أذان الفجر كان السّاعة الصّفر للهجوم «ستافات» مدجّجة بالسّلاح.. وقتل على الهويّة ! التحام شعبيّ مع الجيش والأمن وسقوط مخطّط «الدّواعش» يوم صعب بأتم معنى الكلمة عاشه التونسيون جمعا وأهالي بن قردان حصرا, أول أمس على خلفية الهجوم الإرهابي الغادر الذي دبر بليل, في محاولة فاشلة من الإرهابيين احتلال بن قردان تمهيدا لإقامة إمارة «داعشيّة» بها، إلاّ أنّ أحلام مخطّطهم سرعان ما تكسّرت على صخرة الصمود التونسي من جيش وأمن وديوانة ومواطنين, الذين مثلوا جدار الصد المنيع الذي استمات في حماية المدينة ومنع سقوطها بيد الدواعش, فكانت الحصيلة القضاء على 36 إرهابيا بالتمام والكمال وأسر سبعة عناصر, وكشف ثلاثة مخازن أسلحة وحجز ترسانة ضخمة من السلاح والذّخيرة. بدأ الهجوم الكاسح على بن قردان فجر أمس الأول, ومباشرة بعد أذان الفجر الذي نودي له بأحد الجوامع القريبة من الثكنة العسكرية في المدينة, ليكون إشارة الانطلاق لبدء تنفيذ الهجوم الإرهابي الغادر بصفة متزامنة على ثكنة الجيش ومنطقتي الحرس والأمن, واغتيال أفراد من القوات المسلحة والقتل العشوائي, وربما الممنهج للمواطنين, أي القتل على الهوية. شاهد عيان من بن قردان, قال ل«التونسية» إن الإرهابيين كانوا يعرفون جيدا ضحاياهم من أمنيين وعسكريين ومواطنين, وأنّهم لذلك توجّهوا إلى اغتيالهم داخل منازلهم وفي الشوارع وأمام مرأى عائلاتهم. وأكد شاهد العيان أن الإرهابيين كانوا يعرفون كذلك مقرات ومنازل الأمنيين والعسكريين والمواطنين المستهدفين بالقتل, مبينا أن هذا الأمر يثبت أن العناصر الإرهابيّة لم تتسلل من ليبيا, على الأقل من نفّذوا الهجوم, وأنهم تابعون لخلايا إرهابية نائمة من أبناء الجهة. وتابع مصدرنا بأن أحد الإرهابيين كان يصرخ بأعلى صوته: «سأطهر عائلتي من الطاغوت», في إشارة إلى أن أحد أفراد عائلته ينتمي إلى المؤسسة الأمنية أو العسكرية. و أضاف مصدرنا أن عددا من المواطنين في بن قردان قتلوا أثناء دفاعهم عن أقارب لهم من أعوان القوات المسلحة, وأنّ البعض الاخر قتل لأنه اصطف إلى جانب مؤسسات الدولة وحماتها ورفض الانصياع للإرهابيين. وتابعت ذات الجهة بأن أحد المواطنين قتل من طرف الإرهابيين بطريقة عشوائية عندما كان بصدد شراء الخبز من أحد مخابز المدينة وأن مواطنا آخر استشهد عندما ارتمى من على سطح منزله على أحد الإرهابيين محاولا افتكاك السلاح الذي بحوزته. «ستافات» مدجّجة بالأسلحة والإرهابيون من بن قردان و قالت ذات الجهة إن سيارة «ستافات» مدججة بالأسلحة كانت تتجول يوم الواقعة داخل المدينة, وإن العناصر الإرهابية التي كانت على متنها أصيلة بن قردان ومعروفة لدى كل سكّان المدينة. و كشفت مصادرنا أن معظم الإرهابيين الذين لقوا مصرعهم في العملية من أبناء بن قردان وأنّ عددهم 21 عنصرا (المقصود عدد الإرهابيين من الجنسية التونسية), من بينهم الإرهابي مفتاح مانيتا وهو من عائلة بن قردانية ومعروف بإجرامه وفشله الدراسي والعائلي والاجتماعي. وأضافت مصادرنا أن الإرهابي مفتاح مانيتا من العناصر المصنّفة بالخطيرة جدا في المنطقة, وأن أهالي الجهة لا يعرفون أين اختفت عائلته (زوجته وأطفالهما)ّ ويرجح أنهم التحقوا بالجماعات الإرهابية في ليبيا أو سوريا. ليبيون وجزائريون أيضا كما كشفت مصادرنا أنّه كانت هناك عناصر إرهابية ليبية وجزائرية ضمن قائمة الإرهابيين الذين تم القضاء عليهم أول أمس في بن قردان. هبة البنقردانية أول أمس, في وجه الإرهاب الأسود والحاقد كانت هبة رجل واحد, رجالا ونساء, حيث كانت النساء قبل الرجال في الصفوف الأولى لمساندة رجال الجيش والأمن وملاحقة الإرهابيين بالعصي والحجارة وكل ما وجدنه أمامهن من الات أو أشياء قد تمكن من دحر الدواعش, وفق المصدر ذاته. و قبل أيام, نجحت وحدات من الحرس والجيش الوطنيين, وفي بن قردان بالذات, من القضاء على خمسة إرهابيين, وخلال ذلك كان أهالي المنطقة جنبا إلى جنبا مع وحدات الحرس والجيش في مسرح العمليات, وشكلوا الدرع الخلفي الأمين للقوات المسلحة في هذه العملية. سقوط مخطّط «الدّواعش» أهالي بن قردان لم يكتفوا فقط بالتواجد في مسرح المواجهات الأخيرة بل واكبوا كل تفاصيلها ومجرياتها بالتهليل والتكبير والتصفيق, مرددين هتافات النصر للوطن ولحماته على الميدان تحفيزا لهم ورفعا لمعنوياتهم, كما أخذ البعض منهم صورا مع الجنود وأعوان الحرس, وقام البعض الآخر بتصوير جثث الإرهابيين, في حين نقل آخرون نقلا مباشرا عبر الهاتف الأحداث الجارية على الميدان لعائلاتهم أو معارفهم, وكل ذلك تحت لعلعات الرصاص, وفي لحمة فريدة من نوعها بين المواطنين والقوات المسلحة, تحدثت عنها أغلب وسائل الإعلام الأجنبية. «سيلفي» يغزو الفايسبوك صورة «سيلفي» لعدد من الجنود التونسيين رافعين شارة النصر مع ابتسامة عريضة توشح قسمات وجوههم الساخرة, مع جثث إرهابيين لقوا مصرعهم في أرض المعركة في عملية بن قردان الأولى, غزت بدورها المواقع الاجتماعية على غرار «فايسبوك» و«تويتر», وتناقلها التونسيون بكل اعتزاز وسخرية: اعتزاز بمؤسساتهم العسكرية والأمنية وسخرية من أحلام الدواعش الذين لن يكون لهم موطئ قدم في تونس مهما حاولوا. يوم صعب وحرج جدا مرّ على تونس أوّل أمس أحبط خلاله حماة البلاد البواسل أكبر المخططات الإرهابية التي استهدفت أمن البلاد المتمثّل أو بالأحرى الذي توهّم إمكانية احتلال مدينة بن قردان بعد ضرب مقرات ورموز السيادة فيها بغاية إرساء إمارة «الدواعش», ولكن ما كل ما يتمنّى الإرهاب يدركه. هذا ما أعلنه التونسيون أمس الأول في ملحمة بن قردان, حين اصطفوا كالبنيان المرصوص, إلى جانب القوات المسلحة وتخندقوا معها في نفس الخندق ودفعوا معها الثمن ذاته, الدماء, من أجل أن تبقى تونس منيعة ضد كل المؤامرات التي تستهدفها تحت مسميات شتى ومن جهات شتى والأهداف شتى, وعلى هؤلاء أن يُراجعوا حساباتهم جيدا قبل معاودة الكرة, وعليهم قراءة رسالة ملحمة بن قردان جيدا قبل مجرد التفكير في غزو تونس.