تعتبر محكمة ناحية تونس أكبر و أهم محكمة ناحية بالجمهورية حيث يبلغ عدد قضاتها المباشرين بها 16 قاضيا و تضم مكاتبها ما يزيد عن 80 موظفا ، كما تنظر هيئتها في قضايا تعد بالآلاف . و رغم هذه الأهمية المؤكدة و الموصوفة فان المؤسسة تعيش حالة غريبة من التناسي و التهميش ... فقد أجبر العاملون بها على الترحال من بناية الى أخرى حتى حط بها الرحال في بناية دار التجمع الدستوري الديمقراطي القديمة بشارع 9 أفريل بالعاصمة حيث حشر فريق محكمة الناحية في مكاتب الطابق الرابع في بناية تفتقر الى مصعد كهربائي و تضم طوابقها إدرات تابعة لوزارات أخرى لا علاقة لها بمجتمع القوانين و بالعدالة بل إن البناية أصبحت شبيهة بمأوى اللاجئين ! فشرطة الأبحاث الإقتصادية و فرقة وقاية الأحداث و فرقة حماية الأخلاق و إدارة التراتيب البلدية و إدارة حفظ الصحة و المركز الثقافي بمدينة تونس و مركز التدريب على الرقص و المعهد العربي للمسرح إضافة الى قاعة أفراح تتواجد كلها بالبناية ... إنها موزاييك دار الحزب القديمة في عهد ما بعد الثورة ! و من غرائب معاناة هذه المحكمة هو وجود جزء هام من أرشيفها (قضايا بمختلف أنواعها و حجج وفاة و أوامر بالدفع...) في مكان بعيد عن مقرها و تحديدا بنهج سليمان بباب الخضراء و ذلك نظرا لضيق مكاتبها و هو ما يحتم البطء في اسداء بعض الخدمات للمواطنين أو المحامين و هي وضعية كثيرا ما كانت مصدر ازعاج بين المحامين و المتقاضين و بين المواطنين و موظفي المحكمة الذين يكونون في حاجة ماسة لبعض الملفات و الوثائق. و ما يتعارف عليه أن المؤسسة العدلية تكون دائما محروسة من طرف رجال الأمن إلا أن محكمة الناحية غير مؤمنة و مفتوحة للعموم و تسودها فوضى عارمة و هو ما يتسبب في عدم توفر الظروف الملائمة للعمل. كما يلاحظ أن بنايتها قديمة و غير مهيأة لإحتواء محكمة فمكاتبها صغيرة و ضيقة إضافة الا أن هذه المكاتب تكون مشتركة بين عدة أطراف إضافة الى ضيق ممراتها التي لا تتسع لمرور شخصين في آن واحد ،و لا تعرف الشمس و الهواء و تقطر عند نزول الأمطار و يعاني مرتادوها من برودتها في الشتاء و حرارتها في الصيف خاصة مع انعدام أجهزة التكييف في أغلب مصالحها . و ما يثير الإستغراب أن هذه المحكمة العريقة لا توجد بها قاعات جلسات و هو ما يضطر قضاتها و موظفيها الى عقد جلساتهم بقصر العدالة بمعدل 4 جلسات يوميا في الأسبوع مع ما يعنيه ذلك من حمل مئات الملفات نزولا و صعودا بالمدرج لنقلها الى قصر العدالة ثم ارجاعها بعد انتهاء الجلسات و هي مشقة كبيرة خاصة أمام ال 90 درجة التي تؤلف مدرج المحكمة. و المواطنون بدورهم عرضة للمعاناة إذ تفتقر محكمة الناحية الى قاعة انتظار مهيئة فإضافة الى ضيقها و عدم توفر كراسي الجلوس فهي تحتوي على عدد كبير من الملفات. هذه وضعية محكمة الناحية و هي بالتأكيد شبيهة بعديد المؤسسات الأخرى في تونس ... و لكن هل يمكن أن تجد حكوماتنا القادمة الحلّ لها و لمثيلاتها؟