على وقع انتصارات بن قردان أحيت تونس أمس الذكرى الأولى للهجوم الإرهابي الذي استهدف المتحف الوطني بباردو منذ نحو سنة وأسفر عن مقتل 23 شخصا من جنسيات مختلفة, إضافة إلى ضابط فرقة مكافحة الإرهاب الشهيد أيمن مرجان وكلبه البوليسي عقيل الذي أبلى البلاء الحسن في ملاحقة الإرهابيين ياسين العبيدي وجابر الخشناوي بكشف مخبإ أحدهما مما سهل عملية قنصه من طرف قواتنا المسلحة, إضافة إلى دوره الكبير في تحرير الرهائن من قبضة الإرهابيين قبل أن تناله رصاصات الدواعش لترديه قتيلا إلى جانب الشهيد أيمن مرجان. وبحضور وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرلوت تم أمس تركيز لوحات فسيفسائية بصور وأسماء كل الضحايا الذين سقطوا برصاص الإرهاب بما في ذلك الكلب عقيل. كما انتظمت بالمناسبة تظاهرة ثقافية تخليدا لضحايا الهجوم, إلى جانب تقديم كتاب بعنوان «كلنا باردو» في إشارة رمزية إلى أن الإرهاب لن ينال من تونس. ولعل السؤال الذي يمكن طرحه بالمناسبة هو: بعد مرور سنة بأكملها على هجوم باردو هل يمكن القول إن تونس كسبت نصف المعركة على الإرهاب, لا سيما بعد إحباط مخطط إقامة إمارة داعشية في بن قردان؟ أم أن الطريق مازالت شائكة وعسيرة أمامنا لنتمكن من القضاء النهائي على هذه الآفة؟. في هذا الإطار, قال الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للحرس الوطني، العميد خليفة الشيباني ل«التونسية» «إن وحداتنا الأمنية اكتسبت خبرة كبيرة في مجال مكافحة الإرهاب, ولذلك هي نجحت في أخذ أسبقية عليه, وأصبحت تمسك بزمام المبادرة». و أكد أنه بعد مرو عام على الهجوم الإرهابي الغادر على متحف باردو تحققت عدة نجاحات أمنية وعسكرية في هذا الخصوص من ذلك عمليات سيدي عيش بقفصة وقابس والمغيلة ومطماطة ومؤخرا بن قردان أين تم إحباط مخطط إحداث إمارة داعشية بالضربة القاضية من طرف قواتنا المسلحة. ولاحظ أن تنظيم «داعش» الإرهابي ضرب في مقتل وان عموده الفقري كسر في بن قردان, وأن هزيمته هناك جعلته لا يعلن حتى تبنيه للهجوم, مضيفا أن الانتصار على الإرهاب تحقق بفضل اكتساب قواتنا المسلحة الخبرة والتجربة والجاهزية في مكافحته, إضافة إلى توحد المواطنين مع الوحدات الأمنية والعسكرية ووقوفهم مع رجالها في نفس الخندق إلى درجة امتزجت فيها دماء الجميع دفاعا عن تونس. وأكد أن التحصين الذاتي للمجتمع التونسي مهم جدا في الانتصار على الإرهاب. الإرهاب انكسر على أبواب تونس واعتبر خليفة الشيباني أن المعادلة المثلى للانتصار على الإرهاب تكمن في لحمة القوات المسلحة والمواطنين والإعلام لكسب المعركة, مشيرا إلى أن الإرهاب ظاهرة دولية وإقليمية انكسرت على أبواب تونس, وأن هؤلاء الدواعش لن ينجحوا في مبتغاهم, وأن تراكم التجارب التي اكتسبها جيشنا وأمننا في مواجهتهم مكنت من إفشال أجنداتهم في احتلال بن قردان. وأضاف أن الإرهاب في تونس يفتقد الحاضنة الاجتماعية, وأن إحباط هجوم بن قردان أسقط منظومة البطولات الوهمية ل«داعش» في الماء, وأن الانتصار سجل كذلك من خلال رمزية الشهداء الذين فدوا تونس بدمائهم, حيث كانت الرسالة واحدة ومن كافة الفئات الاجتماعية «لا للإرهاب». خليفة الشيباني ختم حديثه ل«التونسية» بالتأكيد على أن تونس في طريقها للانتصار على الإرهاب. هجوم باردو مفصلي أما الخبير الأمني والعميد المتقاعد من الحرس الوطني علي الزرمديني, فقد أشار في اتصال مع «التونسية» إلى أن الهجوم الإرهابي الغادر الذي استهدف متحف باردو وكذلك هجوم سوسة لاحقا وما خلفاه من تأثيرات اجتماعية واقتصادية جعلا التونسيين ييقنون أن الإرهاب موجود وواقع ملموس في بلادهم, وأن هذه الظاهرة تستهدف الجميع وتهدف إلى تحطيم كيان المجتمع التونسي ككل. واعتبر الزرمديني أن كلّا من هجوم باردووسوسة جعلا التونسيين يتخذون موقفا ضد الإرهاب, لاسيما أن بعض الجهات كانت تروج بأن الإرهاب مجرد فزاعة وأنه لا وجود له في بلادنا. وأكد العميد المتقاعد من الحرس الوطني أن وعي التونسيين بمخاطر الإرهاب بعد هجوم باردو منح إرادة سياسية لمكافحته, مبينا أن الوحدات الأمنية كانت واعية منذ البدء بضرورة التصدي لهذا الغول وأن عناصرها لم يتخلوا عن واجباتهم يوما في هذا الخصوص. وتابع بأن ما كان ينقص الأجهزة الأمنية خلال السنوات السابقة هو توفر الإرادة السياسية التي كانت وقتها تجذب إلى الخلف ولم تعط ملف الإرهاب الأهمية المطلوبة. إرادة سياسية ونجاحات أمنية وأضاف أنه وبمجرد توفر الإرادة السياسية في مجال مقاومة الإرهاب أخذت قواتنا المسلحة بزمام الأمور، وأن الدليل على ذلك ما تم تحقيقه من نتائج على أرض المعركة على غرار عملية بن قردان, ملاحظا أن الأجهزة الأمنية سجلت تطورا كبيرا ميدانيا واستخباراتيا واستعلاماتيا, منبّها إلى أن المخاطر الإرهابية ما تزال قائمة. مخاطر وإخلالات إستخباراتية وعن المخاطر المحدقة بأمننا القومي, قال الزرمديني إنها لن تنتهي طالما ما يزال يوجد إرهابي واحد في البلاد, معقبا بأن الإرهاب في تونس يرتبط كذلك بجهات خارجية, وأن المرتكزات التي بني عليها إرهاب الداخل ما تزال موجودة. وأعقب بأن الإرهاب في تونس يشعر حاليا بالهزيمة بعد الانتصارات المحققة في بن قردان, وبالتالي فإنه علينا توقع ردة فعله أو محاولته الانتقام بعد هزيمته الكاسحة في إقامة إمارته الموعودة في الجهة. وشدد محدثنا على أن الإٍرهاب ظاهرة دولية وإقليمية يدرك برامجه وأجنداته جيدا ويعرف أن تونس نقطة إنطلاقه ليتمدد ويتوسع في شمال إفريقيا, وأنه لذلك يخطط لجعل تونس ولاية تابعة له لأن مخططه في التوسع نحو إفريقيا لن يتحقق إلا بوضع تونس تحت إرادته. وبخصوص ما تناقلته بعض الجهات حول صدور وثيقة استخباراتية تحذّر من وقوع هجوم بن قردان قبل حدوثه ب 48 ساعة, مما من شأنه إحباط العملية قبل وقوعها وبالتالي تلافي الخسائر المسجلة في صفوف أعوان القوات المسلحة والمواطنين, أوضح الزرمديني أن التقارير الاستخباراتية تصنف وفق درجات معينة حسب المصدر ودرجة صحة المعلومة من ضعفها أو عدمها, وأنه بناء على ذلك يتم العمل على المعلومة الواردة. واعتبر أن التقرير الاستخباراتي المذكور لم يكن دقيقا على النحو الكافي, مستشهدا بدقة تقرير استخباراتي قدمه رئيس فرقة الأبحاث بالحرس الوطني في عهد الزعيم بورقيبة البشير المنيسي حول عملية قفصة, مؤكدا أن التقرير المذكور كان دقيقا بدرجة عالية جدا مما أدى إلى إحباط الهجوم الذي قام به العقيد الليبي على قفصة في السبعينات. وأعقب محدثنا بأن التقارير الاستخباراتية اليوم ليست بالدقة المطلوبة, وأن أغلبها يحمل الصيغة التالية :«يتوقع أن»، «ينتظر أن», مبينا أنه رغم الانتصارات الميدانية التي حققتها وحداتنا الأمنية في الحرب على الإرهاب تبقى الإخلالات والنقائص الإستخباراتية موجودة, وأنه لا بد من توفر التنسيق الكامل والمتكامل بين مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية.