عاجل/ رئيس الجمهورية يسدي هذه التعليمات    السلطات الجزائرية توقف بث قناة تلفزيونية لمدة عشرة أيام    اليوم وغدا: هذه المناطق دون ماء ولا كهرباء.. #خبر_عاجل    التلفزيون الجزائري يهاجم الإمارات ويتوعدها ب"ردّ الصاع صاعين"    الولايات المتحدة توافق على بيع صواريخ بقيمة 3.5 مليار دولار للسعودية    طقس اليوم : مغيم جزئيا والحرارة تصل إلى 37 درجة    التوقعات الجوية لليوم السبت    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    افتتاح مهرجان ربيع الفنون الدّولي بالقيروان    الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة    الاستعداد لعيد الاضحى: بلاغ هام من وزارة الفلاحة.. #خبر_عاجل    ترامب ينشر صورة بزيّ بابا الفاتيكان    غارات إسرائيلية عنيفة تستهدف مواقع مختلفة في سوريا    علماء يحذرون.. وحش أعماق المحيط الهادئ يهدد بالانفجار    تفاصيل الاحكام السجنية الصادرة في قضية "التسفير"    الدوريات الأوروبية.. نتائج مباريات اليوم    جلسة عمل بين وزير الرياضة ورئيسي النادي البنزرتي والنادي الإفريقي    نصف نهائي كأس تونس لكرة اليد .. قمة واعدة بين النجم والساقية    ملكة جمال تونس 2025 تشارك في مسابقة ملكة جمال العالم بالهند    دعما للتلاميذ.. وزارة التربية تستعد لإطلاق مدارس افتراضية    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    عاجل: ألمانيا: إصابة 8 أشخاص في حادث دهس    القيروان: هلاك طفل ال 17 سنة في بحيرة جبلية!    الاتحاد الجهوي للفلاحة يقتحم عالم الصالونات والمعارض...تنظيم أول دورة للفلاحة والمياه والتكنولوجيات الحديثة    تحسّن وضعية السدود    معدّل نسبة الفائدة في السوق النقدية    اللجنة العليا لتسريع انجاز المشاريع العمومية تأذن بالانطلاق الفوري في تأهيل الخط الحديدي بين تونس والقصرين    تحيين مطالب الحصول على مقسم فردي معدّ للسكن    عاجل: بينهم علي العريض: أحكام سجنية بين 18 و36 سنة للمتهمين في قضية التسفير مع المراقبة الإدارية    عاجل: إدارة معرض الكتاب تصدر هذا البلاغ الموجه للناشرين غير التونسيين...التفاصيل    عاجل/ تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق    تونس تسجّل أعلى منسوب امتلاء للسدود منذ 6 سنوات    تونس تستعدّ لاعتماد تقنية نووية جديدة لتشخيص وعلاج سرطان البروستات نهاية 2025    النّفطي يؤكّد حرص تونس على تعزيز دور اتحاد اذاعات الدول العربية في الفضاء الاعلامي العربي    اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير لتأمين صابة الحبوب لهذا الموسم - الرئيسة المديرة العامة لديوان الحبوب    الليلة: أمطار رعدية بهذه المناطق..    عاجل/ زلزال بقوة 7.4 ودولتان مهدّدتان بتسونامي    جريمة قتل شاب بأكودة: الإطاحة بالقاتل ومشاركه وحجز كمية من الكوكايين و645 قرصا مخدرا    عاجل/ تسجيل إصابات بالطاعون لدى الحيوانات..    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري بالكامل دون تسجيل أضرار بشرية    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    الجولة 28 في الرابطة الأولى: صافرات مغربية ومصرية تُدير أبرز مباريات    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    ريال بيتيس يتغلب على فيورنتينا 2-1 في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الاوروبي    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خالد شوكات («نداء تونس») ل«التونسية»:المعارضة تلعب بالنّار.. والدولة في خطر
نشر في التونسية يوم 01 - 07 - 2015


عقلية إقصائية وراء أزمة «النّداء»
الانفلاتات تدفع في اتجاه الاستبداد أو الفوضى
ضربة سوسة كانت متوقّعة
مجلس نوّاب الشعب مازال محكوما بتقاليد المجالس السابقة
حاوره: عبد السلام لصيلع
الدكتور خالد شوكات، الغنيّ عن التعريف، شخصية متعدّدة الاهتمامات والالتزامات فهو إلى جانب أنه كاتب وباحث وأكاديمي، قيادي بارز في حزب حركة «نداء تونس» وعضو في مكتبه التنفيذي وعضو في مجلس نوّاب الشعب عن الحزب ومسؤول الإعلام والاتصال في المجلس.. وهو أيضا رئيس المعهد العربي للديمقراطية.. يتحدّث في حوار اليوم ل«التونسية» عن قضايا هامّة جدّا مُعتبرا أنّ الأوضاع العامّة في البلاد تنذر بالخطر.. محذّرا المعارضة من اللعب بالنار في «انتقامها» من الحكومة..
شوكات يرى أيضا أنّ «المشروع الديمقراطي والدولة الوطنيّة في تونس في خطر» موضّحا أنّ مجلس نوّاب الشعب «ما يزال محكوما بتقاليد المجالس السابقة».. مشيرا إلى أنّ الأزمة الداخلية في «نداء تونس» مازالت قائمة بسبب عقليّة إقصائية «تعطي للولاء الشخصي مكانة أولى على حساب الكفاءة والنّزاهة ونظافة اليد».
تفاصيل الحوار في السطور التالية:
قبل كلّ شيء ما هو تعليقك على العملية الإرهابيّة التي شهدتها مدينة سوسة يوم الجمعة الماضي؟
- عملية سوسة بالنسبة إلى الذين لديهم خبرة ومعرفة بالجماعات المتطرّفة وبالتّحديد بتنظيمات مثل «القاعدة» و«داعش» لا يمكن إلاّ أن يتوقعوها.. هي ضربة متوقّعة. وأنا شخصيّا خصّصت كلمتي في اجتماع مكتب مجلس نوّاب الشعب ليوم 22 جوان 2015 للحديث عن الاستراتيجية التي تتبعها «داعش» في التعامل مع تونس وكيف أنّ «داعش» تصنّف تونس في مرحلة «شوكة النّكاية والإنهاك» التي تسبق مرحلة «الفوضى» أو «التوحّش» ثم مرحلة «الغزو» أو «السّيطرة المباشرة» على البلد.
ومضمون هذه الاستراتيجية هو العمل على إنهاك الدولة التونسية من خلال تنفيذ ضربات نوعيّة تثير الجدل وتجعل المجتمع يدور في فلكها.. وخبراء التطرّف الدّيني الإسلامي يعرفون أنّ مخطّط «الذّئاب المنفردة» مستمرّ غير أن أفضل ردّ على هذا المخطّط هو عدم ردّ الفعل بالطّريقة التي يتوقّعها هؤلاء المجرمين أي عدم الدخول في حالة استثناء وتغيير نمط الحياة ووتيرة اشتغال مؤسّسات الحكم.. هم يخطّطون لدفعنا إلى التخلي عن برامجنا التنموية وإلغاء مظاهر الفرح والحياة من عيشنا وإدخال الفوضى والإرباك على أعمالنا ومؤسّسات حكمنا ونظامنا السياسي.
فكلّما تشبّثنا بحياتنا وبنمط عيشنا وواصلنا البناء والتعمير والتنمية خصوصا في المناطق المحرومة، كلّما أفشلنا مخطّطاتهم الجهنّميّة. أنا ضدّ إعلان حالة الطّوارئ والاستثناء ومع تزويد مؤسّساتنا الأمنية والعسكرية بالوسائل الضّرورية ضمن نسق حياتنا العادية ودعوة المؤسّسة العسكرية والأمنية بالخصوص ومؤسّسات الدولة إلى الاستفادة بالخبرات العلميّة والأكاديمية في هذا المجال لأنّ التشخيص الجيّد للحالة يقود إلى التماس العلاج الصّحيح، وأنا أرى تقصيرا في هذا المجال في انفتاح مؤسّسات الحكم على مراكز الخبرة الاستراتيجية الأكاديمية والعلميّة.
كيف تصف الأوضاع العامّة في البلاد حاليا؟
- الأوضاع العامّة في البلاد حاليا هي أوضاع تنذر بالخطر في بعدين. فأنا أرى أنّ اتّساع رقعة الإضرابات والاحتجاجات والاعتصامات والتحرّكات الاجتماعية وإحياء كافة النعرات والعصبيّات القطاعية والجهوية والقبليّة وضرب الاقتصاد الوطني نتيجة شلّ القطاعات الحيويّة وانغماس النّخب الحزبيّة في صراعات من أجل اقتسام الغنائم السّلطويّة... كلّ ذلك يوفّر بيئة مناسبة جدّا للإجهاز على الدّولة الوطنيّة لدفعها إمّا في اتجاه الاستبداد، حلقة جديدة من حلقات الاستبداد، أو في اتجاه الفوضى وما تعنيه من إمكانيّة زحف تنظيمات متطرّفة مثل «داعش» على الإقليم التونسي.
في هذا الإطار ما هو تفسيرك لكثرة تحرّكات المعارضة والتحرّكات النقابيّة في وقت واحد.. هل هي عفويّة أم غير بريئة؟
- أنا أعتقد أنّ هذه التحرّكات على افتراض أنّها بريئة أو تنطلق من نوايا حسنة عديمة الوعي بما يحدق بالمشروع الديمقراطي وبما يحدق بالدولة الوطنيّة. الآن لم تعد القضيّة قضيّة حكومة فاشلة أو ناجحة.. الآن الأمر تعدّاها إلى تهديد جدّي للدولة الوطنية برمّتها وللمشروع الديمقراطي الذي اختاره التونسيون خلافا لشعوب أخرى اختارت أن تعود أشواطا إلى الوراء. فأنا أعتقد أنّ المعارضة بَدَتْ وكأنّها تنتقم من الحكومة ولكن انتقامها هذا أصبح يتجاوز الحكومة إلى اللعب بالنار وإلى الانخراط ربّما عن غير وعي في مشاريع تقف وراءها جهات أجنبيّة ودوليّة تتطلّع إلى ضرب النّموذج التونسي وإلى ضرب السيناريو التونسي.
هل كلّ ما يجري مخطّط لإرباك الحكومة وإسقاطها؟ ومن يقف وراءه؟
- لست أدري.. أنا لا أملك معلومات تشير إلى أنّ ما يجري هو مخطّط بالدّقّة التي ربّما نعتقدها ولكن في رأيي عندما تتسرّب بعض الوثائق مثل الوثيقة التي سُرِّبَتْ ونُسِبَتْ إلى «الجبهة الشعبية» إنّما تدلّ على أنّ الأمر تجاوز حدود الانتقاد السياسي للعمل الحكومي إلى رؤية تسعى إلى إسقاط هذه الحكومة وربّما إلى دفع مشروع الانتقال الديمقراطي برمّته إلى خانة اليأس بحيث يصبح البديل بالضرورة بديلا من خارج الرؤية الديمقراطية ومن خارج مجلس نوّاب الشعب ومن خارج الدّستور إلى بدائل قد تُصاغ كنتاج لحالة الطّوارئ أو لحالة الفوضى أو لحالة العجز التام لمؤسّسات الدّولة عن أداء واجبها.
أنا أعتقد أنّ هذا النوع من السلوك السياسي عادة ما تدفع المجموعة الوطنية ثمنه باهظا. ولهذا أنا أحذّر جميع القوى الديمقراطية، خصوصا منها المعارضة، أحذّرها من الاستهانة بموضوع الفتن والعصبيّات الجهويّة والقبليّة والمناطقيّة.. أحذّرها من الاستهانة بموضوع الفتن والعصبيّات الجهويّة والقبليّة والمناطقيّة.. أحذّرها من الاستهانة بهذا وأدعوها إلى الانتباه إلى أهميّة الوحدة الوطنيّة في هذا الوقت بالذّات وإلى ضرورة تجاوز الخلافات الحزبيّة عندما يكون الوطن برمّته مهدّدا.
في رأيك، ما هي خطورة الوثيقة المسرّبة التي أشرت إليها؟
- خطورتها تدعو عمليّا إلى ما يشبه التآمر من أجل إسقاط الحكومة من خلال تحرّكات ميدانيّة وسياسيّة وإعلامية تراهن على الكواليس وعلى الدّروب المظلمة من أجل تحقيق أغراض وأهداف سياسيّة. في اعتقادي أنّ هذا النوع من السّلوك الذي يبدو وكأنّه مؤامراتي أو انقلابي هو سلوك لا يتّفق مع البنية الديمقراطية المفترضة في أحزاب المعارضة.. يفترض أن نجعل من مؤسّساتنا فقط مجالات للتعبير عن آرائنا واحتجاجاتنا وللدّعوة إلى اتخاذ مواقف سياسيّة معيّنة، وأقصد بمؤسّساتنا مؤسّسات الحكم وخصوصا مجلس نوّاب الشعب.
أمّا إذا ذهبنا بخلافاتنا وصراعاتنا إلى خارج دوائر المؤسّسات فساعتها لا نلوم إلاّ أنفسنا إذا شبّ الحريق في كلّ شيء بما فيه نحن الذين أشعلنا هذا الحريق.
في هذا المناخ يفهم الرّأي العام أنّ المعارضة تتعامل مع الحكومة الحالية وكأنّها حكومة مؤقّتة مثل الحكومات المؤقّتة الماضية.. ما هي وجهة نظرك في هذه المسألة؟
- تتعامل معها وكأنّها من حكومات ما قبل الدستور وتوقّعنا أن ننظر جميعا إلى هذه الحكومة باعتبارها حكومة منبثقة عن دستور وعن مؤسّسات دستوريّة.. ومن المفترض أنّنا أنيهنا كلّ خلافاتنا العقائديّة والإيديولوجية وصغنا وثيقة جامعة سمّيناها «دستور الجمهورية الثانية». فالتّعامل مع هذه الحكومة كما لو لم تكن نابعة عن هذه الوثيقة الدستورية يعتبر تلاعبا خطيرا بالمشروع الديمقراطي برمّته وبمؤسّسات الدولة وبالوثيقة القانونية الأعلى التي هي الدّستور.
ما هو موقفكم كنوّاب في مجلس نوّاب الشعب ممّا يحدث في البلاد، هنا وهناك، من حملات مثل «وِينُو البترول؟»؟
- المشكلة أنّ مجلس نوّاب الشعب مايزال محكوما بتقاليد المجالس السابقة وأنّ وعينا بأنّ مجلس نوّاب الشعب هو مؤسّسة الحكم الدستورية الأعلى وقلب الرّحى في النّظام السّياسي للجمهورية الثانية، مازال محدودا.. وما تزال بعض الدّوائر تريد مجلسا كأنّه وكالة حكوميّة للتشريع ومؤسّسة وظيفية تتبع بامتياز الحكومة، في حين أن هذا الأمر غير صحيح. فالحكومة هي التي انبثقت عن البرلمان وليس العكس.. وبالتالي لم يظهر المجلس إلى حدّ الآن بالشكل المطلوب للتونسيين كفضاء يعكس نبضهم، وكفضاء يبيّن لهم أنّ نوّابهم يحملون همومهم ومشاكلهم بالدّرجة الكافية وأنّ هذا المجلس هو الفضاء الوحيد القادر على إنجاز حلول لمشاكلهم ولأزماتهم وجزء من هذا يعود إلى عدم تعاون مؤسّسات الحكم الأخرى مع البرلمان لكي يضطلع بوظائفه كاملة، ثم يعود أيضا إلى وعي عدد كبير من النوّاب أنفسهم اعتبارا إلى أنّهم ما يزالون ينظرون إلى أنفسهم كما لو أنّهم نوّاب في مجلس نيابي على شاكلة مجالس النظام السابق.
إنّ عددا كبيرا من النوّاب ما يزال يخشى من الجرأة ومن التعبير عن رأيه وما يزال يعتقد أنّ أيّ انقسام أو أيّ استقطاب قد يظهر في المجلس هو «ربّما يسيء ويضرّ بالصّورة العامّة لمؤسّسات الحكم، ولا ينصتون إلى الرّأي الذي يعتقد بأنّ مناقشة قضايا الناس على تعقّدها في المجلس يخفّف على الأقلّ من مناقشتها خارج إطاره. يفترض أنّ المجلس يشكّل ممتصّا للصّدمات على نحو يخفّف من وطأتها على المجتمع. هذا إلى حدّ الآن لم يحدث بالقدر المطلوب وبالدّرجة الكافية.
وطبعا، المجلس يأسف، في الحقيقة، لمثل هذه الحملات التي لا تروّج فقط للأباطيل ولكنّها تساهم في زرع قيم فاسدة وتشجّع على التكاسل وإهمال العمل وعلى انتظار ريع البترول بدل الدعوة إلى المزيد من البذل والعطاء والهمّة والشغل والبحث عن أسباب التحضر والتّقنية والتكنولوجيا والأخذ بأسباب العلم. وأعتقد أنّه ليس من شأن هذه الحملات إلاّ أن تزيد في إضعاف جهاز المناعة الداخلي وفي إرباك المشروع الديمقراطي وفي زرع الفتن والدّسائس والمؤامرات والإمعان في نشر مشاعر اليأس والإحباط لدى عامّة المواطنين.
باعتبارك قياديّا بارزا في حزب «حركة نداء تونس».. هل تجاوز الحزب أزمته الداخلية؟
- سبق لي أن قلت إنّ تعيين الأخ محسن مرزوق أمينا عاما ل«نداء تونس» قد يكون بداية حلّ وليس نهاية أزمة. وإلى حدّ الآن، الأمين العام الجديد لم يتقدّم بأيّة رؤية أو برنامج عمل، يمكن أن نفهم منه كيف ستسير الأمور في مستقبل الأيّام. أنا أعتقد أنّ مشاكل حركة «نداء تونس» بُنيوية، وأوّل طريق لشفائها هو أن يعترف «النّدائيون» بوجود أزمة داخلية وأن يعترفوا بوجود أمراض حقيقيّة تقف وراءها عقليّة إقصائيّة تعطي للولاء الشخصي مكانة أولى على حساب الكفاءة والنّزاهة ونظافة اليد. والحقيقة أنّه دون مبادرة للمّ الشمل وتوحيد الصّفوف على أساس رؤية وبرنامج عمل مشترك وعلى أساس السّعي إلى استغلال التنوّع باعتباره ثروة وليس باعتباره نقمة أو مبرّرا للتصفية.. دون ذلك ستواصل حركة «نداء تونس» التعايش مع الأزمة الداخلية وستكون دائما غير قادرة على الاضطلاع بوظائفها الكبرى التي انتظر التونسيون من أجلها طويلا ومنحوا على أساسها الثّقة لهذه الحركة.
من هذا المنطلق، ما هو مستقبل الحزب؟
- مستقبل الحزب، كما قلت، مرتبط بمشروع القيادة الحزبيّة الجديدة ومدى قدرتها على لمّ الشّمل وتجاوز الخلافات ذات الطّبيعة الذاتية في الغالب ووضع برنامج عمل مشترك يجد فيه الجميع أنفسهم وتنخرط فيه جميع الرّوافد والتّيارات على نحو من الإحساس بالمسؤولية المشتركة والتّضامن المطلوب والوعي بدقّة للحظة التاريخية التي تقطعها بلادنا والمخاطر المحدقة بالمشروع الديمقراطي.
وما هو مستقبل تونس؟
- إذا تمكّن التونسيون جميعا من منح الأولويّة في مواقفهم وسلوكاتهم للمصالح الوطنيّة العليا وأدركوا جميعا أنّ السّفينة إذا خُرِقَتْ وغرقت فإنّها ستغرق بالجميع.. إذا لم ينجح التونسيون في إطلاق مشروع حضاري وطني يقوم على تسويق عناصر القوّة الثلاثة الموجودة عندهم وهي: التاريخ العظيم الحافل بالمنجزات، والجغرافيا الفريدة من نوعها التي تمنح تونس موقعا عظيما في الخارطة العالميّة، والديمقراطية بما تعنيه من استقرار سياسي وشفافية وحوكمة رشيدة وقضاء مستقلّ.. إذا فشلوا في كلّ هذا وانغمسوا في صراعاتهم الضيّقة وأطلقوا العنان للأنانية لتصفية الحسابات الشخصيّة وللمناكفات الحزبيّة والفئويّة والجهويّة.. يكونون قد رسموا ملامح مستقبل غير مضمون. أما إذا تمكّنوا من الانتصار على ذواتهم وعلى أنفسهم الأمّارة بالسّوء وأدركوا أنّ يد الله مع الجماعة وأنّ بمقدورهم أن يكونوا شمعة تضيء الدّرب لهم ولأشقّائهم من حولهم وأنّهم يمتلكون جميع عناصر التفوّق والتحضّر، ساعتها فقط يكونون قادرين على بناء مستقبل مشرق لهم ولأبنائهم.
ما هو منتدى الفكر الوطني الإصلاحي الذي سيحتضنه المعهد العربي للديمقراطية الذي أنت رئيسه؟
- نحن نعتقد أنّ الدولة الوطنيّة تعيش أزمة وأنّ أوّل مظاهر الخلل التي تكشفها هذه الأزمة هو العجز عن المضيّ في إنتاج فكر وطني إصلاحي مستنير وعن بناء الكتلة التاريخية وعن إيجاد الصّيغة الملائمة للتوفيق بين الأصالة والمعاصرة، ووجدنا أنّ منتدى شهريّا للفكر الوطني الإصلاحي يخلّد ذكرى أحد أهمّ رجال الفكر الوطني الإصلاحي وهو الشّيخ عبد العزيز الثعالبي رحمه الله مؤسّس الحركة الوطنية والإصلاحية التونسية ومؤسّس الحزب الحرّ الدستوري، وجدنا في هذه الفكرة ربّما آلية جيّدة ووسيلة راقية لإعادة إطلاق آلة الإنتاج في مجال الفكر الوطني الإصلاحي المؤسّس والمقدّم لإطلاق المشروع الحضاري الوطني. والفكرة أن يكون هذا المنتدى فضاء لحثّ المفكّرين والمثقّفين على الإنتاج ضمن الرّؤية الوطنيّة الإصلاحيّة الديمقراطيّة وكذلك لفت انتباه السياسيين إلى أهمية أن تكون لديهم مرجعيّة فكريّة وحضاريّة صلبة. فما نلاحظه في السّاحة اليوم أنّ الطابع السياسوي هو الذي غلب على الممارسة السياسية وأنّ العمق الفكري والأخلاقي والحضاري المطلوب لم يعد متوفّرا. لهذا اتّجهت العمليّة السلطويّة، إن صحّ التعبير، إلى أن تكون مجموعة من الصّراعات التّافهة والخطيرة في نفس الوقت حول اقتسام غنائم الحكم. ونحن نتطلّع إلى أن تكون الحلقة الأولى من المنتدى قريبا جدّا إن شاء الله، ربّما بعد شهر رمضان المعظّم، كما نتمنّى.. وسنخصّص هذه الحلقة الأولى لتخليد الذكرى السّبعين لرحيل العلاّمة الشيخ عبد العزيز الثعالبي وللتذكير بمواقفه وبمشروعه الحضاري وبتوجّهه الفكري وبنضاله السياسي.
نظّم المعهد العربي للديمقراطية مؤخّرا في تونس مؤتمرا حول الحكم المحلّي كمدخل للتنمية المستدامة. لماذا هذا المؤتمر؟
- هذا المؤتمر الذي كان من تنظيم المعهد العربي للديمقراطية في تونس الذي أتشرّف بأنّني مؤسّسه، والذي احتضنته قاعة المؤتمرات بالمعهد الوطني الفلاحي بتونس يومي 13 و14 جوان الحالي، كان نشاطا ختاميّا لسلسلة من ورشات العمل التي نظّمها المعهد في عدد من مدن الجمهورية من أجل مساعدة الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني للمساهمة في تنمية الموارد البشرية والقدرات القيادية الرّاغبة في خوض تجربة العمل البلدي والسلطة المحليّة.
وقد نجح هذا المؤتمر في لفت النّظر إلى أهميّة الحوكمة المحليّة في توفير المناخات الملائمة لإطلاق العملية التنموية وإعادة بناء المنوال التنموي على أسس سليمة، فالجماعات المحليّة ليست ركيزة من ركائز النّظام الديمقراطي فحسب، بل هي أيضا آليّة لا يمكن الاستغناء عنها في بناء منوال تنموي جديد.
وشاركت أيضا في مؤتمر ببيروت حول «الديمقراطية التوافقيّة في العالم العربي». ماذا جرى في هذا المؤتمر؟
- فعلا، تلقّيت دعوة من مركز القدس للدراسات السياسية ومنتدى الجاحظ للمشاركة إلى جانب ثلّة من الشخصيات السياسية والأكاديمية العربية في مؤتمر إقليمي في بيروت يومي 15 و16 جوان الجاري بعنوان «نحو ديمقراطية توافقيّة في العالم العربي». وقد تطرّقت في مداخلتي إلى خصائص التّجربة التونسية في الديمقراطية التوافقيّة التي جرى التنويه والاحتفاء بها باعتبارها نموذجا يحتذى، وقد توقّفت في مداخلتي على التحدّيات الثلاثة المطروحة على ديمقراطيتنا الناشئة أو ما أسميته بالعقد الثلاث: عقدة العلمانيّة وعقدة التّنمية وعقدة الإرهاب، وخلصت في ورقتي إلى أنّ تحوّل تونس إلى استثناء يصعّب مهمّة التونسيين في إنجاح تجربتهم في التحوّل الديمقراطي. ودعوت النّخب التونسية إلى وعي خصوصيّة التّجربة والنّظر إلى مسائل المعارضة الحكومية والمشروع الديمقراطي والدولة الوطنيّة باعتبارها حزمة واحدة لا يمكن تجزئتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.