مبعوثنا الخاص/ شادي الورداني انقضى اليوم الثاني من مهرجان أبو ظبي السينمائي في دورته الخامسة بنسق بطيء في انتظار قدوم النجوم المعلن عنهم، فهم فاكهة المهرجان وحافز الصحافيين للتسابق لمحاورتهم، وقد مثل بعد "فندق فيرمونت باب البحر" مقر المهرجان عن مقر إقامة الصحافيين (مسافة تتطلب نصف ساعة في الميكروباصات المخصصة للصحافيين) هاجسا حقيقيا لكثير من زملائنا الذين ألفوا المهرجان في سنواته الأولى بقرب مقره(قصر الإمارات) إلى مختلف قاعات العروض(مارينا مول،مسرح أبو ظبي) في ظل طقس حار ورطب غريب عن طقسنا المتوسطي اللذيذ *النكهة العربية.... عرض فيلم"موت للبيع" المغربي فوزي بن سعيدي الذي يقوم أيضا بالتمثيل في الشريط الذي سبق عرضه في مهرجان تورنتو(كندا) قبل أسابيع قليلة، والفيلم إنتاج مغربي فرنسي بلجيكي فضلا عن تمتعه بمنحة صندوق سند التابع لهيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، تدور قصة الفيلم حول ثلاثة أصدقاء "علال" ومالك وسفيان يسعون للخروج من دائرة الفقر عبر سرقة محل للمجوهرات لرجل إسباني مقيم في تطوان شمال المغرب ، مالك يقع في حب فتاة ليل من الوهلة الأولى(اسمها دنيا وهي مثل الدنيا تماما في تعففها الزائف) ويسعى لانتشالها من القاع، "علال" يريد أن يكبر في تجارة المخدرات أما سفيان فيريد التقرب إلى الله بقتل العجوز الإسباني صاحب محل المجوهرات(هكذا أقنعه فقهاء ديننا اليوم) تتدخل الشرطة بوشاية من مالك نفسه باتفاق مسبق مع رجل البوليس"درباز"(يقوم بالدور المخرج نفسه) حتى يمكنه من بداية حياة جديدة مع حبيبته دنيا ....ينكث درباز بوعده ولكن مالك يتمكن من الإفلات بالغنيمة ويلتحق بدنيا في محطة القطار ليتجها إلى مراكشالمدينة الكبيرة حيث يمسح الماضي وسط الزحام ، ولكن دنيا كانت لها كلمتها المغايرة لأحلام مالك الرومانسية. يمتد الفيلم قرابة الساعتين بأسلوب إخراجي حركي متميز حيث تصبح الكاميرا جزءا من الأحداث وتحدد الزوايا حسب وضعيات الشخصيات في صعودها ونزولها من أعلى السطح إلى حفرة في أعماق الأرض... وقد كان لافتا حضور جالية مغربية تفاعلت مع الفيلم ضحكا وتصفيقا تحت أنظار لجنة التحكيم التي يتقدمها السوري نبيل المالح وكانت إلى جانبه ليلى علوي... فيلم ثان لفت الأنظار في اليوم الثاني للمهرجان عرض ضمن مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة والحقيقة أن الفيلم يتكون من ثلاثة أجزاء الأول بعنوان"التحرير 2011" للمخرج تامر عزت والثاني "الطيب" للسينمائية الشابة"أيتن أمين"والثالث"السياسي" بإمضاء عمرو سلامة وعنوان الفيلم مستوحى من الفيلم الإيطالي"الطيب والشرس والقبيح"من إخراج سرجيو ليوني"وحافظ الفيلم على "الطيب" وهو المواطن المصري الذي نزل إلى ميدان التحرير في 25 جانفي من خلال نماذج متنوعة، أما الشرس فهو رجل الأمن الذي وجد نفسه بين سندان واجبه المهني الثقيل ومطرقة الأخلاق الثورية، أما القبيح الإيطالي فبات سياسيا مصريا والمقصود به رأس النظام المصري حسني مبارك من خلال شهادات مصطفى الفقي مستشاره السابق وأحمد عكاشة أستاذ التحليل النفسي ومحمد البرادعي- مرشح الرئاسة المحتمل- ووجدي الحكيم- صديق عبد الحليم حافظ- ومصور الرئيس والروائي علاء الأسواني صاحب "عمارة يعقوبيان". والفيلم ثلاثي الأجزاء يقدم قراءة للثورة المصرية تنضاف إلى سلسلة الأفلام التي قدمت في مهرجان "كان" بعنوان"18 يوم" التي ستعرض أيضا في هذه الدورة من مهرجان أبو ظبي (عشرة أفلام قصيرة بإمضاء عدد من المخرجين من أبرزهم شريف عرفة وكاملة أبو ذكرى ويسري نصرالله ومروان حامد وأحمد عبد الله ومريم أبو عوف ...) وقد قوبل الفيلم بحرارة خاصة امام الغزو المصري لقاعة العرض"فوكس8" بمجمع مارينا مول ....ونحن نشاهد هذا الفيلم تذكرنا ثورتنا التونسية التي تعثرت في "نسمة" حسبما بلغتنا آخر الأخبار وتأكيد وسائل الإعلام التونسية قبل الدولية على تصدي الشرطة للمتظاهرين- بعد أدائهم لصلاة الجمعة بطبيعة الحال حتى يربحوا الدارين الدنيا والآخرة- بالقنابل المسيلة للدموع، وسألنا أنفسنا لماذا لم تظهر أفلام سينمائيينا بعد"لاخوف بعد اليوم" الذي وثق لحظات مهمة من ثورة شباب تونس وإن أخطأ العنوان في تحديد "الثوار" بين الأصليين والمتنكرين القافزين من مركب يغرق إلى مركب فرسان المرحلة الجديدة ، فأين أفلام نجيب بلقاضي وإلياس بكار ؟وأين ما صوره محمد الزرن عن الثورة أو تراه مازال في الحي اللاتيني بباريس يكتب فيلم البوعزيزي الذي كلفه به طارق بن عمار في لحظة ثورية لا تتكرر؟ ومادمنا لا نكل من نقد أنفسنا قبل أن ينقدنا الآخرون، كان جليا هيمنة المصريين على الحضور العربي في مهرجان أبو ظبي، أما الحضور التونسي فهو محدود ...فالحديث عن مصر وثورة مصر وشهداء مصر وعظمة مصر... وكان لزاما علينا التدخل ما تيسر للتذكير بأن الذين ماتوا في بوزيان والقصرين وتالة والوردانين وقفصة هم بشر أيضا وأن هؤلاء هم الذين ألهموا شباب النيل ليزيحوا "مبارك"... ولكن ماذا عسانا نفعل؟ فالعين بصيرة واليد قصيرة وأبناء بلدي منشغلون بالتظاهر ضد فيلم أقسم بالله العظيم أن جلهم لم يشاهدوه وإلا كانت "نسمة" تستحوذ على عيون 10 ملايين تونسي ...مرة أخرى ليس صدفة أننا تونسيون بامتياز...