لم يكن من الممكن أن يحدث تغيير في تونس دون عالم افتراضي هكذا تقول عديد التحليلات. وإن كان أساس الثورة هو الشارع دون منازع، فقد لعب مستخدمو موقع فايسبوك دورا مهما في ذلك، كثير منهم يلتقطون صور الأحداث من مظاهرات واشتباكات ويسجلون مقاطع الفيديو ليحملوها في وقت لاحق على موقع فايسبوك أو يوتيوب. كما كان للتدوين دور كبير منذ ظهور بوادر الاحتجاجات. مدونون كثر كانوا ينتقدون النظام الحاكم وينقلون الواقع الذي يعيشه أغلب التونسيين وكثيرا ما كانت مدوناتهم تحجب ولا يمكن الدخول إليها إلا باستخدام برامج خاصة. صفحات كثيرة على موقع فايسبوك بدأت في الظهور منذ أن أقدم محمد البوعزيزي على إضرام النار في نفسه. صفحات تحمل عناوين مختلفة لكنها جميعا تضم أخبارا عن الاحتجاجات في سيدي بوزيد سرعان ما لحقتها صفحات أخرى تنقل مختلف الاحتجاجات التي عمت البلاد في ظل غياب التغطية الإعلامية للأحداث. على موقع فايسبوك، الذي شارف عدد مستخدميه في تونس على ملويني مستخدم خلال الأسبوعين الأخيرين حسب موقع "سوشيابامورز" أي حوالي 18 بالمائة من الشعب التونسي، أنشأ مستخدمون صفحات عدة منها " وكالة أنباء تحرّكات الشارع التونسي" أو "أخبار احتجاجات تونس فوريا" كانت هذه الصفحات تنشر أخبارا مصادرها المواطنون وصورا ومقاطع فيديو التقطها المواطنون سواء لمشاركتهم في الأحداث أو لأنهم شهدوا حدوثها، صفحات أخرى أنشأها مستخدمو فايسبوك للتعبير عن آرائهم ومواقفهم على غرار "شعب تونس يحرق في روحو يا سيادة الرئيس،" وقد تعرضت هذه الصفحة سابقا للحجب مما دفع الناشطين فيها إلى إنشاء صفحات أخرى تحمل نفس الاسم كما أنشؤوا صفحة على موقع تويتر SBZ news (أخبار سيدي بوزيد). وقد قام بإنشاء هذه الصفحات فريق من الناشطين الافتراضيين. أما المدونات التي تمثل فضاءات أوسع للتعبير ونقل الأحداث مقارنة بالشبكات الاجتماعية الافتراضية، فقد عملت على نقل الوقائع والأخبار وسط التعتيم الإعلامي. وإذا كانت مواقع الشبكات الاجتماعية قد اعتمدت بالأساس على الوسائط المتعددة من صور ومقاطع فيديو فإن ميزة المدونات أنها فضاءات واسعة للكلمة وللتعبير عن الرأي الشخصي. لينا بن مهني هي إحدى أشهر المدونين في تونس حجبت مدونتها وصفحتها على الفايسبوك بعد أن اخترقها قرانصة يحسبون على النظام السابق. مدونتها كانت تتميز بطابع الآنية والنقل المتواصل للأحداث خاصة منها بعد أحداث سيدي بوزيد. كانت لينا تتنقل ميدانيا إلى مناطق كثيرة تشهد مظاهرات أو احتجاجات لتلتقط صورا وتدون للعالم بلغات مختلفة منها العربية والفرنسية والانقليزية عما شاهدته في ظل غياب جل وسائل الإعلام التونسية عن الحدث وفي حالات نادرة إن حضرت وسائل الإعلام فإنها كانت تنقل جانبا من الصورة فقط. مدونة أخرى بعنوان "أي تونسي" عملت على نقل الأحداث بشكل مختلف عن لينا، اعتمدت بالأساس على نشر مقاطع الفيديو خاصة منها المتعلقة بالمظاهرات والاحتجاجات. وتضم أيضا أخبارا عن الحراك السياسي في تونس هذه الأيام. وبعيدا عن جانب الإخبار والتعبير عن الرأي، لعب الفضاء الافتراضي دورا مهما في تنظيم صفوف التونسيين وإعلامهم. فقد كانوا يتناقلون المعلومات وأخبار المظاهرات والوقفات الاحتجاجية افتراضيا. وكان موقع فايسبوك تحديدا فضاء عموميا لا لمعرفة آخر الأخبار فقط بل أيضا لممارسة أنشطة نضالية افتراضيا تتمثل أساسا في تبادل المعلومات بشكل سري عبر المحادثات الآنية إثر طلب الجيش التونسي عدم نشر معلومات عن مواقعه أو عن الوضع الأمني في منطقة المواطنين. ومازال موقع فايسبوك يلعب دورا مهما في إعلام المواطنين عن التظاهرات المناوئة لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي حتى مع عمل وسائل الإعلام التونسية على نقل هذه المظاهرات ونقد الحكومة الانتقالية. ومازال فايسبوك يلعب دورا جوهريا في صناعة الأحداث وخاصة في التعبئة الشعبية وأيضا في نقل الأحداث والتعبير عن مختلف المواقف والآراء. وإن كانت صحافة المواطن في تونس حاضرة منذ زمن من خلال مبادرات مثل "حل بلوغ" التي تهدف إلى دفع العديد إلى فتح مدونات والتعبير عن آرائهم أو "شهود تونسيون" وهي مدونة جماعية عملت على التوجه للتونسيين خاصة الذين يطالبون بإعلام حر في تونس، فإن أحداث سيدي بوزيد والثورة الشعبية التي انجرت عنها كانت الشعلة التي دفعت صحافة المواطن في تونس إلى مرتبة الصحافة البديلة. وعموما منذ أن ظهرت في العالم، ترتبط صحافة المواطن ارتباطا وثيقا بالأحداث الكبرى. فانفجارات لندن عام 2005 وكارثة تسونامي أو أحداث الحادي عشر من سبتمبر اتسمت بالدور المهم الذي لعبه المواطنون في تغطيتها. أما فيما يخص التجربة التونسية فقد لعبت صحافة المواطن دورين أساسيين. الدور الأول برز خاصة نتيجة التعتيم الإعلامي الذي انتهج في البلاد فكان المواطنون يدونون حول تجاوزات النظام السابق. والدور الأبرز خلال أحداث الاحتجاجات، فقد نقل المدونون ومستخدمو تويتر وفايسبوك ما كان يحدث بشكل متواصل لا لإعلام التونسيين فقط بل أيضا لإعلام العالم.