المنطقة العربية تسير نحو الهاوية أنا وراء «لقاء باريس» قال الباجي قائد السبسي رئيس الجمهورية في حوار ل « العربي الجديد » انه طلب من ابنه «حافظ» مغادرة «نداء تونس» مضيفا بالقول «اليوم أصبح الوصول إلى المناصب عبر الانتخاب. وقد نصحتُ ابني، وطلبتُ منه مغادرة حزب «نداء تونس» عسى أن يتوقف الذين يروجون لمسألة التوريث عن الإساءة لي، مضيفا: «كل ما أقوله لهؤلاء لن تنجحوا في محاولاتكم المسيئة، فأنا الرئيس الوحيد الذي لم يعين أيّاً من أفراد أسرته في منصب سياسي أنا أعرف ماذا أفعل وما الذي يجب عدم فعله». مؤكدا أنه لا دخل لعائلته في شؤون الرئاسة وإدارة البلاد، مشيرا الى أن جميع من يعملون معه يمكنهم أن يشهدوا بذلك. وأكد رئيس الجمهورية انه هو من كان وراء اقناع رئيس حركة «النهضة» راشد الغنوشي بالذهاب إلى الحوار الوطني عندما كانت «الترويكا» تحكم، وذلك بعدما كان ضد النقابات وغيرها من القوى المناهضة لحركة «النهضة»، حسب قوله . وأشار السبسي الى انه هو من كان وراء تنظيم لقاء «باريس الشهير»، وانه تم الخروج بعده بنتيجتين: أولها القبول بالحوار وثانيها اقناع الغنوشي بأن الوطن قبل الأحزاب. وأضاف الباجي قائلا :«كان يعلم أن لديه مشكلة مع جماعته حتى قيل له «أنت لا تمثل إلا نفسك». كما حدثت لي أيضاً مشكلة داخل «نداء تونس» لكني نجحت في السيطرة عليها خلال دقائق، حيث قلت للجميع هذا هو اختياري، ومن لم يعجبه ذلك عليه أن يتخذ ما يراه. وذكرتهم بأننا أسسنا حزب «نداء تونس» لا ليحكم بمفرده، وإنما ليخلق التوازن في المشهد السياسي». وعن تفاصيل يومه كرئيس دولة أكد الباجي انه يستيقظ باكراً، ويذهب الى مكتبه عند الثامنة صباحاً، ونظراً لقرب مكان إقامته من مكتب العمل، يستجيب دائماً لكل طارئ ويردّ على أي اتصال هاتفي يخصّ نشاطه كرئيس للدولة. وأضاف انه مغرم بالمطالعة منذ الصغر وأنه رغم شواغله الكثيرة، يخصّص على الأقل ساعة كل يوم للقراءة. واضاف السبسي ان آخر مرة غادر فيها القصر الرئاسي عندما ذهب لزيارة رئيس الحكومة الحبيب الصيد في المستشفى وأنه يفعل ذلك ليخفف من مشقة أولئك الذين يحرسونه مؤكدا بأن بابه مفتوح لكل من يرغب في مقابلته، وأنه خصص وقتا لذلك يومياً بين الساعة السادسة والثامنة مساء. وعن وفائه لشخص بورقيبة رغم المشاكل العديدة التي حصلت بينهما، اكد السبسي انه تعلم كل شيء من بورقيبة. عاش يتيماً منذ الصغر، مات والده حين كان في التاسعة من عمره حيث كان كبير إخوته وأصغر أشقائه صلاح الدين كان عمره آنذاك أربعين يوماً، مشيرا الى ان بورقيبة هو الذي اختاره وليس هو قائلا: «كنتُ صديقاً لابنه الذي كان زميلاً لي في الدراسة، بمعهد الصادقية ثم في الجامعة، وكان دائماً يقول لي إن والده مختلف عن السياسيين الآخرين، ولم أصدق مثل هذا الكلام وناقشته فيه. وعندما تحدث مع والده ونقل له موقفي منه ومن عموم السياسيين يومها، قال له بورقيبة آتني به. وفعلاً، عندما التقيت ببورقيبة للمرة الأولى، تغيّرت عقليتي تماماً، ولاحظت أن لديه خاصية لا يملكها غيره. لم يكن رجلاً يحب المال ويلهث وراءه. صدقني عندما أقول لك إن بورقيبة لم يكن يعلم القيمة الحقيقية لوحدة الدينار، هل يصلح لشراء منزل أم علبة سجائر. لقد عاشرته ثلاثين عاماً وليس يوماً أو بضعة أيام، ولم أتخلَّ عنه أبداً. صحيح اختلفتُ معه، ولكنني أشهد بأنه لم يتخلَّ عني. وعندما توالت الهجمات ضدي هو الذي دافع عني». وتابع السبسي قائلا: «كانت لبورقيبة ثقة في مواهبي، وأذكر أني كنت معه عندما توجهنا إلى المكتب البيضاوي في واشنطن للقاء مع الرئيس الأميركي، رونالد ريغن، وقد أعددتُ له بهذه المناسبة نصاً لخطاب سيلقيه، فنصحه بعض أعضاء الوفد التونسي بإلغاء الفقرات التي تتحدث عن القضية الفلسطينية. وعندما بلغني ذلك، ذهبت إليه وقلت له أنت الرئيس ولست أنا، لكن إذا قبلت بالتخلي عن هذه الفقرات فإن زيارتك ستفقد أي معنى. لم يعلق على ملاحظتي، لكن علمت في ما بعد أنه طلب إعادة الفقرة إلى نص الخطاب، وقال لأعضاء الوفد إنه الباجي قائد السبسي يعرف ما الذي يفعله. وعندما دخلنا البيت الأبيض، كانت فلسطين أول مسألة تم طرحها عليه من قبل فريق الرئيس ريغن، وهو ما أفرحني كثيراً، لكنها فرحة لم تدم طويلاً لأن الرئيس بورقيبة فاجأني وفاجأ الجميع عندما خاطب الرئيس الأمريكي بقوله: «سيدي الرئيس أحيل الكلمة لوزير خارجيتي، ليتحدث باسمي عن هذا الموضوع». هكذا وجدت نفسي في ورطة، وعندما أتممت إجابتي قال بورقيبة للرئيس الأميركي وأمام الحاضرين:«سيدي الرئيس هذا ما كنت سأقوله بالضبط رداً عن سؤالكم». واضاف قائلا: «كانت بيننا علاقة خاصة. لهذا السبب أجد نفسي غير قادر على أن أتخلى عنه. لكن أقول بكل وضوح إنني لست وريثه، ولكنه يبقى رمزاً، ويكفيه فخراً أن رفع تونس إلى السماء». وحول وعوده بتوفير الشغل وإنهاء حالة التهميش أكد الباجي قائد السبسي ان هذا الامر صحيح، ولكنه لا يحكم بمفرده قائلا: «لقد تقدمت بمبادرة إلى البرلمان في ما يتعلق بتسوية ملف رجال الأعمال، فإذا بهم أقاموا الدنيا ولم يقعدوها. هناك أقلية غير مؤمنة بالديمقراطية، والديمقراطية تعني ترك الأغلبية تحكم، مقابل أن تحترم الأغلبية الأقلية. وما يحصل الآن أن الأغلبية تحترم الأقلية في حين أن الأقلية ترفض احترام الأغلبية، وذلك من خلال تعمد النزول إلى الشارع». وحول اليساريين وأزمة «نداء تونس»، قال رئيس الجمهورية ان على الجميع ان يقبله كما هو قائلا:«أنا وسطي ولستُ يسارياً ولا يمينياً، ولست إسلامياً لكنني مسلم. والآية واضحة في هذا الشأن: «وجعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً». هذه سياستي، وحتى الذين أدخلتهم معي إلى الحزب، قلت لهم منذ البداية أنتم يساريون لكن عليكم أن تنظروا إلى الوسط أكثر من نظرتكم إلى اليسار، وفعلت نفس الشيء مع الآخرين. يجب على جميع التونسيين القبول بالوقوف على أرضية الوسط. وحتى ممثل «الجبهة الشعبية» الذي استقبلته مؤخراً، قال لي: ألم تقل بأن «حركة النهضة» و«نداء تونس» خطان لا يلتقيان؟ فأجبته بأن ذلك جزء من كلامي، وأن البقية هي قولي: «لا يلتقيان إلا بإذن الله، وإذا ما التقيا فلا حول ولا قوة إلا بالله». فلا تحرّفوا الكلام عن موضعه. أنا أعتقد بأن الله سبحانه وتعالى له دخل في تغيير الأوضاع». وأكد الباجي قائد السبسي انه لا يؤمن بتقسيم للأدوار بين علمانيين وإسلاميين. ولا يتبنى مقولة الإسلاميين، قائلا:«عندما بدأنا بصياغة الدستور أخذت «حركة النهضة» تتحدث عن الشريعة وعن استنقاص حقوق النساء، لكنها عندما لاحظت وجود رفض لذلك عادت إلى الإسلام. وقد قيل يومها إن السبسي قد حوّل الشيخ راشد الغنوشي إلى إسلام تونسي، في حين أن الغنوشي هو الذي اقتنع بذلك. وعندها قلت له مرحباً بك، لأنه لو بقي متمسكاً بالإسلام السياسي لقاومته على ذلك. المهم أننا حققنا بذلك الاستقرار لبلادنا». وحول الواقع العربي وإلى أين تسير المنطقة، اكد الباجي قائد السبسي أن المنطقة تسير نحو الهاوية مضيفا: «علينا أن نطرح هذا السؤال على أنفسنا: ما هو مجال العمل عندنا؟ حالياً العرب هم خارج ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك سوريا والعراق واليمن. الحضور العربي في اليمن ليس أمراً جيداً. هل هناك من يقرر الدخول في عملية عسكرية ولا يعرف كيف يخرج منها؟»