تبجيل الأمن على الحريات من مؤشّرات عودة دولة البوليس أنا مع تحييد الأيمّة، لا المساجد المثلية الجنسية خروج عن طبيعة الكون العفو التشريعي بريء من الإرهاب حوار: أسماء وهاجر ماذا وراء الاتهامات بوجود اختراق في قطاع المحاماة والقضاء بعد الأمن؟ ما معنى أن يتحول محامي المتهم بالارهاب إلى «محامي الشيطان»؟ إلى أيّ مدى يمكن أن يكون العفو التشريعي وراء تفشي الظاهرة الإرهابية بتونس؟ ما هو الخط الفاصل بين الدفاع عن حقوق الانسان والاشادة بالارهاب وما حقيقة اتهام محاورنا بذلك؟ وأي معنى لاقتراحه بضرورة وضع الارهابي في منتجع لا صلاحه بسبب قصور المعالجة الأمنية؟ وما هي تداعيات المطالبة برفع التجريم عن المثلية؟ هذه بعض القضايا التي طرحتها «التونسية» على المحامي والحقوقي الاستاذ حسن الغضباني الذي أكد انه أقسى على الارهابي من دعاة حقوق الإنسان وأنّه يطالب بتنفيذ حكم الاعدام عليه إن ثبت تورطه بحكم بات لكن دون المسّ من كرامته والاعتداء على حقوقه التي قال إنها تعدّ خطّا أحمر مهما كان نوع الجريمة. ما تعليقك على من يرى أن المحامي الذي يدافع عن المتهم بالارهاب هو محامي الشيطان؟ - في الحقيقة لكلّ متّهم الحق في محاكمة عادلة. فوجود المحامي ضمانة لرفع الظلم ونحن كثيرا ما دافعنا عن إنابة المحامي في كل مراحل البحث وامام الضابطة العدلية. والمتهم بالارهاب ليس استثناء من هذه القاعدة. فلنتصور أن إنسانا مريضا بمرض يستنكف منه الناس فهل يتخلى عنه الطبيب بحجة أنّ الناس هجروه؟ فالمحامي اذا قبل الدفاع ليس معناه انه سينفي التهمة عن المتهم فاذا كانت التهمة قاطعة وثابتة في الملف فإنه يكتفي بالتبرير. الإشكال أن الناس لا يعلمون شيئا عن مهمة المحامي. فليس من المنطقي أن نقول «محامي الإرهابي» بل يجب أن نقول محامي المتّهم بالارهاب والا سنحيل المحامي من اجل الإرهاب. تعرضت في أكثر من مرة للنقد لانني قلت «مجرم» ولم أقل «إرهابي» لأن الإرهاب لا يثبته إلا حكم قضائي بات غير قابل للطعن بأي وجه من الوجوه.كما أن توصيف إرهابي قبل النطق بالحكم كلمة مشحونة بطابع سياسي وايديولوجي... ألا يكفي أن نقول مجرما؟ المحاماة مخترقة والقضاء مخترق وليس الأمن فقط، ما ردك على ذلك؟ - ما معنى القضاء مخترق؟ هل يعني ذلك وجود قضاة يتعاطفون مع الإرهابيين؟ من يؤكّد ذلك بشكل يقيني؟ يقولون أيضا أن الأمن مخترق.. ولم يثبت ذلك ولم تقع محاكمة أيّ أمني بهذه التهمة. فالحديث عن اختراق القضاء يعني انعدام الاطمئنان وهذا يفتح الباب لشريعة الغاب. وعلى كل أقول لمن يدعي أن المحاماة مخترقة «هاتوا برهانكم حتى يفتح بحث وتقع المحاكمة». ثمّ ما معنى «أمن موازي؟» ما المقصود واقعيا بذلك؟ ما هو دوره الحقيقي؟ أما بالنسبة لما قاله نزار عياد فهو مطالب بالكشف عن هذه الجمعيات التي قال إنها تدفع للمحامين؟ وعلى كلّ حال تصريحات الأستاذ نزار عياد تسبّبت له في إحالة على عدم المباشرة والفرصة أمامه ليكشف الأمر أمام الهيئة الوطنية للمحاماة ويقدّم براهينه. والله أنا في شوق للاطلاع على الحقيقة. أمّا بالنسبة للمحامين الذين اشتهروا بإنابة المتهمين بالإرهاب فقد تكون المسألة مهنية بحتة. أما كيل الاتهامات جزافا فهذا إساءة ظن والظن لا يغني من الحق شيئا. «الأمن يشد والقضاء يسيّب» تهمة ثانية ما هي تداعياتها؟ - هذا أكبر اعتداء على مؤسسة القضاء واستهزاء به. فالبحث الأمني يحكم بالشبهة والقضاء يحكم باليقين. وفي عديد الأحيان يحال المشتبه بحالة إيقاف على القضاء والقضاء يطلق سراحه وفي أحيان أخرى يحال بحالة سراح والقضاء يقرر إيقافه. فالقضاء سلطة مستقلة وهذا وفق الدستور وفي كل المواثيق الدولية. فالإيقافات الأمنية وأنا أعاين ذلك من خلال الملفات التي انوب فيها في المادة الإرهابية وخاصة في ما يسمى «الإشادة بالإرهاب» تقوم على أساس كتابات على جدار الفايسبوك وضحاياه في اغلبهم فتيات وقد سمعت عن معاناة الموقوفات 15 يوما كاملة إذ يُمنعن من تغيير ملابسهن ويتعرضن للتعذيب وأنا أتساءل في هذا الإطار: أين الحقوقيون والحقوقيات للدفاع عن الجوانب الإنسانية؟ وبالتالي فالحديث عن «الأمن يشدّ والقضاء يسيّب» هو ضرب للقضاء وتهمة لا معنى لها. بعض تصريحاتك حول طريقة التعامل مع الإرهابيين أثارت ضجة كبيرة... هل تعتقد أن ما اقترحته يمكن أن يشكل جزءا من معالجة الموضوع؟ - أوّلا يجب أن نوضح بعض النوايا: هل نقصد بمواجهة الإرهابيين قتلهم وإفناءهم؟ أنا أؤمن بصلاح الانسان، أنا أريد اصلاح ما في عقولهم ولذلك ارتأيت معالجتهم فكريا لأنّني أؤمن بأن المعالجة الأمنية لن تحقق المنشود. بقي أن الاصلاح الفكري لا يقوم به إلا من هو على دراية وفهم بالاسلام وهي سمة اهل الدعوى الصادقين وانا قصدت بالمعالجة الفكرية الشباب والاشخاص الذين لم يتورطوا في القتل ولم يحملوا سلاحا. دعوت إلى وضعهم في منتجع وهو عبارة عن منفى بمعنى فصلهم عن المجتمع من اجل اعادتهم إلى رشدهم وتصحيح مفاهيم الجهاد والقتال التي يحملونها عن الإسلام والوقوف على مقاصده السمحاء. وأريد أن أبين في هذا الصدد إنّ هؤلاء لا يجب أن يحرموا من حقوقهم. فاليوم يتلقى المشتبه بتورّطهم في الإرهاب معاملة قاسية ويعذبون والمنطق يقول إنّ عقوبة السجن هي حرمان المتهم من الحرية لمدة معينة وليس حرمانه من الكرامة ومن حقوقه. وأتساءل في هذا الإطار أين الحقوقيون أم أنّهم يدافعون حسب انتماءات السجناء بما يعني أن هناك سجناء يبجّلون وآخرين لا يعنون شيئا؟ أنا أؤكد أنني أقسى من الحقوقيين على من ثبت في شأنه الإرهاب بحكم بات وقد طالبت بتنفيذ أحكام الإعدام في شأن من ثبت عليه باليقين والأدلة أنه حمل السلاح وقتل أبرياء فمن قتل يجب أن يقتل وان كان عدد القتلة مائة أو ألف. فإن كان هناك مائة شخص قتلوا الراعي الطفل مبروك السلطاني أو مائة شخص شاركوا في اغتيال الشهيد بلعيد فأنا أطالب بتنفيذ الإعدام فيهم كلهم. أمّا اتهامي بتبييض الإرهاب لأنّني قلت لوالد القضقاضي «رحم الله ابنك» فهذه من الغرائب. فما المطلوب منّي أن أقول لأب يوم دفن ابنه؟ ولمن اتهمني بتبييض الإرهاب أقول: رجاء نتثبّت قبل رمي الناس بلا دليل. الإشادة بالإرهاب هو موضوع الفصل 31 من قانون الإرهاب الذي اعتبره البعض مدخلا للاعتداء على الحريات. هل تشاطرهم الرأي؟ - الفصل 31 من قانون الإرهاب اشترط التعمد في الاشادة حتى تكون موجبة للعقاب وبالتالي يفهم أنّ الاشادة دون تعمد غير مجرّمة حسب منطوق الفصل لكن الواقع يبين بوضوح أن الايقافات أصبحت تقريبا عشوائية واساسها الفايسبوك أو وشاية (فلان قال). وقد نبت في ملف متهم بالإشادة بالإرهاب لأنه قال «الحمد لله» إثر عملية حافلة الأمن الرئاسي وقد قلت للقاضي أن قول الحمد لله ليس وصفا للحالة بل هو موقف من الحالة والحمد في السراء والضراء والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه ولا علاقة لها بالإشادة بالارهاب فاطلق سراحه. فأغلب المحالين على القضاء من أجل الإشادة بالإرهاب مظلومون ولذلك أنا أشاطر الرأي الذي يعتبر هذا الفصل مدخلا للاعتداء على الحريات وأنه يهدد الجميع وعلى رأسهم الإعلام لأن الإعلامي أقرب للاتهام بهذا الفصل أثناء ممارسته مهنته وهو عبارة على حبل موثوق في قلم الصحافيين. بعض الحقوقيين متّهمون بأنهم كانوا طرفا في تبييض عناصر مجموعة سليمان... ما رأيك؟ - والله أنا لا أستطيع أن أحكم بالمجموعة فهناك من مجموعة سليمان من تاب وأصلح الله في شأنه. فرئيس مجموعة سليمان «صابر الراقوبي» أصبح كولي صالح في منطقته فلماذا اليأس من صلاح الناس وما المانع أن يغير الانسان فكره؟ أنا لست ضد المتابعة الأمنية لكنني ضد أن يقول رئيس إحدى النقابات الأمنية «لا تحدثني عن حقوق الانسان مع الارهابيين» هذا اعتداء على الدولة فما معنى «لا تحدثني عن حقوق الإنسان؟» إذن لنفتح الباب أمام شريعة الغاب ونقدّم بذلك صورة سيئة جدا عن تونس. أنا ضد الاعتداء على كرامة الانسان مهما كانت جريمته فهناك اخلاق في تنفيذ العقوبة فالمسالة في نظري دينية وليست قانونية. إلى إي مدى يمكن اعتبار العفو التشريعي جزءا من مأساة تونس اليوم؟ - أنا ضد هذا الرأي. فالعفو اعتمد توصيف الجرائم. لدينا مشكل مع مجموعة سليمان لكن تم اعتبار قضيتهم سياسية باعتبار أنّ نص الاحالة تضمن تبديل هيئة الدولة لكن وهذه حقيقة الظاهرة الإرهابية لم يخلقها العفو التشريعي بل خلقت من الفهم الخاطئ للاسلام والتأويل غير الصحيح لمفهوم الجهاد والقتل والطاغوت. كيف تقرأ الجدل القائم في الساحة بعد الاستنجاد برجال النظام السابق. في أيّ إطار تتنزّل مثل هذه القرارات حسب اعتقادك؟ - أنا ضد تعميم صفة التجريم والتواطؤ. وهناك عدة كفاءات بالإمكان الاستفادة من خبراتهم وخاصة في المجال الأمني مثال محمد علي القنزوعي. وهنا لا بد من التمييز بين من عمل مع النظام السابق وثبت فساده ومن عمل ولم يثبت عليه وجود فساد فلا مانع من الاستفادة من تجربة وخبرة الصنف الأوّل وعلى كل من يثير ذلك هم الخصوم السياسيين وأنا لا أمارس السياسة وهمّي فقط الحقيقة والنطق بها. نسمع من حين إلى آخر حنينا لأيّام بن علي بل وتمجيدا... هل هذا من علامات فشل الثّورة؟ - أنا أعتبر أن من يمجّد لا يفهم التاريخ وأرى أن الخالق عزّ وجل هو من دمّر نظام بن علي وأحاجج بآية من سورة الفرقان تنطبق على النظام الذي جاء بعد بورقيبة وأنا لا أذكر اسمه وأعتبر ذلك من النواقض «وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا» وبالتالي تمجيده اعتداء على التاريخ وعلى الشعب. ورغم ذلك أنا من أنصار إن أمكنت عودته أن يحاكم محاكمة عادلة. هذا مبدأ الرسول (صلى الله عليه وسلم) الذي كان عادلا مع اعدائه «وان حكمت فاحكم بينهم بالقسط وان الله يحب المقسطين» (سورة المائدة). هل يمكن الحديث عن وجود تغير حقيقي في حركة «النهضة»؟ - كل تغيّر مرحب به سواء كان اختياريا أو اضطراريا. وعلى كل بالنسبة لي أريد أن يتمسك الإسلام السياسي بأخلاق الاسلام وفضائله أما أن يمارسه أصحابه كغيرهم من السياسيين فهو بلية وتهمة على الاسلام فليس من المعقول أن يكون الاسلام السياسي منافقا ومخادعا بتعلّة أن ذلك من إرهاصات السياسة. أنا ضد ذلك. إلى أي مدى يمكن أن يكون إبعاد الأيمّة عن الشأن العام تجذيرا لمدنية الدولة واستبعادا لشبح التطرف؟ - والله أنا من أنصار أن يكون الإمام بالفعل غير متحزب وألاّ يمارس الدعوة لفائدة أيّة جهة كانت سواء طائفة أو ملّة أو مذهب أو زعيم أو حتى فكرة . فيجب أن يكون بعيدا كل البعد عن كل المؤثرات لكن مع ذلك أنا ضد أن نجعل للإمام نقاطا حمراء ونقاط خضراء فمن حق الامام الخوض في أي موضوع ومن حق أي إمام تفسير القرآن. أنا من أنصار تحييد الامام لا تحييد المساجد وألاّ يخدم مصلحة أي كان إلا تقريب الناس من الخالق ويكون في خدمة الحق الذي جاء به الاسلام. فالمصلي الذي يصلي وراء إمام حرّ في اختياراته لكن ليس للإمام أن يتأثر اذا كان يعلم أن عموم المصلين ينتمون لحزب معين. والامام يجب أن يكون محايدا بالفعل وعندها تنفع الصلاة الناس. أما التحزب فيؤدّي إلى الفرقة فالجامع يجب أن يجمع ولا يفرق. ما رأيك في من يعتبر أن لا مجال للحريات عندما يكون الأمن القومي مهدّدا؟ - أنا ضد تبجيل الأمن والتضحية بالحريات من اجل الأمن فهذا «كلام دراويش» وهذه من مؤشّرات عودة دولة البوليس. وليس هذا بمعنى انني ضد الأمن وضد تأمين الحياة ولكن لا يجب أن نتخلّى عن حرياتنا وحقوقنا بدعوى مقاومة الإرهاب ناهيك أنّ بعض الإعلاميين يضخّمون الظاهرة الإرهابية التي يجب أن يقع تنسيبها لأنه ستكون للتضخيم انعكاسات وخيمة على اقتصادنا فلا يمكن مثلا أن تتحسن السياحة وبلدنا «بلد إرهاب»ولا أقصد بذلك ألاّ نضعها في حجمها... فقط يجب ألاّ نسيء لبلدنا عن قصد أو عن غير قصد . ما هي في اعتقادكم تداعيات الانشقاق داخل «نداء تونس»؟ - «أنا أنظر لمن تسعده هذه الخصومات وتضحكه». وعلى كل أسخر منها لأنها ليست خصومات من أجل مبادئ وبرامج وأفكار أو خصومات حول مصلحة الشعب بل هو خصام من اجل الزعامات لن ينفع سوى «النهضة» وسيزيد من حظوظها في الفوز – وانا لست ضدها ولا يزعجني -.ولكنني بصراحة تمنيت أن يكون «النداء» في الحكم و«النهضة» في المعارضة حتى تكون المعارضة قوية لان ذلك من صميم مصلحة الشعب وتلك هي الديمقراطية الحقيقية.فالقاعدة وهذا المعمول به في الانظمة المتقدمة كبريطانيا مثلا أغلبية تحكم ومعارضة تعارض وكلها تصب في مصلحة الشعب ثم تتغير. كيف تقيم المطالبة برفع التجريم عن المثلية الجنسية باسم الحريات الشخصية؟ - بدون شك أن المطالبة برفع التجريم عن المثلية الجنسية هو أمر يخالف قيم الاسلام .فالمثلية ضد نظام الوجود وهي خروج عن الطبيعة الانسانية وأنا ضد الحرية التي تقضي على الجنس الإنساني. فمن يقول انا مع المثلية هو ضد قانون الفيزياء في الكون. ومن يقول أن قانون الفيزياء غير مستقيم لا مانع لديه أن تشرق الشمس من الغرب أو أن تغرب في المشرق. وبالتالي فالمطالبة برفع التجريم عن المثلية واعتبارها من الأفعال المشروعة ولو تحت غطاء الحريات هي دعوة لفساد العالم «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» (سورة الروم الآية 41). وهل انت مع رفع التجريم عن مستهلكي المخدرات ؟ - بالنسبة لاستهلاك المخدرات أنا مع إقرار حرية القاضي في تقدير العقوبة وتفعيل الفصل 53 من المجلة الجزائزية. فإن كان هذا الفصل يفعّل في جرائم القتل فلماذا يمنع في جرائم استهلاك المخدرات خاصة أنّ جل المستهلكين من فئة الشباب الغير متعود؟ بمعنى عوض أن تكون العقوبة كما يشاع «عام وفيسبا» تصبح شهر سجن, خطية مالية أو شهر مع إسعاف بتأجيل التنفيذ. أما بالنسبة للمروّجين فأنا مع التشديد لأنني أعتبرهم أعداء العقل الانساني.