كلنا نتذكر جيّدا كيف كانت ساحات مدارسنا تحتضن في توهّج رومانسي أحواضا في شتى الأشكال تؤلف حديقة المدرسة أين تطيب استراحة التلاميذ وقت الراحة فيتعطرون بشذى الأزهار وعطر أشجار البرتقال والتوت والتّين و«الأرنج» وقد جسّمت تربتها مدى العناية بأرض الحديقة من قبل أعوان المدرسة ومعلميها وتلاميذها حيث صاروا يحرصون عليها حرصا موجّها لأنها منهم وإليهم يفتخرون بها أمام اترابهم من شتى المدارس الأخرى. وقد ورثت للأمانة - عديد المؤسسات التربوية في بلادنا حدائق ساحاتها من الاستعمار الفرنسي وواصلت في نفس التمشي من ناحية العناية بنباتاتها لأنها محمل تعلّمي في دروس الأطفال ضمن مواد القراءة والانتاج الكتابي والمحفوظات والتربية التشكيلية حيث ارتسمت في ذاكرة أطفالنا ألعابهم ولهوهم يتفيؤون ظلال الاشجار بين الأرجوحة والخذروف والمربعات على وقع ضحكاتهم وأناشيدهم ليتحول المكان إلى لوحة طبيعية رائعة كلّها جمال وسحر وتلقائية تحت مراقبة المعلّمين يدفعون الأطفال إلى استرجاع الأنفاس يوم كان الزمن المدرسي يهب التلاميذ فسحة من الحرية ومعانقة الطبيعة في حبّ وودّ. أما اليوم فقد خرجت حديقة المدرسة من اهتمامات المشهد التربوي ولم يعد لها مكان في تصاميم مؤسساتنا التربوية بعد أن تداعت بنيتها التحتية وتحولت الساحات إلى مساحات قاحلة لا نبض فيها وكأن مشروع «المقاربة بالكفايات الأساسية» ضرب كل عناصر المدرسة ومقوّماتها وأطاح بصورتها الرومانسية تزامنا مع أجيال فقدت روح الابتكار والخلق والفعل والتفاعل في عمق مع الطبيعة انطلاقا من واقعهم المعيش لأن الحواسيب واللوحات الذكية والهواتف المحمولة لا تعترف إلاّ بكل ما هو «الكتروني» متحرك ومتوثّب ومتحفّز دون جمالية ولا لون ولا رائحة في انتظار مشروع تربوي جديد سيتشكل حتما حسب حاجياتنا ولعلّه يمس البنية التحتية للمؤسسات التربوية بساحاتها وحدائقها الغنّاء... فلننتظر.