بأسلوب المافيا الإيطالية، يبدو أن تونس دخلت مرحلة جديدة من الاغتيالات تستهدف اشخاصا غير مورطين في قضايا أو في سياسات عامة وغير محسوبين على أجنحة سياسية معيّنة. ممّا يؤشّر على وجود مخطط لإرهاب الشعب وبث احساس بانعدام الطمأنينة والأمن بين المواطنين وهي عمليات «تُناور» باللعب على الجانب النفسي للمواطن لجعله يعتقد حقا في غياب الدولة وانهيارها لتعمّ الفوضى وهي الساحة المفضلة للإرهابيين و«المافيوزيين». فقد كان بإمكان من أطلق أمس وابلا من الرصاص في واضحة النهار على سيارة رضا شرف الدين أن يغتاله إذا كان فعلا يريد قتله خاصة ان عدد الرصاصات التي استهدفت سيارته كانت حسب بلاغ الداخلية 9 رصاصات لكن الواضح ان هدف العملية من خلال أسلوبها «الهوليوودي» ترهيبه وتوجيه ربما، رسالة تحذير أو أكثر عبره لبقية الشخصيات العامة وللتونسيين بصفة عامة. المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي ذهب في تحليله، محاولة اغتيال النائب عن «نداء تونس» ورئيس النجم الساحلي، هذا المنحى عندما أكد ل«التونسية» ان حادثة امس تدل على وجود طرف أو اطراف تستهدف ليس الاشخاص فقط ولكن بالأساس تعميق حالة الخوف والشكوك لدى عموم المواطنين وبدرجة أساسية لدى النُّخب. هذه الاطراف لا تزال، في رأيه، مجهولة لدى التونسيين لكنها حسب رأيه تتمتع بنفوذ واسع يجعلها قادرة على ان تتحرك في الوقت المناسب وان تستهدف من تريد دون ان تكون ضحاياها شخصيات مورطة سلبا أو ايجابا في صناعة السياسات بالبلاد. والسيد رضا شرف الدين، حسب الجورشي، يعتبر من الشخصيات التي ليس لها مشاكل مع أي كان ويتمتع بصداقات مع الجميع ولا تمثل شخصيته اشكالية في الساحة السياسية أو الاجتماعية غير مستبعد أن يكون لاستهدافه علاقة بقناة «التاسعة» التي لم تبدأ نشاطها الإعلامي الحقيقي بعد لتصنيفها في سياق سياسي محدد إذ تستعد للانطلاق وتحتاج بعض الوقت حتى يعرف الجميع سياستها التحريرية. لذلك يمكن القول أنّ محاولة اغتيال رضا شرف الدين تفتح نافذة على احتمال أنّ الاطراف التي خططت لهذه العملية ترغب في خلق حالة من الفتنة وإثارة الشكوك التي من شأنها ان تهدد السلم الأهلي خاصة ان وقوع هذه الحادثة في هذا التوقيت بالذات، يخلط الأوراق ويجعل من الصعوبة فهم ما يحدث ويقلص من قدرة الدولة على رد الفعل في الوقت المناسب وبالأساليب العملية الناجعة. ثم إنّ أخطر ما في إطلاق الرصاص على شرف الدين أنّ العملية ربّما سعت لإشعال نار الفتنة والإشاعة وربّما تؤدّي إلى خلق حالات انفلات شارعية لا يمكن لأحد التنبؤ بنتائجها ولا السيطرة عليها: شرف الدين نائب بمجلس الشعب عن حزب «النداء» والجميع يعرف الأزمة التي يعيشها الحزب حاليا. شرف الدين هو رئيس جمعية عريقة وهي النجم الساحلي ولها مئات آلاف المشجعين. والنيل من شخص رئيسه كان سيتسبب في كارثة لتتحوّل المسألة (وهذا ما يرغب فيه الإرهابيون) إلى فتن جهوية خطيرة. «شرف الدين» أيضا رجل أعمال ناجح. تعدّد التعريفات والشخص واحد، يُشتّت فكرة البحث عن أسباب إطلاق النار عليه، هل لصفته الندائية؟ أم لصفته الكروية؟ أو لصفته المالية؟ وكل سؤال يأخذنا إلى متاهات متناقضة.والخوف كل الخوف، أن تكون الإجابة عن هذه الأسئلة مغمَّسة بالدم بعمليات أخرى ارهابية و«مافيوزية» قد تحدث في الأيام القليلة القادمة. الإرهاب هامش حاول أن يصبح لاعبا رئيسيا في المشهد التونسي ومع الأسف ازدادت رقعته، وهو لم ينزل اليوم من الجبال إلى المدن كما يريد البعض إيهامنا بذلك، فقط هو غيّر تكتيكاته وشكله بعد أن ازداد ثقة وتمرّسا فانتقل من العمل الحَلَقي السري الضيق إلى المنحى الاستعراضي الذي يكون فيه أثر الرعب والهلع على الناس أكثر. بلعيد والبراهمي قُتلا بالرصاص في واضحة النهار أمام منزليْهما وليس في الجبال!. وكلما ضعفت الدولة كلما ازداد الإرهابيون جرأة وابتكارا للأساليب الإجرامية، وما كان لهم أن يتجرؤوا لو لم يستنزف سياسيونا دون استثناء أنفسهم في صراع متواصل تسبّب في تهميش وتأخّر المسائل المستعجلة وأساسا مكافحة الإرهاب، إلى آخر الصّفّ، فضعفت هيبة الدولة وأصبحت عرضة للضربات الاستعراضية.