بقلم: جيهان لغماري السؤال أصبح مُلحّا والإجابة عنه بقيت غامضة لأنّ نصفها تقني بحت عند الأمنيّين والنصف الثاني وهو الأهم، عند السياسيّين. فدائما ما اعتقد المخيال الشعبي التونسي وحتى «العقل» السياسي التقليدي أنّ ما يحدث عند الآخرين لا يمكن أن يحدث عندنا إلا كاستثناء، وها أنّ تواتر العمليات الإرهابية يُثبت خطأ هذا الاعتقاد الساذج!. صحيح أنّ أغلبية الشعب ترفض التعصّب والعنف، ولكن لا أحد تفطّن إلى أنّ الإرهاب ليس ظاهرة بلا عروق، فهو بالأساس نتيجة وليس «كائنا» هلاميّا وما لم تقع معالجة أسبابه بعمق، سيستفحل ويزداد صلابة وبأشكال أكثر دموية. عندها لا قدّر الله، ستتعدّد صفحاته ليؤلّف كتابا موقَّعة حروفه بدم التونسيين وأشلائهم. الانفلات الذي حدث بعد الثورة أدّى إلى إضعاف الجسم الأمني مما جعل حدودنا رغم المجهودات مستباحة لكل أنواع التهريب التي أضافت إلى سلعها التقليدية سلعة جديدة وهي الأسلحة. الخطورة تكمن في أنّ بلادنا لم تكن أبدا سوقا للسلاح وعليه فإنّ إدخال الذخيرة إلى مدننا وقرانا لم يكن إلا بغاية استعمالها ولا نعرف كيف غاب هذا الاستنتاج المنطقي عن أغلب السياسيين. التوقّي من مرض محتمل أسهل من مداواة المرض بعد استفحاله، لذلك فإنّ مقاومة الإرهاب تتطلّب رؤية هادئة تجمع بين الجانبين الأمني التقني والسياسي، دون تهوين من حجم الإرهاب. والتوقّي يكون ببنك معلومات يقع قراءتها وتحليلها لبناء استنتاجات وخطط متماسكة توضع على طاولة القرار السياسي. كما يستوجب الجانب التقني بناءا مؤسساتيا نترك للخبراء والأمنيين وهم أصحاب الميدان، وضع أسسه الناجعة. في حين يستوجب الجانب السياسي سرعة في القرار ووضوحا في المواقف بعيدا عن الحسابات الحزبية. إنّ عدم قدرة السياسي على القرار أو غموضه وتعويمه يؤدّي إلى عدم نجاح الأجهزة الأمنية ويُضفي على عملها الارتباك وعدم الفاعلية مما يجعلها فريسة للإرهابيين. كما أنّ غموض القرار السياسي قد يُفهَم منه إخلالا وإن لم يكن مقصودا، أو وهو الأخطر تواطؤا غير مباشر لحصد ما قد يراه السياسيّ مغانم حزبية هائلة، فيكون حضور الإرهاب وغيابه بأزرار يُخفيها طرف سياسيّ ما. ألم ينبّه الأمنيون منذ أكثر من سنة إلى خطورة ما يجري في جبال الشعانبي، فكان الردّ أنْ لا أحد هناك سوى هواة الرياضة؟، تلك الرياضة التي ذبحت عساكرنا بلا رحمة ولا شفقة في رمضان المعظّم!. الإرهاب هامش يحاول أن يصبح لاعبا رئيسيا في المشهد التونسي، وهو لم ينزل اليوم من الجبال إلى المدن كما يريد البعض إيهامنا بذلك، بل هو موجود من قبل في المدن ولكنه غيّر تكتيكاته وشكله بعد أن ازداد ثقة وتمرّسا فانتقل من العمل الحَلَقي السري الضيق إلى المنحى الاستعراضي الذي يكون فيه أثر الرعب والهلع على الناس أكثر. فبلعيد والبراهمي قُتلا بالرصاص في واضحة النهار أمام منزليْهما وليس في الجبال!. وكلما ضعفت الدولة كلما ازداد الإرهابيون جرأة وابتكارا للأساليب الإجرامية، وما كان لهم أن يتجرؤوا لو لم يستنزف سياسيّونا سلطة ومعارضة أنفسهم في صراع متواصل تسبّب في تهميش وتأخّر المسائل المستعجلة ومن بينها مكافحة الإرهاب، إلى آخر الصّفّ، فضعفت هيبة الدولة وأصبحت عرضة للضربات الدموية. خلاصة القول، الطبقة السياسية هي المحدّد الرئيسي في اندثار أو انتشار الإرهاب: توافق صلب ينظر للمستقبل بتفاؤل، قادر على معالجة الآفة التي ستنتهي في صفحتها الأولى دون أن تقدر على خطّ صفحات دموية أخرى. أمّا التوافق الكاذب فنتيجته كتاب من المآسي والدماء وقد يكون دليلا عندها، على أنّ الإرهاب لعبة في يد طرف سياسي ما وتلك كارثة الكوارث!.