في ظل أزمة حزب حركة «نداء تونس» وما عرفته من استقالات وانسحابات أكدت تصدّع الحزب وانشطاره, احتلت كتلة حركة «النهضة» الصدارة في مجلس نواب الشعب, مما طرح سؤالا حول ما إذا كان من حقها المطالبة برئاسة الحكومة اليوم باعتبارها باتت الحزب الاغلبي ب 69 مقعدا؟ «التونسية» طرحت السؤال على قيس سعيد أستاذ القانون الدستوري وحصلت على إجابة. استهل قيس سعيد كلامه بتقديم موقفه بخصوص الوضع الحالي للبلاد خاصة عقب الاحتجاجات التي طالت عديد الولايات للمطالبة بالتنمية والتشغيل . وحصلت على اجابة «تونس خليقة بأن يحسب حساب لها حين تريد ,وخلقية بأن يحسب لشبابها ألف حساب حين يغضب ثم ينتفض و يثور».مضيفا «حين صعق التيار الكهربائي الشهيد رضا اليحياوي فإنّ الصعقة طالت كل المنظومة القائمة وهزت كل أركانها تماما كما أشعل محمد البوعزيزي النار في جسده فاحرق نفسه واحرق ما تبقى من مشروعية زائفة قام عليها النظام السابق. و لا خير في التاريخ إن كان يعيد نفسه ومن كان يعتقد انه قادر على اعتقال الزمن فهو يعيش خارج العصر والتاريخ». وإجابة عن سؤال حول ما اذا كان يحق لحركة «النهضة» المطالبة برئاسة الحكومة بعد تصدرها الكتل البرلمانية في المجلس, أكد أستاذ القانون الدستوري أن الفصل 89 من الدستور نصّ على أن الحزب أو الائتلاف الانتخابي المتحصل على أكثر عدد من المقاعد بمجلس نواب الشعب هو الذي يتولى تقديم مرشحه لرئاسة الحكومة اثر الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات, مبينا أن الوضع اليوم لا يتعلق بانتخابات تشريعية جديدة بل فقط بتغيير التوازنات داخل المجلس التشريعي بعد انشطار كتلة «النداء» التي كان لها اكبر عدد من المقاعد إلى نصفين أو أكثر . وأوضح سعيد أن الفصل 89 هذا لا ينطبق بالنسبة لتقديم مرشح الحزب أو الائتلاف الانتخابي الفائز بأكبر عدد من المقاعد الا اثر الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات التشريعية. وقدّم لنا محدثنا عدة فرضيات تناولها بالدرس والتحليل من منظور قانوني, كسحب الثقة من الحكومة عملا بالفصل 97 من الدستور, حيث أكد انه لا يتم سحب الثقة الا بعد تقديم طلب معلل من ثلث أعضاء المجلس, وأنه لا يتم التصويت على هذا الطلب الا بعد مضي 15 يوما من تاريخ إيداع اللائحة لدى رئاسة المجلس ملاحظا أن الأغلبية المطلوبة للمصادقة على لائحة اللوم هي الأغلبية المطلقة من أعضاء المجلس ,مبينا أن أهم شرط ورد بهذا الفصل (97) يتعلق بضرورة الاتفاق على مرشح بديل لتكوين حكومة جديدة يتولى رئيس الجمهورية تكليف المرشح لرئاستها اثر ذلك عملا بفصل 89 من الدستور وأوضح سيعد أن الأمر هنا لا يتعلق بترشيح من الكتلة الأكبر ولكن بالاتفاق بين النواب ويجب ألاّ يقل عددهم عن الأغلبية المطلقة ,وأن الدستور التونسي اخذ في هذا الإطار بما يسمى بلائحة اللوم البناءة, مؤكدا مرّة أخرى أنه بالنسبة لهذا الفصل لا يتعلق الأمر بالكتلة التي صار لها اكبر عدد من النواب بل بالاتفاق بين مجموعة من الكتل لترشيح رئيس حكومة جديد وانه في كل الحالات ليست هناك أية نية لأحد داخل المجلس لتقديم مطلب لسحب الثقة من الحكومة . أما الحالة الثانية التي ذكرها محدثنا فهي التي تتعرض لها الفقرة الأولى من الفصل 98 وتتعلق بتقديم رئيس الحكومة استقالته لرئيس الجمهورية علما وأن استقالة رئيس الحكومة تعني استقالة الحكومة بكاملها وحسب سعيد فإنّ رئيس الحكومة لم يعبر مطلقا عن نيته في تقديم الاستقالة . وأشار قيس سعيد أيضا الى انه حتى في صورة تقديم رئيس الحكومة استقالته فان رئيس الجمهورية يختار الشخصية التي يراها الأقدر لتكوين حكومة جديدة باعتبار ان سلطته في الاختيار ليست مقيدة بترشيح إحدى الشخصيات من قبل الكتلة التي لها العدد الأكبر من المقاعد . أما الحالة الثالثة التي طرحها الأستاذ فتتعلق بطرح مسألة الثقة من قبل رئيس الحكومة على المجلس التشريعي وتعتبر الحكومة مستقيلة إذا لم يجدد المجلس الثقة فيها بالأغلبية المطلقة من أعضائه وقال سعيد أنه لا يبدو أن رئيس الحكومة سيطرح مسألة الثقة أمام مجلس النواب مؤكدا انه حتى وان تمت إثارة المسؤولية أو طرح مسألة الثقة فإنّ رئيس الجمهورية وعملا بما ورد في الفقرة الأخيرة من الفصل 98 يختار الشخصية التي يراها الأقدر لتكوين حكومة وانه ليس مقيّدا أيضا بأي ترشيح لأيّة جهة كانت . و بخصوص الحالة الرابعة وهي تلك التي أوردها الفصل 99 من الدستور الذي أتاح لرئيس الجمهورية إمكانية طلب التصويت على الثقة في مواصلة الحكومة نشاطها ,وهي إمكانية متاحة حسب ما أكده قيس سعيد مرتين على الأكثر خلال كامل المدة الرئاسية, قال محدثنا «لا يبدو أن رئيس الجمهورية سيلجأ إلى هذا الفصل وحتى في صورة اللجوء إليه وفي صورة عدم تجديد الثقة في الحكومة بالأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس فإن رئيس الجمهورية يختار الشخصية التي يراها الأقدر لتشكيل الحكومة في أجل أقصاه 30 يوما ,وهكذا فإنّ الأمر موكول لرئيس الجمهورية بهذه الحالات وليس رهين ترشيح جهة معينة للشخصية التي ستتولى رئاسة الحكومة». كما أكد أستاذ القانون الدستوري أن الحكومة اليوم لا تبدو مرتبكة أو منزعجة ممّا يحصل داخل مجلس نواب الشعب مستندا على تصريحات رئيس الحكومة لإحدى القنوات الأجنبية. وأضاف محدثنا أن الاختلافات بين الكتل سواء تلك التي بقيت قائمة أو تلك التي تصدعت ليست اختلافات جوهرية وليست أيضا اختلافات حول البرامج والتصورات, بقدر ما هي حسابات واستعدادات للمواعيد الانتخابية القادمة انطلقت منذ الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات والتي يمكن أن تأتي في موعدها أو يمكن أن تأتي في غير موعدها ,معللا ذلك بغياب الاختلافات بخصوص البرامج والمشاريع قائلا «عدد النواب الذين صادقوا على المشاريع والقوانين و خاصة مشاريع قوانين المالية هو ذاته ,والخلافات لا تكاد تذكر بل هي غير موجودة أصلا ,فنفس عدد النواب تقريبا يتكرر عند المصادقة على أهم مشاريع القوانين وعليه فكلها مرت بسهولة ويسر ونفس النسبة في الأصوات تقريبا». كما أشار أستاذ القانون الدستوري في خاتمة كلامه إلى إعلان قيادات «النهضة» في عديد المناسبات مساندة الحزب للحكومة . مختتما كلامه بأن الحكومة لا تستمد وجودها من الأغلبية بقدر ارتكازها على جهة أخرى» .