في موضوع انشائي موجه الى تلاميذ السنة السابعة من المدرسة الاعدادية الواقعة على منحدر صغير من مدخل احدى القرى بين البساتين الغناء المحاطة بالاحياء العتيقة والمنازل العصرية المبنية حديثا.. حرر الهادي قصة قصيرة تفاعل بها مع موضوع كتبه الاستاذ على اوراق بيضاء وزعها عليهم فرادى: «كان ينتظرها على احر من الجمر في مثل هذا الوقت من فصل الصيف لما تعود رفقة اسرتها المهاجرة من احدى الدول الاوروبية الى القرية مسقط رأس ابيها.. وكان هو يغادر ريفه الصغير ليقضي اياما في منزل خالته ويختلط بابناء الحي يلاعبهم ويلهو معهم طويلا. كل صباح تطل بوجهها الوضاء وقد تدثرت بشعر حريري ينسدل على كتفيها وتظل ترقب الاطفال في هرجهم وصخبهم من شرفة الطابق الاول.. وكان يعرف انها بنت مهاجرة رافقت اسرتها للتمتع بالراحة والاستجمام في هذه القرية الوديعة.. وقد سمع من زوج خالته ان اباها يشتغل في مقهى سياحي بمدينة «نيس» الفرنسية وانه لم يغفل اطلاقا عن زيارة اهله بأن شيّد منزلا عصريا ذا طابقين يؤويه كلما زار بلدته رفقة زوجته الفرنسية وابنائه الخمسة. ينفلت في هدوء من كماشة الاطفال الهائجين ويتفيأ ظل شجرة التوت وسط البطحاء وتزوغ عيناه نحوها فيهيم بها.. وتهيم به..يشكو إليها لوعته وتشكو له حرقتها بعد غياب اشهر تحمله القلبان في صبر.. كان يتخاطبان بلغة العينين ويدعوها للنزول لتشاركه اللعب والركض على الحبل وركوب الارجوحة.. وكانت هي تتمنى لو تقفز من شرفة بيتهم لترقص بين الصبية وتطير فرحة كفراشة البستان الجميل..وتظل الاسئلة تعبث بخياله ولا يجد لها ردا.. اتخاف أباها وقد منعها من النزول لتشارك أترابها أفراحهم..؟ هل غلّقت أمها صاحبة المزاج الغربي باب البيت حتى لا تختلط بأطفال غرباء عنها..؟ أتخاف على جسمها الغض الطري من اطفال مراهقين عابثين قد يغريهم قدّها المياس..؟ وفي صبيحة احد الايام نهض باكرا على غير عادته وانطلق نحو شجرة التوت لينعم بشذى اوراقها الخضراء.. جالت عيناه بمنزل «سوزان» الصغيرة ليفاجأ بمشهد لم يكن يحلم به حتى في المنام.. الأم الفرنسية تدفع ابنتها وهي تجلس على كرسيّ متحرك تسرع الخطى صوب الحقول الغناء لتنعما بالنسيم العليل.. يا لهول ما رأى.. «سوزان» الساحرة كسيحة.. لا تقدر على المشي.. وعند الظهيرة لمحها من بعيد تتهلف لرؤيته من شرفة منزلهم.. هو يتمنى لو تلتحق بأطفال الحي تشاركهم الركض.. وهي تتمنى لو تسرع الى شجرة التوت تقفز في فرح مع اترابها.. واصل طريقه صوب الحي العتيق في ذهول.. توقف.. التفت الى الوراء.. نظر اليها..ابتسمت له في حياء فترقرقت من عينيها دمعتان». قرأ استاذ العربية التحرير فأعجب به وكتب بالحبر الاحمر ملاحظة «حسن».. التفت الى تلميذه «الهادي» الجالس في المقعد الثاني من الصف الاول.. فاحمر وجهه خجلا.. أغمض عينيه وبكى طويلا.