في ظل ما تشهده الساحة الوطنية هذه المدة من تواتر الأخبار مدا و جزرا حول الزيادة المرتقبة للأجور بالقطاعين العام و الخاص تستوقفنا بعض الممارسات التي أقدمت عليها الأطراف الاجتماعية و الإدارية على حد السواء للنيل من حقوق الأعوان و الإطارات مستفيدة من "الصمت الجماعي" إبان الفترة الظلامية لعهد المخلوع. و على ذكر المخلوع نفسه فان ديباجة كل هذه الاتفاقات كانت تخصص و على طول صفحة كاملة أو ما يزيد للتمجيد و التهليل بقرارات "الساهر على حقوق الطبقة الشغيلة" من قبيل "تجسيما لقرار سيادته بمناسبة الذكرى الخمسين لحقوق الإنسان..." و "الاعتزاز بالمكاسب المحققة في عهده..." ثم تثمين "الاستقرار الاجتماعي الذي تنعم به البلاد" و الدعوة الملحة لغاية "كسب التحديات و الرهانات في ظل المستجدات العالمية..." و لتجنب التجني على هذه الأطراف فان القاصي و الداني يقر بأن كل الهياكل و المؤسسات انخرطت إبان العهد البائد في النهج السخيف للشخصنة و الموالاة الرخيصة إلا أن اللوم يتوجه بصفة أدق إلى هذا الجانب دون غيره لأن المنظمة الشغلية كانت على مر الفترات العصيبة درعا نضاليا ينأى بنفسه عن هالة "قافلة تسير". أما على مستوى حصيلة و تطبيق هذه الاتفاقات فإننا نسوق بصفة عملية مثال الشركة الوطنية للسكك الحديدية التونسية باعتبار حجمها الاقتصادي و الاجتماعي من ناحية و رصيدها النضالي من ناحية أخرى و نورد بهذه المناسبة و بكل حسرة النقاط الآتي ذكرها على سبيل المثال و الاستدلال لا الحصر: 1) الانتهازية واستغلال النفوذ لقد ورد حرفيا بالجدول الثاني المصاحب لمحضر الاتفاق حول الزيادات في أجور الأعوان بالنسبة للفترة 2005-2006-2007 على مستوى الخانتين الأفقيتين القبل الأخيرة و الأخيرة تباعا زيادة بمقدار 15 دينارا للمنحة الوظيفية و نفس المقدار للإطارات بما يعني أن الإطار المضطلع بخطة وظيفية يتمتع بما قدره 30 دينارا. إلا أن الأطراف الفاعلة أقرت عند التطبيق بعدم التراكم و الاكتفاء بإحدى الزيادتين و هذه قراءة مستساغة لولا ما جادت به نفس الأطراف من قراءة مغايرة تم بمقتضاها إسناد المبلغ المرصود لرؤساء المصالح و الأقسام و المديرين لرؤساء المديريات و المديرين المركزيين دون سواهم وقد ترتب عن ذلك حصولهم على زيادة بما يفوق الخمسين دينارا كمعدل للمسؤول الواحد و لم يكفهم ذلك فقد خصموا دينارين (2د) من المنحة الوظيفية لكل رئيس مصلحة ليتحصل في هذا الصدد على 13 دينارا عوضا عن 15 دينارا المنصوص عليها حرفيا بالمحضر المذكور. أفليس هذا استغلالا للنفوذ و ضربا من التعدي لما يمكن أن ينتج عن هذا الصنيع الجائر من احتقان صلب العائلة الحديدية؟ و أين موقف الإدارة العامة من هذا الإخلال الواضح؟ 2) التفريط في المكتسبات إن العديد من الأعوان يعانون إلى الآن من الحرمان من الترقية المهنية رغم طول المدة التي قضوها بنفس الصنف دون مبرر إذ أن ملفاتهم خالية من العقوبات مع تقديمهم للإضافة بمراكز عملهم بدليل تحصلهم على أعداد مهنية محترمة. و قد استبشروا و راودهم بصيص من الأمل عندما تقرر إبان مفاوضات 2005-2006-2007 تسوية وضعية الأعوان الذين قضوا 25 سنة فما فوق بنفس الصنف (وقد تمتعت دفعة منهم بالترقية على هذا الأساس) و لكن سرعان ما خابت آمالهم عند تراجع الطرف الاجتماعي عن هذا المكسب ليرتفع هذا السقف بخمس سنوات إضافية إبان مفاوضت 2008-2009-2010 ليصبح 30 سنة فما فوق عوضا عن 25 بما يعني شمول هذا الإجراء للنزر القليل منهم قبل التقاعد و خاصة للأعوان النشيطين إذ أن سن تقاعدهم 55 سنة. 3) بيع الوهم لقد ورد بمحضر اتفاق 2008-2009-2010 تحت عنوان تطور الحياة المهنية قرار فتح آفاق التدرج في درجات الأقدمية (échelon) بإضافة 5 درجات على مستوى شبكة الأجور ليصبح عددها 25 عوضا عن 20. و في هذا الصدد لا يختلف اثنان أن أي عاقل لا يمكنه استساغة هذا الإجراء على الوجه الذي ورد به إذ أن العشرين درجة المعتمدة من قبل تستلزم 34 سنة كاملة لاستيفائها و بما أن الخمس درجات الجديدة تستوجب عامين (2) لكل واحدة منها فان بلوغ خامستها يتطلب 9 سنوات و بذلك فمن يتمتع بمجملها يجب أن يقضي حياة مهنية تقدر ب43 سنة على الأقل (34+9) و نستنتج بدون عناء أن العون غير النشيط يجب أن يبدأ حياته المهنية في سن 17 سنة على أقصى تقدير (60-43) و العون النشيط لا بد له أن يبدأ حياته المهنية في سن 12 سنة (55-43) فهل هذا مقبول أو معقول؟ ! و بمعنى أدق فهل هذا مكسب إذا لم يشفع هذا الإجراء بمراجعة مدة السلم بأكمله و على وجه السرعة تفاديا لظلم الجيل الحالي و جيل المستقبل على حد السواء؟ 4) غياب الشفافية يتساءل الحديديون عما وقع في إطار اتفاق 2008-2009-2010 بشأن تخصيص مبلغ "مبهم" بمقدار 16250 دينارا لتعديل "بعض عناصر التأخير" دون التنصيص عليها أو على نوعيتها سيما و أن هذا المبلغ لم يقع التصرف فيه إبان التقسيم الأول لفائدة الأعوان. فمهما صدقت النوايا و في غياب ذكر الأسباب فان تمشيا كهذا يترك الباب على مصراعيه لشتى التأويلات. 5) الالتزام الخاطئ لقد ورد بمحضري اتفاقي زيادة الأجور لفترتي 2005/2007 و 2008/2010 التزام الطرف الاجتماعي بما يلي:"لا يمكن المطالبة بأية زيادة في الأجور كامل الفترة ...-المعنية-" و هذا التزام مقيد و مكبل للعمل النقابي إلى أبعد الحدود و خاصة صلب مؤسسة كالشركة الوطنية للسكك الحديدية التونسية بما أن عديد الأعوان و خاصة من السلك النشيط: أشغال السكة-المحطات و السلامة- الصيانة- السياقة – البنية التحتية... يتمتعون بمنح استرجاع مصاريف تخضع و ترتبط بسعر السوق و بقيت مبالغها زهيدة و مجمدة بهذه الذريعة و مست أيما مساس بمقدرتهم الشرائية. و في الأخير و بما أننا على مشارف مفاوضات اجتماعية قادمة فإننا نهيب بالأطراف المعنية عامة دراسة كل إجراء و تدبر كل قرار بروية و أمانة لمراعاة و الوفاء للكادحين بالفكر و الساعد في المقام الأول و الذين انتخبوا و أدلوا بأصواتهم لممثليهم آملين أن لا يتنازلوا و ينحازوا لحقوقهم المشروعة بكل جرأة فالموالاة و الولاء لغير الشغالين "تخلي عن المسؤولية" و لا تؤسس إلا لتشتيت الصفوف إن طال الدهر أو قصر. علاوة على كل ما تقدم فان الانطباع العام و الإحساس لدى الأعوان بالقطاع يوحي بامتعاضهم من تقصير الطرف الاجتماعي و حتى الإداري في الدفاع عن حقوقهم و الابتعاد عن مشاغلهم الحقيقية من ذلك التأخر المتراكم من سنة إلى أخرى لجداول الترقية و التدرج إضافة إلى مصادرة لا مبرر لها لمستحقاتهم المالية المترتبة عن القرار الجزافي خارج الإطار القانوني في ما يخص احتساب المفعول الرجعي للانتفاع بمستحقاتهم و هو ما يمثل هاجسا لدى الجميع أعوانا و إطارات و ملفا هاما يجب حسمه في أقرب الآجال. مجموعة 13 أفريل