بقلم نصر الدين بن سعيدة أشطح مع القرد مسرحية وليدة إنتاج مشترك بين مسرح التياترو و الديوان الوطني للأسرة و العمران البشري بمناسبة اليوم العالمي لمقاومة "السيدا" . انطلق عرضها الأول يوم 10 ديسمبر الماضي بتياترو المشتل و يتواصل إلى غاية 25 منه... في قاعة خلت فيها المقاعد الشاغرة منذ أول عرض نزل ستار الركح ممتلئا برسائل توعوية في أسلوب الإشارات المرورية بعضها يتعلق بموضوع المسرحية و الآخر متنوع المرامي... أجواء البداية كانت موحية بعرض منسلخ عن العروض المعهودة أو الملتحقة بذيل القافلة المسرحية ! ... فتح باب المسرحية بتصور افتراضي (مستوحى من "الداروينية" التي ترى أنه من القرد تتسلسل سلالتنا) يقول أن "السيدا" ابتكرت لدى القرد أدواتها العارية لمحاربة مناعة الإنسان حين يستيقظ الحيوان فيه و يتوغل في الغابات دون تقدير لأخطار المستنقعات و التوغلات المفترسة دون قصد أو اضمار !!! العرض اعتمد على تنوع التدخلات و تنويعها في مختلف مفترقات الفكرة حيث أن المتفرج لم يشعر بأجواء "السيدا" تترنح فوق الخشبة... تدخلات الممثلين تواترت في شكل برقي مشابه للومضات إذ كان لها تأثير الفجأة و عمق النفاذ و سرعة التجاوز وسط ديكور ثقيل كثير التحرك دون موجب أحيانا... العلاقات الأسرية و الشغلية وسط مجتمع نمطي... صراعات الفرد بين اختلاجات البوح و ضوابط الواقع... ازدهار الإشاعة في مستشفيات التعتيم و المغالطة إلى جانب عديد التلميحات المفتوحة على شراك التأويل و التفسير جميعها مواضيع مرت إلى جوار "السيدا" في المسرحية لم تضايقها، لم تنافسها بل جمعتهما الحاجة إلى التفريغ بحكم المعاناة و الاحتباس و الضغوطات. ما يحسب حقيقة لفائدة توفيق الجبالي و فريقه هو ذكاء المسك بانتباه المتفرج طيلة المسرحية اعتمادا بالخصوص على حسن توظيف لغة الشارع أو ما يعرف بمنطق السوقة في فقرات النص...الجبالي استعمل الواقي المسرحي ليتمكن من تسريب إشارات الشهوة الجنسية و مناورات ما قبل الفراش و بعده بأوصاف شعبية معروفة لمناطق من الجنس الأحمر لدى الإنسان و ذلك بتخطيط هندسي سلم بفضله من استهداف الحياء و من الوقوع في الإثارة و استدرار و تسول القهقهات و السقوط في الابتذال... وما يحسب حقيقة أيضا لفائدة فريق ممثلي المسرحية هو طراوة الأداء و سخاء العطاء و ملامح الانتشاء و الانشراح المطلة من تحركاتهم... إنها عناوين الهواية التي يغبطهم عليها آخرون حيث رأيناهم يتبادلون التهاني اثر نهاية العرض بحب و فرح لا يضاهيهما كاشي مالي مهما انتفخ !! نحن ندعو توفيق الجبالى و فريقه إلى الترجل من مسرح المشتل إلى المسرح البلدي و مسارح أخرى ليتمكن عدد أكبر من متابعة مسرحية "أشطح مع القرد" خارج دائرة المناسبات الوقائية و الصحية... و نتساءل لماذا لم يحافظ الجبالي على أصل المثل الشعبي القائل "العب مع القرد..."