انطلاقا من قولة «ابن أبي الدينار»... «الحديث ذو شجون... والشجون جنون... والجنون فنون»... فإننا وهبنا ضيفتنا الكريمة «أروى بوعلّاق» فسحة ممتدة من لقائنا لتتحدث كما يحلو لها بعد أن أشّرت لها بأن محور حوارنا سيصوّر بالعناوين دراستها الجامعية قبل أن تدلف مجال التدريس يوم 16 سبتمبر 2016 كأستاذة تعليم ابتدائي إذ تم تعيينها بمدرسة «أولاد عامر» من معتمدية «حاجب العيون» لتنطلق في مسيرة جديدة عناوينها الاجتهاد والمواظبة... والبذل والعطاء من أجل عيون حالمة وأفئدة يانعة تزهر في عالم الطفولة بأحلامها وأمانيها... بعفويتها وتلقائيتها. «آه... دراستي الجامعية ذكرى رائعة صورها ترتسم نابضة في ألبوم حياتي وكلما شدّني الحنين إليها أسرعت أتصفح هذا الألبوم... لأنه منّي وأنا منه». تكلمت ثم صمتت وكأنها تسترجع محطات ماضيها لتختصره في ومضات توحي بالكثير... ظللت أنظر إليها أدفعها الى الكلام دون ان أقتحم عليها شرودها وطقوسها كما يفعل الشعراء والقديسون والسّحرة... «درست في مجال علمي بحت بالمعهد العالي للبيوتكنولوجيا بصفاقس لأتخرّج منه بشهادة الاجازة التطبيقية في الهندسة البيوطبية اختصاص - تصوير طبي - بعد سنوات من العمل المضني والمداومة والاقبال على دروسي بكل حبّ حيث كنت أشقى وأتعب لأني اعشق التحدي وأحب الامتياز وأهيم بالكتاب ملاذي الأول تدعيما لدروسي وشغفا بالمطالعة... والنجاح بعد التعب له طعم حلو المذاق لأنه حصاد عرق وحرث وبذر». تدخّلت بكل عفوية لأضع النقاط على الحروف في بعض ذكرياتها خلال دراستها الجامعية فلم أسمع غير اشارات العمل والاجتهاد إذ لا مكان لإهدار الوقت وهي الفتاة القادمة من بعيد الى مدينة ممتدة الأطراف قد يهيم فيها الغريب إذا لم يتعلّق بالعلم والمعرفة وأساسها العمل وسموّ الأخلاق... «لأن أبي رجل أمن فقد تعلمت منه الكثير وأخذت منه أسرار شخصيته الفاعلة والنافذة بكل ما فيها من رباطة جأش وقوّة في وجه العواصف وقد أهديته رسالة التخرّج يوم كان أوّل الحاضرين يشدّ أزري ويدفعني بهمّة وعزم قبل مواجهة لجنة الامتحان». وبين منعرجات الحديث ومنعطفاته لم تفوّت ضيفتي الكريمة «أروى بوعلّاق» لتؤكد لي أن دراستها الجامعية بثرائها العملي والعلمي هي بكل المواصفات محمل مثير ومثقّل بالعبر والدروس أهّلها لتتعايش مع هذا المحيط الريفي وتتفاعل مع عناصره ايجابيا دون قلق أو ملل... دون رهبة أو خوف لأنها تعلمت الكثير في كليتها وتحمل بيدها سلاح الصّبر والمداومة ... «حلمت في الجامعة بالكثير... وها قد تحقق منه القليل في مجال أهيم به وأعشقه إذ اقبلت عليه بشغف وحبّ وانطلقت مع تلاميذي في نحت صورة متجدّدة لطفل الريف في جوهر الفعل المعرفي والشأن الابداعي فتفاعلوا معي فعلا وقولا فكان الامتياز والتألق خاصة أني غرست في نفوسهم حبّ الكتاب كعادة تربيت عليها منذ التعليم العالي». واصلت ضيفتي حديثها تسرد لي حياتها الجديدة في مدرسة ريفية وهي تقطن بيتا متواضعا يهب لها سحرا وجمالا وقداسة لأنها تدرك جيدا في داخلها أنها قادمة من أجل رسالة نبيلة... وقبل أن أودّعها سألتها عن أحلامها طالما الحلم حقّ مشروع لشابة مثلها تحلم حتما بالكثير... وبسرعة ردّت مبتسمة...« أتمني أن أصبح متفقّدة بيداغوجية... أنا بنت التعليم ولا أريد أن أبارحه إطلاقا... أحببته الى حدّ النخاع وسأواصل فيه حبّا في تلاميذي».