طوابير من المواطنين ينتظرون بكل صبر و انضباط دورهم لممارسة حقهم الانتخابي لأول مرة ... فئات عمرية مختلفة تنتظر بكل حماس الدخول إلى الخلوة و رسم علامة (×) في المكان المناسب. تلك هي الصورة المهيمنة على المشهد الانتخابي في منطقة حي الخضراء منذ الساعات الأولى لصباح هذا اليوم. أعوان الجيش و الأمن الوطنيين منتشرون هنا و هناك لتامين الغادي و الرائح و خاصة أمام مكاتب الانتخاب . في المدرسة الإعدادية "حي الخضراء" اصطف عدد هام من المواطنين أمام مكاتب الاقتراع متسائلين عن بعض التفاصيل لأداء العملية الانتخابية . ف "رجاء القروي" طالبة مرحلة ثالثة تطالب بكل إصرار بممارسة حقها الانتخابي "لا يوجد فرق بين ما نعيشه اليوم و ما عشناه في العهد السابق فكيف أحرم من حقي في الانتخاب ؟ اليوم أنا مطالبة بالعودة إلى مسقط راسي باجة للاقتراع و لكن بحكم دراستي لا يمكنني الذهاب و العودة ثم إن امكانياتي المادية لا تسمح" تصمت قليلا ثم تواصل حديثها بكل حسرة "صحيح أنني لم أسجل إراديا و يرجع ذلك إلى أنني لم افهم أولا العملية الانتخابية ثم إنني لم أقرر اختيار حزبي الذي أثق فيه لتمثيلي في مقاعد المجلس التأسيسي إلا مؤخرا" و لن تغادر رجاء المكان إلا بعد أن تجد حلا لمشكلتها و تتمكن كغيرها من المواطنين من أن تغمس السبابة في الحبر الأزرق. و غير بعيد عنها وقفت الآنسة "خولة الشويخي" تطالب بالدخول إلى احد المكاتب محتجة ومتسائلة حيث أنها مطالبة بالعودة إلى ولاية مدنين للإدلاء بصوتها بينما هي لا تستطيع مغادرة العاصمة بحكم دراستها " كيف يمكنني أن أعود إلى مدنين للانتخاب و العملية لا تتطلب إلا بعض الدقائق ؟ إن حقي في الانتخاب أمر مفروغ منه و لن أغادر المدرسة حتى تنظر الهيئة في امرنا. " نفس الشيء دعت إليه صديقتها الآنسة "عبير الحمروني" التي أوقفت رجل أمن و طلبت منه التدخل و المساعدة في محاولة منها لإيجاد حل "أطالب كغيري من الحاضرات و الحضور بحقي في الدخول إلى الخلوة و أنا مصرة على ذلك من اجل الدفاع عن حقي في ارتداء الخمار و اختيار من أراه المناسب لذلك حتى لا نعود إلى معاملات الفترة السابقة ." بقي الجدال قائما حول هذا الحل أو ذاك بينما ركز جانب آخر من المواطنين أنظارهم داخل قاعات الانتخاب.السيد "شكري الفرشيشي" رئيس مكتب اقتراع عبر عن انبهاره بالتنظيم المحكم و الإقبال اللامتناهي " اليوم لاحظنا حضورا حماسيا للمواطنين من كل الفئات العمرية و الاجتماعية و قد سجلنا إلى حدود ساعات هذا الصباح تسجيل أكثر من 2000 شخص يرغبون في الانتخاب." يصمت قليلا ثم يواصل حديثه بابتسامة خفيفة فيقول : "واجهنا بعض الصعوبات و هي طبيعية بحكم أننا نمارس الانتخاب لأول مرة في تونس حيث أن المواطن قام في آخر لحظة بعملية التسجيل و النتيجة موجودة بباحة المدرسة فالجميع يريدون الدخول بينما القانون لا يسمح لهم بالانتخاب إلا في العناوين المسجلة في بطاقات التعريف الوطنية. شيء آخر مثل لنا صعوبة في المكاتب هو جهل بعض المواطنين للعملية الانتخابية رغم أن وسائل الإعلام بجميع أنواعها كانت قد شرحت هذه العملية في أكثر من مرة.". مراقب حركة النهضة السيد "خالد بن فالح" كان يجلس بمكتب آخر اعتبر أن الساعات الأولى للانتخاب عرفت تنظيما محكما ويقول : "نحن متواجدون هنا منذ السادسة و النصف صباحا و تم فتح المكاتب في الموعد المحدد لها أي على الساعة السابعة . و ما لاحظته إلى حد الآن الشفافية الكاملة داخل كل المكاتب و لكن التجاوز الوحيد كان خارج هذه الأسوار حيث أن فتاة اعترضت بعض العجائز و كتبت على أيديهن "التكتل" و طالبتهن بوضع العلامة أمام الاسم الذي يشبه ما كتب في أيديهن". سيدة عجوز أكدت الخبر إذ أن فتاة شابة اعترضتها غير بعيد عن المدرسة الإعدادية مع جارتيها و طلبت منهن انتخاب التكتل و كتبت لهن الاسم على ايديهن. الصحافة الأجنبية كان لها حضور بارز في المكان و من ليبيا لاحظ "وسام سالم رمضان" مقدم برامج بقناة ليبيا الفضائية أن عملية الاقتراع كانت منظمة "اليوم غابت الفوضى و هذا مهم جدا رغم وجود بعض السلبيات إذ أن هناك من الحضور من لا يعرف مكان اقتراعه و ربما ذلك يعود إلى ضيق الوقت و ممارسة الانتخابات لأول مرة و لكن عموما المشهد يبشر بكل خير". انتقالنا إلى مكان آخر لم يغير الصورة فنفس الصفوف و نفس الحماس و نفس الانتصاب الأمني . مدرسة " 2 مارس" بحي الخضراء تعج بالمواطنين حتى انك لا تجد أين تقف و ترى المسن صاحب ال95 سنة و ترى المعوق و ترى المريض الذي يحمل معه كيس دوائه ورغم الألم و التعب لم يتخلف عن الإدلاء برأيه في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي . "عبد السلام الزبيدي" صحفي بجريدة الأنوار لاحظ أن التنظيم محكم عموما رغم وجود بعض الإشكاليات الفرعية إذ كان من المفروض تعليق قائمة المسجلين أمام مكاتب الاقتراع حتى لا يضطر العون داخل المكتب إلى البحث في كل مرة عن رقم التسجيل .أمر آخر تمثل في إقبال عدد هام من المواطنين على الاقتراع دون التسجيل المسبق خاصة بعد الإحصائيات الفايسبوكية التي طالعتنا حول نتائج الانتخابات بالخارج .أما امنيا فالأجواء ممتاز ة جدا حتى أن عددا من الأعوان تواجدوا بهذه المدرسة منذ ليلة البارحة.