منذ أواخر القرن العشرين صارت رياضة كرة القدم ظاهرة ذات مقاييس استثنائية لا تخضع للقواعد العامة المعتمدة في الممارسات الرياضية ولا في قوانين الشغل...وتحولت تجارة بيع وشراء اللاعبين في بعض الدول إلى مصدر ثراء يدر أموالا تفوق عائدات المتاجرين في الأحجار الكريمة والأسلحة والنفط..."الفكر الكروي" بسط هيمنته على أشد المذاهب تعصبا وأشد التنظيمات تطرفا ولم تتجرأ الفتاوى على البروز إليه أو العبث بأدواته...نجوم الكرة في الفرق العالمية الميسورة تفوق أجورها رواتب أكبر دكاترة حقول العلم والمعرفة وأشهر مراجع عوالم الموسيقى والموضة والتمثيل. الوله الجماهيري المتعاظم بمباريات كرة القدم في مختلف أنواع المواجهات كان احيانا وراء بعض الكوارث الإنسانية والفواجع البشرية وأباح بطرق غير مباشرة نشر أسباب الفوضى والقفز فوق المسلمات الأخلاقية والأمنية... سيناريوهات مسارح كرة القدم وكل ما يجد فوق اركاحها وفي كواليسها تتابعه عيون السلط بما يستوجب من الانتباه والحذر والترصد كما لا تخلو هذه المتابعة من فطنة الساسة بضرورة حسن استغلال وتوظيف الإنجازات الكروية وتشغيل آليات الإنتهاز السياسي المرصع ! الجامعة الدولية لكرة القدم شهرت "الفيفا" تبدو ملمة بهذه التفاصيل وباتساع شبكة نفوذها في العالم عبر قدرتها على التدخل المباشر في عديد المسائل الكروية المحلية التي قد تصبح محط الأنظار وموضوع نقاش ! ورغم خصوصيات الملابسات ومحاور الأهمية المرتبطة أساسا باعتبارات الوفاء والاعتزاز بالوطنية والانتماء واحترام الواجبات وشرف التمثيل تجد الفيفا لنفسها أعذارا للتلويح بأنواع من العقوبات المتسلطة على غرار مجالس الغطرسة والظلم في العالم !!رافعة شعار وجوب الفصل بين الممارسة الرياضة والقرار السياسي... حسب منطق الفيفا يمنع على السلط السياسية محاسبة المسؤولين الرياضيين في لعبة كرة القدم تحت أي عنوان بما فيها تهم الاستخفاف بالمهام والتراخي والتخاذل والتطاول متجاهلة ما لهذه السلوكات الحقيرة من تأثير على الاجواء الداخلية وتعريض للسخرية والتندر وتشويه لسمعة الأوطان. حين اهتم البرلمان الفرنسي ورئيس الدولة بملف المشاركة الخائبة للمنتخب الفرنسي في جنوب إفريقيا وسلوكات المدرب واللاعبين ولولت عصافير بلاتر منددة بالتدخل السياسي السافر في شباك كرة القدم !....وحين أمر رئيس نيجيريا بتجميد نشاط منتخب كرة القدم حتى يتم تكوين منتخب جديد على أسس امتن تحمي نيجيريا من المشاركات الهزيلة انتفض بلاتر وحشر أنفه الطويل في شأن وطني داخلي بحت لا دخل له فيه حتى وإن تعلق بكرة القدم. إن سيادة الأوطان واستقلالية القرار فيها لا يمكن أن يكون موضوع مساومة تحت أي غطاء مهما كان لونه ومنطقه أو الشرعية التي يدّعيها... نعتقد أن الهياكل الرياضية مهما تنوعت اختصاصاتها لا يعقل أن يكون لها مرجع نظر آخر وسلطة مباشرة غير التي تنشط في رحابها وتنتفع برعايتها وتأطيرها ودعمها ولا مجال للتسلل إلى منصات السيادة والتدخل في القرارات ذات الخصوصيات الوطنية لا تحت برنس الفيفا ولا تحت خيام الديمقراطية وحقوق الإنسان...لذلك يبدو أن السيد بلاتر مطالب بقراءة متأنية لحدود نفوذ مؤسسة الكرة التي يرأسها وأنه وحتى تبريرات الدوافع الانتخابية و"ماعون" المزايدات مرفوضة أن تكون سلما لإعلان علوية "الفيفا" على سيادة الدول. نصر الدين بن سعيدة