النخبة بريئة من مصاب تونس الحداثة ليست خطاب إغراء حوار: أسماء وهاجر بين ثقافة الموت وثقافة الحياة وبين سلطة السياسي وسلطة رجل الدين تتمحور الصراعات اليوم. كيف بدت مواقف النخبة المثقفة في حسم الصراعات وتحويلها من حلبة العدم الى حلبة البذل والعطاء؟ وأين سياسيي «نداء تونس» في إدارة هذا الصراع الذي تقابله «إدارة التوحش» بكل ما تحمله معاني هذه العبارة من احالة الى سياسة «الدواعش» وقوة الادوات التي يمتلكونها في تنفيذ مخططاتهم؟ هل تتحمل المنظومة التعليمية جزءا من المسؤولية في تسهيل رواج مشروع الجاهلية الجديدة؟ هذه المواضيع وغيرها كانت محور حوار «التونسية» مع الدكتورة امال القرامي – استاذة جامعية - التي اعتبرت ان النخبة في تونس لم تضطلع بالمسؤولية الملقاة عليها وفشلت في تحويل المعارف الإنسانية إلى منتج ثقافي يصل بيسر إلى الجمهور العام معتبرة ان الأجيال التي ساهمت في بناء الدولة كانت تحمل تركيبة شخصية مختلفة عن الطبقة السياسية التي تقود «النداء» اليوم والتي تدّعي تمثيل الفكر البورقيبي والتشبع بقيم الوطنية والنضال من أجل تغيير الواقع المتردي. المواجهة اليوم هي بين ثقافة الحياة وثقافة الموت في ظل غياب تصوّر لدى الطبقة السياسية والطبقة المثقفة. فهل يعني هذا أن النخبة اليوم أصبحت جزءا من مصاب تونس؟ - لا أعتبر أنّ النخبة أصبحت جزءا من مصاب تونس. غاية ما في الأمر أنّني أرى أنّها لم تكن في الغالب في مستوى التوقّعات والمأمول ولم تضطلع بالمسؤولية الملقاة على عاتقها وظلت تعمل وفق منطق ردّ الفعل لا استباق الأحداث بطرح التصورات والقراءات التي يمكن أن تعين على تطويق الأزمات وهو أمر منتظر من النخب بحكم قدرتها على تحليل الواقع واستشراف المستقبل . ويرجع التقصير أو التردد أو قلة اتخاذ المبادرات إلى عدة عوامل منها :أنّ الذين أشرفوا على بعض الحملات أو التحركات كانوا يطمحون في المرئية أكثر من الفعل في الواقع أو لأنّهم عملوا وفق مبدإ إقصاء خصومهم فلم يقع الإجماع والحشد الكافي لتحركات كان بالإمكان أن تكون رائدة. وعلى هذا الأساس شهدنا محاولات فردية أو جماعية لم تحقق النجاعة المطلوبة لأنّها تفتقر إلى رؤية واضحة، وهو ما حوّلها إلى أنشطة تتخذ أحيانا شكلا احتفاليا يفتقر إلى السند العلمي ولا يحقق التراكم المعرفي إذ اقتصر تحرك البعض على تنظيم المؤتمرات الخطابية، وصياغة بيانات الشجب والإدانة، والتصريحات الإعلامية المستفزة والتباكي على ما آل إليه الوضع. وهذه الأشكال من التحرك لا تمثل حالة مستمرة، أو جهدا يمكن البناء عليه، ويمكن القول إنّ هذه التحركات اعتمدت طريقة قديمة قائمة على إصدار بيانات النخبة العالمة التي ترى أنّها مؤهلة أكثر من غيرها لقراءة الأحداث وفهم خفاياها وهو مسلك يفضح تملّص النخب من القيام بالدراسات الميدانية المعمقة ذات التوجه المنهجي الجديد والتي تستغرق وقتا وتتطلب جهدا كبيرا. ثمّ إنّ النخبة لم تستطع معالجة أزمة التواصل المتمثلة في تقلص جمهور المتلقين لخطاباتها، واقتصارها على التفاعل مع فئة محدودة حبيسة الأطر الأكاديمية، واجترارها للغة استعلائية، وعجزها عن التأثير في شرائح عريضة من المجتمع، وعدم قدرتها على تحويل المعارف الإنسانية إلى منتج ثقافي يصل بيسر إلى الجمهور العام. هل الخور الذي تعاني منه المنظومة التعليمية جزء من مسألة استقطاب الشباب ؟ - لقد بحت الأصوات المنادية بمراجعة المناهج التعليمية، وتطوير مضامين البرامج، وتعصير طرق التربية بما يتلاءم مع السياق الحاضر الذي تسعى فيه الأمم إلى احترام كينونة الأشخاص ومعاملتهم على أساس أنّهم ذوات تتمتع بحق الاختيار ولها إرادة وتصميم على صنع الغد. ولكن عمليات الإصلاح تعثّرت وانتشرت في المقابل الدروس الخصوصية التي تجعل التلميذ عوَّالا على الأستاذ غير قادر على التعويل على مجهوده الخاص في الفهم والتحليل. يكفي أن ننظر إلى المواد التعليمية كيف تحولت إلى وجبات سريعة للاستهلاك Fast Food وكيف أصبح التلميذ يحفظ عن ظهر قلب أو يطبق دون فهم معمق للنظريات، والغريب في الأمر أنّ الفلسفة التي تقوم على إعمال العقل وتشجع على الفكر النقدي باتت تحفظ كغيرها من المواد. هذه الأجيال التي تم التعامل معها على أساس أنّها وعاء للشحن والإشباع لم تدرك أهمية التجربة الذاتية في بناء الذات ولم تتعلم بذل الجهد الخاص من أجل تحصيل المعرفة وبالتالي تحولت إلى عجينة سهلة التطويع والتشكيل. فلا يُستغرب بعد ذلك أن تغدو عرضة لعملية الأدلجة في المؤسسات التربوية بدءا بالحضانة وصولا إلى الجامعة. يضاف إلى ذلك حالة التسيب التي تعاني منها عدد من المؤسسات التي انتشر فيها مربون «ينتصبون للحساب الخاص»، أي يمارسون الدعوة بدل التعليم ،ويراقبون التلاميذ ويصادرون حقهم في الكلام والتعبير عن آرائهم ويطالبونهم في المقابل بالإذعان والطاعة. إنّ هذه المظاهر التي أشرنا إليها وغيرها من السلوكات والممارسات تثبت أنّ المؤسسة التربوية والتعليمية أضحت عاجزة عن توفير جهاز مناعة فعلي يحمي أبناءنا من خطر التصرف في الأدمغة. فهؤلاء يتقبلون الآراء ولا يتفاعلون معها... يبحرون في المواقع باستعداد مسبق للتكيف مع المنتوج المتداول في حين يذهب آخرون إلى مساجد حولها عدد ممن احترفوا الدعوة للجهاد إلى أسواق للمتجارة بالدين. في اعتقادكم ما هي الخطوط الكبرى للاصلاح حتى توجد أجيال عصية على الاستقطاب من قبل المتشددين؟ - لا مجال لإحداث الإصلاحات الهيكلية في نظري، دون إجراء دراسات ميدانية تحدد مواطن الداء وأسباب فقدان البرامج والمناهج القادرة على تحقيق الأهداف التربوية والمعرفية فضلا عن العنصر التربوي الذي بدأ يفقد سلطته المعرفية ويستبدلها برد فعل تسلطي على العنف الموجه له. كما انّ الإصلاح لا يمكن أن يرتبط بهدف براغماتي فحسب وهو الوقوف في وجه الاستقطاب بل لابد أن يرتبط بأهداف علمية واقتصادية وفكرية تسعى إلى الارتقاء بالمستوى المعرفي والتنموي بصفة عامة. ولا يمكن أن تكون عمليات الإصلاح معبرة عن توجهات أيديولوجية لمن احتلوا مواقع صنع القرار بل يتعين الإصغاء إلى مختلف الفاعلين من مربين وأولياء وتلاميذ وغيرهم، والتفاعل مع مقترحاتهم. هل من السليم استمرار التعليم الزيتوني التابع للجامع الاعظم وتوابعه في ظل خطر الدمغجة والوقوف على قراءات الشريعة والنص الديني من منظار ابن كثير ؟ - المسألة تتعلق في تقديري بالتأمل في مضمون المواد المُدرَّسة ومناهج التعليم والغايات المرسومة لهذا التعليم والتوصل إلى تقديم إجابات مقنعة حول جدوى التعليم الزيتوني: هل بإمكانه أن يقدّم إضافة حقيقية ؟ هل بإمكان المشرفين عليه أن يقودوا حركة فكرية تنويرية وإصلاحية جادة؟ إلى أي مدى يستطيع الإطار التربوي المشرف على العملية التعليمية أن يقدّم فهما يتلاءم مع احتياجات الناشئة والتونسيين عموما في هذا السياق المخصوص؟ إلى أي مدى تخلّص هؤلاء من «اليوتوبيا» واستطاعوا أن يتصالحوا مع زمنهم أم أنهم لا يزالون متمسكين بزمن السلف الصالح أو ما يتمثل على هذا الأساس؟ عودة الضغط من جديد من خلال فرض السلطة والهيمنة والوصاية على الاجيال الجديدة مما يدفعها الى العالم الافتراضي ويجعلها عرضة للاستقطاب من قبل الجماعات المتشددة. ماذا تقصدين؟ - لا مجال لإنكار وجود أزمة تواصل داخل المجتمع تظهر جلية في نمط العلاقات السائدة : علاقات الأخوة والصداقة والزمالة وغيرها ولذلك فإنّ بعض الشبان يختارون الانعزال بسبب غياب الحوار أو اختلال بنية العلاقات الأسرية أو العنف المنزلي السائد ويؤثرون في المقابل البحث عن البديل في خطاب الداعية المنشور في المواقع والمدونات وصفحات «الفايسبوك» وغيرها من الوسائط. أمّا الذين لا يملكون فرصة الإبحار في العالم الافتراضي فإنّهم يسلمون أنفسهم لأشباه الأيمة الذين لا يعرفون إلا ثقافة الكره والقتل والإقصاء والتكفير... إنّنا إزاء ظاهرة العبودية الجديدة وهي أن يختار الشاب أن يتصرف الآخرون في مصيره وأن يستعملوه أداة لتنفيذ أحلامهم وطموحاتهم ونزواتهم. وطالما أننا لم نعالج أزمة التواصل في جميع مستوياتها ولم نشجع الشبان على التعبير عن أنفسهم وواصلنا استعمال أساليب السيطرة والإهانة والإذلال فلا مجال لكسب ثقة فئة من الشبان الذين لفظوا مجتمعهم واعتبروه ممثلا للجاهلية الجديدة. في اعتقادك هل فشل حزب «نداء تونس» في تعزيز وتقوية مكتسبات الحداثة؟ - التجربة لا تزال في بدايتها ولا أرى أنّ «النداء» بإمكانه أن يحتكر وحده تمثيل مكتسبات الحداثة في تونس. غاية ما ادَّعاه أنصار هذا الحزب أنّه سيكون الأكثر قدرة على حماية نمط حياة اعتاد عليه التونسيون يتسم بالمرونة لكن إلى حد الآن هناك نوعان بين حماية الحريات من جهة ، وحالات انتهاك الحريات الفردية من جهة أخرى وكأنّ المسألة تتطابق مع انعكاسات الإتلاف السياسي ذي الجناحين: اليمين /اليسار على إدارة شأن البلاد. إنّ الحداثة ليست خطاب إغراء وليست شعارا يرفع زمن الحملات الانتخابية إنّه مشروع طويل النفس يتطلب إمكانيات وتوظيف طاقات كبرى من أجل بلوغ الهدف. ما رأيك في من يعتبر أن صمت «النداء» على مواصلة نشاط بعض الأيمة الذين عرفوا بخطاباتهم السياسية وبرفضهم لتحييد دور العبادة هو تراجع عن خدمة الحداثة؟ - إدارة الشأن الديني خضعت للتفاوض بين الحزبين الكبيرين ومراعاة موازين القوى والالتزامات المبرمة بعد الانتخابات بشأن توزيع السلط ولذلك لم تنجح الحكومة في اتخاذ سياسة حازمة شعارها تحمُّل المسؤولية التاريخية ومعالجة الأوضاع بطريقة جوهرية. غاية ما نراه هو محاولات الترميم والتوفيق والتلفيق وهذه العمليات ليست إلا إجراءات تجميلية سرعان ما سيتبين فشلها. فطالما أنّ الأيمة المتشددين يتمتعون بحصانة و«قداسة» تجعلهم بمنأى عن المحاسبة بل العزل من مناصبهم فإنّ تأثيرهم السلبي في الجماهير سيتواصل . ولعل الإشكال يكمن في الصراع البيّن بين سلطتين: سلطة السياسي وسلطة انتزعت مؤخرا : سلطة رجل الدين الذي خرج من العتمة وفرض إرادته على الجميع باسم الدين. بعد أن تلبّس هذا الحزب بالشكل البورقيبي وجعله مثاله في الانتخابات هل اخذ عنه المشعل في البناء؟ - الأجيال التي ساهمت في بناء الدولة كانت تحمل تركيبة شخصية مختلفة عن الطبقة السياسية التي تقود «النداء» اليوم والتي تدعي تمثيل الفكر البورقيبي والتشبع بقيم الوطنية والنضال من أجل تغيير الواقع المتردي، ولكن استقراء الواقع يفند هذا الزعم. فما تعاينه، صراعات وانشقاق داخلي وتغليب للمصالح الخاصة على حساب المصلحة العامة وذوات معطوبة تلهث في سبيل المناصب ولذلك فإنّ حمل المشعل لا يمكن أن ينطلق من حزب «النداء» بل يتجاوزه إلى أصوات أخرى تبحث عن آليات جديدة للمّ الصفوف وخدمة البلاد تُجمع في مكونات متعددة داخل المجتمع المدني. إنّ المجتمع المدني قادر على حمل مشعل المواطنة والديمقراطية التشاركية والعدالة الاجتماعية وغيرها من القيم التي تشكل حافزا بالنسبة إلى الحركات الاجتماعية. أين وصلت حرية الضمير في التطبيق هل خرجت من الدستور أم بقيت حبرا على ورق تنتظره سُنَّة الإهمال؟ - إن الانتقال من التشريعات، وهي النصوص إلى التنفيذ، أي تكريس الممارسات يتطلب فترة زمنية حتى يستوعب الناس دلالات هذه المعاني المعقدة. فليس من السهل أن يتفهم القوم ما تعنيه حرية الضمير والحال أنهم يعيشون تحت أسر ثقافة الاتباع وهيمنة مقولات الحلال والحرام وتجذبهم ممارسات المراقبة وتصيّد الهفوات والزلات بدعوى ممارسة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، وتغريهم أيضا خطابات محترفي الدعوة في الفضاءات العمومية. وأعتقد أنّ على النخب التي ساهمت في الضغط على المجلس التأسيسي من أجل تضمين حرية الضمير ألّا تكتفي بالرصد والمتابعة بل عليها أن تساهم في نشر المعرفة، وتبسيط دلالات المصطلحات والمفاهيم، وتوعية الناس بأهمية إيلاء حرية الضمير المنزلة التي تستحقها في حياتنا اليومية. كما أن من مسؤولية الإعلام أن يقرّب إلى الأذهان هذه المكتسبات الحديثة وأن يفضح التجاوزات والانتهاكات. فنحن في مرحلة اختبار نجاعة القوانين ومدى قدرة المشرّع على تحويلها إلى ثقافة عامة توجه حياتنا وسلوكنا وعلاقاتنا. وماذا عن حرية التعبير هل هي حرية تعبير حقيقية أم مجرد ناطق رسمي باسم لوبيات المال ؟ - حرية التعبير تتجاوز الإعلام إذ أنها حق مكفول للجميع ولكن ما يتعرض له بعض الإعلاميين من ضغط وابتزاز ومحاولة تدجين يثبت أن الإعلام التونسي يعيش أصعب فترة وعليه إثبات قدرته على الصمود لا في وجه المستبد بل في وجه الفاسد الذي يريد الهيمنة على القطاع وتوظيفه لخدمة قضايا حزبية أو ارهابية أو سياسية إلى غير ذلك. وليس الأمر سهلا باعتبار أن المسألة معقدة فمحاولات تحويل وجهة مسار الإصلاح يقوم بها عدد من الإعلاميين الذين رفضوا التكيف مع السياق الحاضر ورغبوا في المحافظة على امتيازات كانوا يتمتعون بها سابقا فإذا بهم يعيدون إنتاج الممارسات القديمة ويقفون في وجه من يثنيهم عن عزمهم. إنّ ممارسات المافيا تتسلل في قطاعات عدة : الإعلام ، الإرهاب ، التجارة... انت من بين المدافعات عن المرأة وحقوقها. كيف قدمتها الاعمال الفنية الاخيرة هل نقلت فعلا واقع المرأة أم نفخت في ظاهرة موجودة في المجتمع وجعلتها القاعدة؟ - الأعمال الفنية تخضع لتقييم النقاد الفنيين ولا تحلل بطريقة أخلاقوية أو انطباعية إذ أن العمل الفني يرتبط بالتخييل وهو يعكس رؤية ما للواقع وفق مناظير متعددة تراعي الواقعية والجمالية وغيرها. وما تقدمه هذه الأعمال الدرامية ليس إلا تمثلا لحياة شريحة من التونسيين ولكن الضجة التي اثيرت في تونس وكذلك في مصر تثبت أن الإبداع صار مُدانا لا لشيء إلا لأنّه لا يتطابق مع الثقافة التي تسربت في السنوات الأخيرة والتي تروم محاكمة كلّ فعل إبداعي، ومصادرة حق الفنانين في التعبير عن تصوراتهم، وهنا تطرح علاقة الدين بالفن . أمّا في ما يتعلّق بصورة المرأة في الأعمال الفنية فهي صورة مركبة فيها نصيب من الواقع ونصيب من الخيال تظل في تقديري معبرة عن الثقافة الأبوية ذلك أنّ المرأة تظلّ موضوعا للتحديق لا ذاتا محدقة ويعرض جسدها بطريقة مثيرة تحرض على «الاستهلاك» وكثيرا ما تتعرض للإهانة والامتهان. ولعل المستفز في ما عُرض هو معاينة التغيير الحاصل في المجتمع على مستوى منظومة القيم ...هو أن نرى هشاشة الإنسان وغياب الوعي ...هو أن نحدق في هذا الواقع بتناقضاته بعيوبه والحال أنّنا اعتدنا إسدار الستار وحجب العيوب وممارسة النفاق والرياء الاجتماعي والديني... ندّعي الطهر والفضيلة في الفضاء العام ونمارس عكس ما ندعيه في الفضاء الخاص، نزعم أننا ندافع عن القيم والأخلاق والدين ونستمتع بمشاهدة المسلسلات، ولا نريد أن نغير الفضائية التي تنشر «الرذيلة» وكأنّ قدرنا أن نشاهد «التفاهة». إنّ الأزمة في ظني تتجاوز صورة المرأة التي تعرض في الدراما إنّها أزمة مجتمع معطوب. اليوم المقارنة تشتعل بين المثال التونسي والمثال اليوناني الذي يمثل رمزا للتحدي والدفاع عن سيادته من الارتهان هل يجوز لنا في تونس أن نتحدث عن استقلال وهيبة ؟... - من السذاجة بمكان مقارنة الوضع اليوناني بالوضع التونسي فلا التاريخ ولا تركيبة المجتمع ولا التحولات التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية هي نفسها. إنّ مفهوم التونسيين للسيادة واستقلالية القرار والهيبة مختلفة عن مفهوم الشعوب الأخرى وما نرفعه من شعارات بين الحين والآخر ليس إلاّ رفضا للإقرار بالواقع وهو أننا نتحمل قسطا من المسؤولية في ما آل إليه الوضع من تفريط في السيادة.فبالإضافة إلى السقوط في «التجريب» إذ أنّ كل حكومة كانت تزعم أنّها تملك رؤية وتُوهم بأنّها ستطبق سياسات ناجعة، وأنّها ستحد من الفساد وستطوق التهريب وستكافح الإرهاب عاشت تونس موجات من العنف والاحتجاجات وأعمال «البلطجة» وحالة انفلات في جميع المؤسسات مما أدّى إلى تدهور الاقتصاد وتفشي أمراض اجتماعية متعددة.