اجرى موقع «هافينغتون بوست عربي» حوارا مطولا مع رئيس حركة «النهضة» تحدّث فيه الغنّوشي عن التغيرات التي تقبل عليها الحركة على هامش مؤتمرها التاسع عشر وعن موقعه المستقبلي صلب الحزب ودوره في المشهد السياسي المقبل. كما تطرق الغنوشي في حواره إلى مسألة الفصل بين الدعوي والسياسي في الحزب وعلاقة الحركة بالأحزاب التونسية التي تقذفها بتهمة الإرهاب والتي تبني مشروعها على استعداء الحركة معتبرا أن التحالف مع محسن مرزوق و«الجبهة الشعبية» وارد في إطار الدستور . كما تحدّث عن شكوى بعض رفاق الأمس من اتجاه الحركة للعلمنة، معلّقا على مَنْ ينسب إليه القول إن الإرهابيين يذكرونه بشبابه. فردّا على سؤال حول ما إذا كانت «النهضة» ستعلن خلال مؤتمرها القادم عن حزب سياسي جديد ينزع عن الحركة ثوب الدّين قال الغنّوشي: ««النهضة» حزب سياسي مدني ديمقراطي. نشأت الحركة كتيار مجتمعي وردّة فعل على سياسة الدولة التي تبنّت نظام الحزب الواحد، وعملت على تهميش الهوية العربية الإسلامية منذ فجر الاستقلال. وكردة فعل على نظام شمولي، برزت هذه الظاهرة المجتمعية شاملة أبعاداً مختلفة، خاصة الأبعاد الدعوية والثقافية والمجتمعية، ثم تطورت بعد فترة التأسيس الأولى في بداية السبعينات لتشمل البعد السياسي. هذه الظاهرة لم يُترك لها المجال والحرية لتتطور تطوراً طبيعياً، بل وُوجهت بقمع شديد من قبل الدولة. الحرية التي كانت مفقودة وفرتها لنا الثورة، ممّا أتاح لنا الفرصة لاستئناف مسار التطور العادي للظواهر أو التيارات المجتمعية. نحن نرى أن مسألة الهُوية والصراع أو الخلاف حولها قد حُسم بإقرار الدستور التونسي بداية 2014، الذي حظي بتأييد ٪94 من البرلمان. هذا الدستور حدد الأرضية التي يتوافق حولها الشعب التونسي بكافة تياراته، وحدد طبيعة النظام السياسي الذي نريده. وبالتالي أصبح هناك إجماع وطني حول موضوع الهُوية، ولا يبقى للأحزاب إلا أن تتنافس في إطار البرامج العملية وليس في إطار الصراع حول الهوية. كما حدد أيضاً الدستور التونسي الذي كنا من أكبر صانعيه، أن الشأن الديني هو شأن عام تؤطره الدولة والمجتمع المدني، ومنع الدستور الجمع بين المسؤوليات السياسية والمسؤوليات الدينية أو في المجتمع المدني، وبالتالي تخصصنا في الجانب السياسي هو التزام بالدستور الذي وضعناه. وستبقى «النهضة» في رأينا حزباً مدنياً يستمد مرجعيته من قراءة تعتبر أن الإسلام والديمقراطية متوافقان. وحول اتّهام «النهضة» بممارسة خطاب مزدوج ردّ الغنّوشي قائلا: «هذا بزنس سياسي ومن يتهموننا بذلك هم إقصائيون، وإذا سلَّموا بأن «النهضة» ديمقراطية وحزب سياسي مدني فهم يخشون بذلك من أن يفقدوا أداة من أدوات الحرب. هؤلاء إقصائيون لم يقبلوا قواعد العملية الديمقراطية في الوقت الذي قبلت بها «النهضة»، ولازالوا يأملون في إقصائها عن طريق رمي تهمة الإرهاب لأنهم عجزوا عن منافستها مرة بعد مرة أمام صناديق الاقتراع، ف«الجبهة» الشعبية التي تردد هذا فشلت في أن تنافسنا في انتخابات 2011 و2014، ولذلك هي اليوم تصرُّ على اتهامنا في كل عملية إرهابية وتعتبرها مناسبة للهجوم على «النهضة»، والحال أننا كنا نتحاور معهم سنة 2013 في الحوار الوطني وكان البراهمي وبلعيد قد اغتيلا قبل ذلك التاريخ، ورغم ذلك كانوا يقبلون الحوار معنا، أما الآن فهم يرفضون الحضور في أيّة مناسبة نحضرها، وهذا يُفهم على أنه سياسة جديدة تبنتها «الجبهة الشعبية». وحول ما إذا كانت الحركة ستحسم في الفصل بين الجانب الدعوي والجانب السياسي قال رئيس الحركة: «هذا هو التوجه العام والتطور الذي نرنو إليه، حيث يتخصص الحزب في مسائل السياسة والعمل على تقديم برامج للحكم، ويتم الفصل مع بقية أجزاء الظاهرة التي مكانها المجتمع المدني والأهلي. وحول ما إذا كانت «النهضة» مستعدّة للتحالف مع حزب محسن مرزوق قال الغنّوشي: «نحن مستعدون للتحالف مع أي حزب يعمل في إطار الدستور بما في ذلك «الجبهة الشعبية» ولا نقصي أحداً». وحول ما إذا كان يمكن الحديث عن فشل تجربة الإسلام السياسي بعد الثورات العربية في تونس ومصر قال الغنّوشي: «في الديمقراطية ليس هناك فائز دائم ولا خاسر دائم، وإنما الديمقراطية توفر للأحزاب الفرصة إذا لم تحقّق النتائج المرجوة الى مراجعة نفسها وتقييم أدائها، ودراسة واقعها أكثر والتفاعل مع شعوبها وتقديم رؤى وبرامج جديدة علَّها تحظى بقبول الأغلبية. المشكل يكمن ليس في تراجع أو تقدم النتائج في اللعبة الديمقراطية، ولكن المشكل يكمن في مَنْ يتدخل لإيقاف اللعبة الديمقراطية ليحل محلها القمع والدكتاتورية والفساد. اللجوء الى استخدام القوة ليس علامة نجاح بل بالعكس، وهو محاولة فاشلة لإيقاف مسار التاريخ. وحول ما إذا كان الإرهابيون يذكرونه بشبابه قال الغنّوشي: «الإرهابيون يحاولون ضرب الوحدة الوطنية وتقسيم المجتمع بين مسلم وكافر، وعوض أن نقوي من وحدتنا الوطنية، تلجأ بعض الأطراف السياسية اليسارية لعزف أسطوانة مشروخة تحاول استغلال موضوع الإرهاب والاستثمار في الدماء سياسياً بمحاولة اتهام خصمهم السياسي بهذه التهمة. نقول لهم: كفوا عن هذا، كفوا عن خدمة أجندة الإرهابيين بنشر الفرقة بين التونسيين. لا يمكننا أن نهزم الإرهاب إلا بتوحيد الجهود ورصَّ الصف الوطني ضده. أما توجيه أصابع الاتهام للخصوم السياسيين فهو غير أخلاقي وغير مقبول ولن يفيد البلاد في شيء. نعم، حاورنا بعض الشباب الإسلامي السلفي خلال 2012 حتى نقنعهم بأن الثورة وفرت للجميع الحرية للعمل السياسي والمجتمعي مادام في إطار الالتزام بالقانون، كما حاولنا تحذير بعض هؤلاء الشباب من مغبة تحدي القانون والدولة. ونحن على يقين بأن هذه المحاولات نجحت في إقناع العديد منهم بالالتزام بالعمل ضمن القانون، وكدليل على ذلك فقد تشكل قبل الانتخابات السابقة حزبان لهما مرجعية سلفية شاركا في الانتخابات، بما يعني قبولهما بالديمقراطية وسيادة القانون. أما من اختار العمل خارج القانون، وتحدى الدولة ولجأ إلى العنف فقد واجهته حكومة «الترويكا» بكل حزم بداية من سيدي علي بن عون، إلى منع اجتماعهم السنوي في القيروان، إلى إعلان الحرب الشاملة عليهم في صيف 2013». وردّا على سؤال يقول: «أحد قياديي «الجبهة الشعبية» قال صراحة إن مهمة حزبه تتمثل في تخفيض شعبية «النهضة».. كيف تنظرون لهذا التصريح؟» قال الغنّوشي: «هذه أحزاب مبنية على الضد، و«النهضة» مبنية على الإيجاب، ولذلك نحن ليس لدينا أي موقف إقصائي من أي حزب، ومستعدون من أجل مصلحة تونس أن نتحاور مع الجميع». وفي ردّ على سؤال: «قلتم إنه من حق الرئيس الأسبق بن علي وعائلته الحصول على جوازات سفر من باب التسامح ودفن الأحقاد، ما ردُّك على من استهجنوا تصريحكم بحق دكتاتور متهم بنهب البلاد طيلة 23 عاماً وأفلت من العقاب؟» قال الغنّوشي: «الحقوق شيء، والإفلات من العقاب شيء آخر. بن علي أجرم في حق الشعب التونسي، ولكن هذا لا يعني أن نعاقب كل عائلته بإلغاء كل حقوقهم كمواطنين تونسيين. نريد أن نبني دولة القانون والمواطنة، لا دولة الانتقام والتشفي. لا نريد أن يكون جواز السفر منّة من الدولة، بل يجب أن يكون جواز السفر حقاً لكل تونسي أو تونسية. من أخطأ يُعاقب بحسب جرمه».