مازال الشعب التونسي مصرا على خط سطور تاريخ إنجازه العظيم بأحرف من ذهب ورسم ملامح ثورته بتوهج منقطع النظير وغير مسبوق... النموذج التونسي كان باهرا بكل المقاييس لكن و للأسف ثورة الشعب التي أطاحت بديكتاتورية النظام السابق بكل تشعباته بدأت تحيد عن مسارها الطبيعي خاصة وان الفراغ السياسي الذي تعيشه البلاد رغم تشكيل حكومة إنقاذ وطنية مؤقتة لم يحصل حولها الإجماع بسبب تواجد رموز من النظام السابق المنتمين إلى الحزب الحاكم سابقا جعل البلاد في فترة مخاض عسيرة قد تولد فيها الحرية مكبوتة كما عهدناها أو تدفن عمدا قبل أن ترى النور وهو ما طرق نواقيس الخطر لان ثورة الحرية والكرامة التي أرسى عمادها الشعب التونسي بكامل أطيافه بدأت تفوح منها رائحة الردة و تصفية الحسابات وهو ما ترجمه الحراك السياسي في الآونة الأخيرة ودخول أكثر من وافد جديد من أصدقاء الأمس وأعداء اليوم للركوب على سطح الأحداث... الشعب التونسي الذي لم يألف مثل هذا الانجاز البطولي وهو الذي ظل طيلة 23 سنة حبيس فلسفة القمع والترهيب التي انتهجها النظام السابق جرفته ينابيع الحرية المتفجرة من شمال البلاد إلى جنوبها لتختلط بداخله حماسة الشباب الجارفة وظلم السنوات العجاف في غياب تأطير واضح لكل هذه الحشود الغفيرة (كيف لا وهي ثورة الشعب) ليكون المشهد رغم إثارته وسيناريوهاته الهيتشكوكية مثيرا للريبة و مفزعا بكل المقاييس... هي فوضى إفتعلها البعض بتلقائية المواطن التونسي البسيط و بتأطير من الصائدين في الماء العكر لتتزايد المخاوف من ضياع ثمار ثورة الياسمين ناهيك وان تجاذبات الخلاف السياسي حطت على أرض الواقع في غياب كلي للأمن والأمان وتوقعات بارتفاع سقف المطالب الشعبية التي قد تخرج عن زمام السيطرة لتصبح تونس الخضراء بين ليلة وضحاها قاتمة اللون عراقية المعالم... الغريب انه وفي خضم كل هذه المستجدات والتطورات التي تقذف بمستقبل تونس يمينا وشمالا مازال الصمت المطبق والمخجل يخيم على رموز هذه البلاد...وإن كان ساستها يتسابقون للوصول نحو البيت الأبيض بقرطاج وهو حق مشروع ،فإن بعض الذين كنّا نعتبرهم قادتنا لازموا الصمت في وقت تحتاج فيه البلاد إلى كل أبنائها لتجاوز هذا الظرف العصيب وبناء تونس الغد... مثقفو تونس وفنانوها ومسرحيوها ورياضيوها مروا بجانب الحدث واكتفوا بالفرجة من فوق برجهم العاجي..رموز مثل لطفي بوشناق وصابر الرباعي ولطيفة العرفاوي تكن لها الجماهير احتراما كبيرا كانت قادرة على لعب دور فعال في تهدئة خواطر البعض وإعادة الحياة إلى طبيعتها فالوضع قابل للانفجار بين لحظة وأخرى...كثيرون هم من جنوا من خيرات هذا الوطن العزيز وكثيرون هم من حظوا بالتقدير والتبجيل وكان لزاما عليهم أن يكونوا أوفياء على الأقل لتاريخهم ولأسمائهم ويردوا الجميل... أسامة الملولي وغيره من الأسماء التي أضاءت ذات يوم سماء تونس مطالبة اليوم بلعب دور ريادي لتأطير وتوجيه ثورة الشعب لأنه من المؤسف جدا أن تأتي هذه المباردرات من خارج الديار (انتر ميلان الايطالي) في الوقت الذي يعمد فيه رواد المشهد الرياضي والفني في تونس على صد آذانهم عن أنات هذا الشعب والاكتفاء بالفرجة في انتظار أن تهدأ الأمور ليخرجوا علينا بعدها في ثوب الثوار الأحرار... تونس اليوم أمام مفترق طرق فإما أن تشق طريقها بثبات وترسو بشعبها في بر الأمان حيث تتلاطف أمواج الحريات والكرامة والعزة وإما أن تدخل نفقا مظلما قد يستحيل الخروج منه و الجميع مدعو للمساهمة كل على طريقته في إعادة بناء هذا الوطن وجني ثمرات هذه الثورة التي كانت نارا أضاءت شعلتها العالم بأسره... قبل أن تصبح رمادا ويصح مصطلح الأرض المحروقة...