.. القضاء إلى أين ؟
جوهر هذه الإشكاليات كان موضوع حوار «التونسية» مع القاضية ليلى بحرية ورئيسة «مرصد شاهد» التي قالت إنه رغم تفاؤلها فإنّها تبقى متوجّسة خيفة لأنه كان من الممكن أن يكون وضع القضاء افضل لو لم يتم تدميره بمعاول أبنائه مشيرة إلى أنّ هياكل القضاء تجاهلت ملفات الفاسدين المتورطين في تخريب القضاء وأصبحت عبارة عن دار افتاء شعارها «تكون معي، تصفق لي، لا تنتقدني تصبح مناضلا وأمضي لك صك التوبة وشهادة النضال والثورية» لتحيد عن مهمتها الحقيقية وهي الدفع نحو تحسين المنظومة القضائية.
تفاصيل الحوار في السطور التالية:
هل ما يقع اليوم معركة سياسة أم ليّ الذراع بين السلطة التشريعية والقضائية؟
- سياسة لي الذراع نراها اليوم بين السلطة السياسية من حكومة ومن سلطة تشريعية ومن جميع القطاعات. حتى وإن أدى الأمر إلى تدمير البلاد وتعطيل مصالح المواطنين. ما يقع اليوم بين مجلس نواب الشعب والقضاة سببه أن لا أحد يمتلك الارادة الحقيقية للتأسيس لسلطة قضائية مستقلة فالكل يريد أن يكون له اليد العليا على القضاء من سلطة سياسية إلى بعض هياكل القضاة إلى المجتمع المدني. ومنذ الثورة إلى الآن لم يتعد الامر مجرد رفع شعارات رنانة وأقول إن القضاة يجنون اليوم ما زرعوه منذ الثورة التي كانت فرصة بالنسبة لهم للتأسيس لقضاء حلمت به اجيال من التونسيين .قضاء عادل منصف بعيدا عن كل التجاذبات السياسية لكن مع الأسف غابت الرؤية وحضر الانخراط والوقوع في شراك التجاذبات السياسية وتم توظيف بعض هياكل القضاة في المعارك السياسية مما أدى إلى اهتزاز ثقة الجميع في القضاء، ثقة كانت مهزوزة اصلا قبل الثورة .ولكن هذا لا يمنعني من القول بأنه على مجلس نواب الشعب أن يتحمل اليوم مسؤوليته التاريخية ليترك للأجيال القادمة قضاء عادلا منصفا كي لا يقعوا في ما وقع فيه آباؤنا المؤسسون في دستور 59. إذ وقع جدل كبير حينها بين من دافع عن سلطة قضائية مستقلة وبين من كان ضد هذا التوجه وحسمت المعركة لفائدة التوجه الاخير بدعوى أن الأولوية لبناء الدولة الوطنية وكانت النتيجة قضاء تابعا للسلطة التنفيذية نخره الفساد والخوف والطمع مع أن هذا لا ينفي وجود قضاة مستقلين .لكن الاستقلالية الذاتية غير كافية واليوم بعد الثورة لا يجب اعادة نفس السيناريو والتخوف من سلطة قضائية مستقلة مع قناعتي الشخصية بأن أحسن التشريعات لا تصنع القاضي المستقل إذ أن الاستقلالية هي كذلك ثقافة تبنى والبناء يكون على مدى متوسط أو طويل فالمجلس الأعلى للقضاء القادم والذي بعده مهما كانت التركيبة والشخصيات صلبه سواء من القضاة أو من غير القضاة لن يحقق النقلة النوعية المرجوة التي لن تقع الا بعد 10 أو 15 سنة إن شاء الله بفضل جيل آخر من القضاة يتكونون من الآن على ثقافة استقلال القضاء على ثقافة الحريات والحقوق .
يرى البعض ان هذا المشروع يكرس ضمان تركيع القضاء للسلطة التنفيذية وأنه تكريس لدكتاتورية نامية. ما تعليقك على ذلك؟
- هذا مبالغ فيه. المشروع المعروض اليوم على المجلس فيه العديد من الخروقات ولا بد من أخذها بعين الاعتبار ليكون المشروع ملائما للدستور وللمعايير الدولية ولاستقلال القضاء. فهو مشروع يستشف منه تخوفا من تكريس القضاء كسلطة والحال أن الدستور واضح في هذا المجال سواء في الديباجة التي تتحدث عن مبدإ الفصل بين السلطات والتوازن بينها و«ان الدولة تضمن علوية القانون واستقلالية القضاء» أو في الباب المتعلق بالسلطة القضائية «القضاء سلطة مستقلة تضمن اقامة العدل وعلوية الدستور وحماية الحقوق والحريات» إلى جانب أنّ الباب المتعلق بالسلطة القضائية يكرس جل المعايير الدولية لاستقلال القضاء. إلا أن المشروع الذي تتم مناقشته اليوم فيه العديد من السلبيات من أهمها أنه تم التعاطي مع مسألة التركيبة على كونها مسألة قطاعية والحال أن التركيبة المنفتحة بما أنها ضمانة للشفافية ولدعم استقلالية السلطة القضائية خلافا لما كان عليه في العهد البائد لا تكون بالضرورة باقتسام التواجد بين مختلف القطاعات اضافة إلى أن اقحام القضاء العسكري في هذه التركيبة مخالف لأحكام الفصل 112 من الدستور و149 منه. زيادة على ذلك وجود نسبة ضعيفة من القضاة المنتخبين وهو مخالف للمعايير الدولية لاستقلال القضاء والفصل 112 من الدستور ينصّ على أنه «يتركب كل هيكل من هذه الهياكل في ثلثيه من قضاة اغلبهم منتخبون واغلبهم معينون بالصفة». ثم بالنسبة للخبراء المحاسبين صلب مجلس القضاء المالي والحال أن الخبراء المحاسبين مختصون في مراقبة حسابات الشركات الخاصة دون المالية العمومية. إضافة على ذلك الفصل 17من مشروع القانون يوجب على القاضي المترشح للمجلس أن يقدم تصريحا على الشرف بأنه لم يشارك في محاكمات الرأي ولم تتعلق به شبهة فساد مالي ولم تصدر في حقه عقوبة تأديبية وهذا الشرط غير مطلوب من غير القضاة وهو في كل الاحوال شرط مثير للجدل إذ أنّه من السهل التعرف على القضاة الذين شاركوا في محاكمات الرأي من خلال الاحكام التي أصدروها. وبالنسبة للقضاة الذين تتعلق بهم شبهة فساد مالي فهو شرط لا معنى له طالما لم تفتح الملفات وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ المجلس الوطني التأسيسي يتحمل مسؤولية عدم التعجيل بإصدار قانون العدالة الانتقالية وكان بالإمكان حينها فتح ملفات الجميع من قضاة وغيرهم وهذا التعطيل انتج لنا ثوارا ومناضلين
من أعطى صكوك التوبة لقضاة عرفوا بفسادهم واليوم يرفعون شعار الاستقلالية ؟
- مع الاسف بعض هياكل القضاة عوضت بعد الثورة وزارة العدل والتفقدية العامة للوزارة وعملت بنفس المنظومة أي «تكون معي، تصفق لي، لا تنتقدني تصبح مناضلا وأمضي لك صك التوبة وشهادة النضال والثورية». إضافة إلى ما قلت سالفا فإنّ تأخر مسار العدالة الانتقالية جعل من الكثير الذين تحوم حولهم شبهة المشاركة في محاكمات الرأي أو حتى إصدار أحكام جائرة لترضية اصحاب النفوذ والمال في العهد البائد وكذلك من تحوم حولهم شبهات فساد مالي يحتمون وراء شعار سلطة قضائية مستقلة للإفلات من المحاسبة والحال انه كان من المفروض وضع رؤية للإصلاح ومشروع موحد مع كل من يؤمن فعلا بالتأسيس لقضاء مستقل واقناع السياسيين وخاصة مجلس نواب الشعب بذلك .
ما هو الفرق بين استقلالية القضاء والانزلاق نحو دولة القضاة؟
- من يتحدث عن تغول القضاة لا يريد قضاء مستقلاّ لأنّه وفقا لما جاء بالدستور من فصل بين السلطات وتوازن بينها ومن تركيبة منفتحة للمجلس الأعلى للقضاء لا يمكن بحال أن ينتج لنا دولة قضاة .فالسلطة القضائية هي سلطة ضمن السلط الثلاث للدولة وكلها تتعامل في ما بينها. مثلا المجلس الأعلى للقضاء يرسل بتقريره السنوي إلى كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب ويناقشه امام مجلس نواب الشعب. ويبقى المطلوب لإرساء نظام جمهوري ديمقراطي أن تكون السلطة القضائية بمنأى عن الضغوطات والتجاذبات السياسية والحزبية كي تحوز على الحد الادنى من ثقة الجميع. بمعنى أنّ إمكانية الانزلاق نحو دولة القضاة غير واردة بالأساس.
لسائل أن يتساءل ماذا في مقابل استقلالية القضاء؟
- مقابل الاستقلالية تضمن الرقابة التركيبة المنفتحة التي ضمنها الدستور .على شرط أن يقع حسن اختيار الثلث من غير القضاة كي يمارسوا فعلا دورهم .واقول ذلك للأسف لأنه لم يقع تقييم تجربة الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي التي لم نشعر بأنّ غير القضاة فيها قاموا بدورهم .
هناك من يعتبر أن الاستقلالية المزعومة تتطلب تطهير القضاء من الفاسدين وكل شوائب الفساد؟
- أقول أنّه منذ الثورة إلى الآن كلما تقع المطالبة بالتأسيس لسلطة قضائية مستقلة تقع مجابهة ذلك بالفساد في القضاء. ويجب الإقرار بأن النظام البائد ساهم ودفع إلى استشراء الفساد في كل مؤسسات الدولة بما في ذلك المؤسسة القضائية. ولكن لا يجب مقايضة استقلالية القضاء بوجوب تطهيره من الفساد قبل ذلك وكان من المفروض أن يتم ذلك بعد الثورة ولكن كما قلت تعطل مسار العدالة الانتقالية اضافة إلى أن هذه المسألة كانت لمجرد الابتزاز حتى من بعض هياكل القضاة وهنا لا بد أن اشير إلى أن مشروع المجلس الاعلى للقضاء الذي قدمته الهيئة الوقتية للمحامين تضمن ضمن فصوله أن المساءلة التأديبية لا تعفي خضوع القضاة للعدالة الانتقالية.وكان على السياسيين بعد الثورة التفكير في هذا .
هيئة المحامين تطمح الى إرساء سلطة قضائية جديدة مستقلة عن السلطة التنفيذية والتشريعية وخاضعة للمحاسبة وللمساءلة ما رأيك في ذلك ؟
- هذا مطلب الجميع ولكن يجب أن يكرس في القانون ولا يبقى مجرد شعارات فالقضاة ليسوا فوق المحاسبة كما أن المحامين الذين شاركوا في النظام البائد وتعلقت بهم شبهة فساد يجب محاكمتهم كذلك .
نضال شعاراتي مقابل تجاهل مبدإ الدفع نحو تحسين المنظومة القضائية. هذا ما يشاع فما رأيك ؟
- هذه هي الحقيقة التي لا ينكرها أحد خاصة أن القضاة بعد الثورة فيهم من توسموا خيرا في التأسيس لمنظومة قضائية مغايرة وفيهم من ارتبك وخاف. وأصبح الأداء مهتزا لأن الكثير من القضايا المنشورة لدى المحاكم تناقش في المنابر الاعلامية. وبالتالي اصبحنا لا نفهم لماذا تصدر هذه الاحكام أو تلك وتحت ضغط أيّة جهة سواء سياسية او من اصحاب النفوذ المالي .
هناك من يقول أن الساسة الفاسدين ومن ورائهم لوبيات المال وراء الاعتراض على قيام هذه الاستقلالية لأنها في وجودها فناءهم. ما رأيك في ذلك؟
- قلة قليلة تؤمن باستقلال القضاء سواء من القضاة أو من السياسيين أو حتى من الحقوقيين. وكل من يخاف من سلطة قضائية مستقلة فهو إمّا متخوف من عدم إمكانية توجيه القضاء حسب مصالحه أو أنّه غير متشبع تماما بمبادئ استقلال القضاء. إضافة إلى أنه من المعروف أن كل سلطة سياسية حاكمة حتى في أعرق الديمقراطيات تكون لها هذه الرغبة في أن يكون لها قضاة لوقت الحاجة ولكن في الديمقراطيات العريقة هذا التوجه يكون في حده الأدنى لأن هناك ثقافة ووعيا آخر وإعلاما حرّا ورأيا عاما يحول دون ذلك ولكن ونحن في ديمقراطية ناشئة فهذه الثقافة غائبة أو شبه غائبة لدى غالبية نخبنا. وأنا أستغرب من تصريح في إحدى الاذاعات الخاصة للسيد عبادة الكافي بأن منح صلاحية نقلة وترقية القضاة وتأديب القضاة للمجلس الاعلى للقضاء ضمانة كافية لاستقلاليتهم وانه لا يرى أن انتداب القضاة وتكوينهم له تأثير على استقلالية القضاة. هذا التصريح ينم عن غياب تام لثقافة استقلال القضاء ذلك أنّه يجب تكوين القاضي المستقل من البداية في هذا الاتجاه وهو ما يتطلب أن يكون المعهد الاعلى للقضاء تحت إشراف المجلس الاعلى للقضاء دون وزارة العدل. وهنا لا بد من التذكير بأن إنشاء المعهد الاعلى للقضاء في تونس كان من المطالب الملحة لجمعية القضاة الشبان منذ الثمانينات ولم تستجب السلطة السياسية حينها لهذا المطلب إلا بعد أول إضراب يشنه القضاة التونسيين في افريل 1985وبالتالي كانت نية السلطة السياسية حينها أن يكون المعهد اطارا لتدجين القضاة وليس لتكوين قضاة مستقلين مع الملاحظة أنّ هذا لا يعني أن كل القضاة المتخرجين من المعهد لم يكونوا مستقلين اذ أن استقلالية بعضهم كانت نتيجة ثقافتهم الخاصة لا ما تلقّوه في المعهد.
ما رأيك في ممارسة النيابة العمومية حقها في اثارة الدعوى العمومية بعد الثورة ؟
- النيابة العمومية من المفترض أنها تحرك الدعاوى من تلقاء نفسها لكنها تصمت في بعض الملفات وتتحرك بسرعة البرق في غيرها وهذا كله دليل على الارتباك الكبير في اداء القضاء بعد الثورة .
هل كان لعملية عزل 82 قاضيا بعد الثورة تأثير على أداء بقيّة القضاة؟
- لا أرى ذلك، بالعكس كانت الفرصة أمام القضاة لتحسين أدائهم وصورتهم لدى عموم المتقاضين إلا أن هذا لم يتم أولا لانعدام وجود ثقافة استقلالية القضاة لدى العديد من القضاة، ثانيا لأن كل الضغوط من مختلف الجهات سلطت على القضاء من إعلام ومواطنين وأحزاب ومجتمع مدني وبالتالي لم يكن القضاة يعملون في اريحية.
ما تقييمك لأداء القضاة في القضايا الكبرى التي هزت الرأي العام ؟
- لعل اشهر هذه القضايا قضايا شهداء الثورة وجرحاها وهي مظلمة كبرى سلطت على من اعطونا هذه الحرية وأعطونا إمكانية الحلم بمستقبل أفضل لتونس وواضح أنه لم تتوفر أية إرادة لإنصاف الشهداء والجرحى. كذلك محاكمات رجال النظام البائد الذين برّأهم جميعا القضاء. علما بأنّ الشكايات التي قدمتها مجموعة ال25 محاميا بداية 2011 كانت ملفات فارغة وربما كان إيداع هؤلاء السجن حماية لهم من الغضب الشعبي إلى أن تهدأ النفوس ثم أطلق سراحهم وأعود مرة أخرى إلى القول بأن تعطل العدالة الانتقالية هو سبب البلية .
الإضراب لمدة خمسة أيام ثم تهديد بالتصعيد بمعنى امكانية اضراب مفتوح. أليس في ذلك تهديد لكيان الدولة وبوابة للفوضى واهدار حقوق الناس؟
سبق أن قلت بأنه وان كان القانون الاساسي للقضاة يحجر عليهم الإضراب فإنّني لا أرى مانعا في أن يضرب القضاة عندما يكون هناك خطر داهم في مسائل مصيرية لكن أن يصبح اضراب القضاة شأنا عاديا شأنه شأن بقية القطاعات فإنّ من شأن ذلك ألاّ يثير الانتباه بل يساهم في هزّ الثقة في القضاة والاحتقان ضدهم خاصة من لدن المتقاضين. اليوم لم يمنع دستور 2014 الإضراب بالنسبة للقضاة ولكن المسؤولية تقتضي بألاّ يستسهل القضاة أو بعض هياكلهم هذه الوسيلة فيتعطل المرفق العام.وقد كان من الأجدر الجلوس على طاولة الحوار والاقناع. أما توخي سياسة التصعيد واستعداء الجميع فقد خلق مناخا من عدم الثقة ومن فقدان المصداقية. وهنا اتساءل إن كان التلويح بعدم الترشح للمجلس الاعلى للقضاء المرتقب هو الوسيلة الأسلم للإقناع؟
القضاء إلى أين ؟
- أنا رغم كل شيء متفائلة لأن معركة استقلال القضاء هي معركة طويلة لا تحسم فقط بالتشريعات على اهمية هذه التشريعات ولكن بنشر ثقافة ووعي بذلك لدى الجميع من قضاة ومحامين وسياسيين ومجتمع مدني ومواطنين ولكن الوضع كان يمكن أن يكون افضل من هذا الا أن القضاء تم تدميره بمعاول ابنائه .والمعركة لم تنته والأمل في الأجيال القادمة شريطة أن تتكون لديها هذه الثقافة وهذا الوعي من الآن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.