رائعة هي محطات العمر وخاصة ما تعلّق بالمسيرة الدراسية تبدأ بالأحلام وتنتهي بالنجاح لتظل الذكريات راسخة في ألبوم الحياة بين الصّور والعناوين في خانة تجربة لها أثرها وإيقاعها في عمر ضيف مبجّل يكشف عن مسيرته الطلابية وقد مرّت كسحابة صيف.. سريعا ما تنقشع. «أتحسّر على ضياع فرصتي في مواصلة دراستي إلى حدّ أعلى الشهائد.. الله غالب.. كان عليّ أن أشتغل لأساعد والدي في المصاريف التي تتطلبها دراسة أشقائي.. بدأت العمل شابة ومازالت وقتها أمامي محطّات عديدة لأحقّق الكثير.. هكذا تكلّمت المربية الفاضلة اسمهان اليعقوبي متحسّرة على ماض جميل كتبت ومضاته بالمعهد الأعلى لتكوين المعلّمين بالقيروان كقلعة علم وأخلاق تخرّج منها المعلّمون الأفذاذ الذين صنعوا ربيع التعليم في تونس. وتواصل ضيفتنا الكريمة حديثها قائلة: «كان المعهد يضمّ طلبة من كل تراب البلاد.. من الساحل والجنوب.. من الشمال والوسط حيث ظل قلعة التقاء العادات والتقاليد واللهجات.. وكان نظام الدراسة وقتها صارما يبدأ منذ السادسة صباحا وينتهي مع السادسة مساء لقاء برنامج دراسي دسم وثري يشرف عليه إطار تربوي متميّز عطاء وأخلاقا.. لقد عشقت مادة «العربية» بفضل أستاذي «مصطفى الكيلاني» الذي كان له الفضل الكبير في غرامي بهذه المادة». ولم تنس «اسمهان أن تذكّرنا كيف كانت تتفاعل مع مراهقتها فتكتب الخواطر الشعرية لتخفيها ثم تتشجّع فتلقيها في خجل أمام صديقاتها وتنهيها تحت وابل من التصفيق والآهات لأنّ الخواطر كانت في شكل عواطف جيّاشة لطالبة مقبلة على حياة كلها أمل وحبّ وودّ.. صمتت ضيفتي برهة وكأنّها تسترجع ذكريات الماضي الجميل خلال دراستها الجامعية.. نظرت إلى البعيد ثم التفتت نحوي وأضافت: «كانت لنا في معهدنا مكتبة كبيرة وثرية أرتادها كل يوم في أوقات الفراغ لألتهم الكتب وخاصة مؤلّفات «نجيب محفوظ» و«توفيق الحكيم» و«طه حسين» ممّا جعلني أتوغّل في مادة الفلسفة إلى جانب مادة العربية.. ولا أنسى أيضا ذكريات الرحلات المدرسية إلى أجمل مناطق بلادنا بكل ما فيها من متعة وسحر وجمال». ضيفتنا أكملت دراستها العليا بامتياز ودخلت إلى سلك التعليم لتتناسل الأجيال من أقسامها لأنها ترى أنّ مهنة التدريس لها أبعاد إنسانية وأخلاقية في خانة «كاد المعلّم أن يكون رسولا» لقاء رسالته النبيلة وهي فخورة بهذا رغم تحسّرها على عدم مواصلة دراستها. وقبل أن تودّعنا ضيفتنا الفاضلة قالت: «أنصح شباب اليوم بالمثابرة والجدّ في دراستهم لأنّها أساس اكتمال الإنسان في شخصيته وأخلاقه ومبادئه.. و«العلم نور» كما يقول حكماؤنا..