سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"الباجي قائد السبسي":التيار الديني في تونس صقلته التجربة والأحداث وقياداته تتمتع بالمرونة المطلوبة التي جعلته يقيم الأمور بمنظور أوسع وأشمل وأفضل...الثورة التونسية غير قابلة للتصدير إلا أن رياح الحرية لا تحترم الحدود
أكد رئيس الحكومة التونسية المؤقتة السيد الباجي قائد السبسي ان تونس حصلت على «ضوء أخضر» من صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد لتعزيز علاقات التعاون المثمر بين الجانبين. وجاء ذلك في حديث خاص لصحيفة «الأنباء» الكويتية. وقال السبسي ان الكويت من الدول التي ساندت تونس باستمرار و«من الاعتراف بالجميل قول ذلك»، مؤكدا حصوله من صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد خلال زيارته الأخيرة للكويت على الضوء الأخضر لكل ما من شأنه تعزيز التعاون الثنائي في جميع المجالات، لاسيما الاقتصادي. وحول جولته في منطقة الخليج التي شملت دول قطر والإمارات والكويت اعتبر ان مواقف الدول الخليجية المعنية «عظيمة» تجاه الثورة التونسية وان بلاده تعودت رد التحية بأحسن منها، مجددا التأكيد على ان الجولة الخليجية كانت رسالة شكر على هذه المواقف المبدئية الداعمة لبلاده. وأكد في هذا السياق ان علاقات تونس بدول الخليج علاقات قائمة على التعاون، مشيرا الى ان الكويت سباقة في هذا المجال منذ الاستقلال. وذكر ان تونس التي رشحت الكويت للأمم المتحدة بعد الاستقلال عام 1961، الأمر الذي نتج عنه قطع العلاقات مع العراق استنادا الى موقف مبدئي تجاه مختلف القضايا العادلة. واستذكر في المقابل مساعي صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الحميدة ومواقفه الديبلوماسية المتعددة، لاسيما ما يتصل بعلاقات تونس مع النظام الليبي السابق، قائلا ان العلاقات مع نظام القذافي معروفة، فكثيرا ما تدخلت الكويت لتهدئة أجواء التوتر آنذاك. وأكد ان صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد أدى دورا ايجابيا بتعليمات وتوجيهات من سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد بعدم «ترك تونس وحدها» والالتزام بمساندتها في قضاياها مع دول الجوار العربي. وأعرب عن الأمل في تعزيز العلاقات التونسية الخليجية وبخاصة الكويتية الى آفاق أرحب قوامها الشراكة والتعاون. وفي الشأن الإقليمي مع دول الجوار العربي أكد السبسي ان العلاقة مع ليبيا «حميمة» وان الشعب الليبي من حيث النسيج الاجتماعي لا يختلف كثيرا عن الشعب التونسي. وتطرق الى الأحداث الاخيرة التي شهدتها الجارة ليبيا ودخول أكثر من 1.3 مليون ليبي الى الأراضي التونسية. مؤكدا ان معظمهم فضل البقاء في تونس بين أهله والبعض الآخر توجه الى بلدان أخرى. كما أكد وحدة المصير والمستقبل المشترك مع الدولة الجارة، قائلا ان تونس لا تنسى مساندة الليبيين في فترات سابقة من التاريخ. وقال ان هناك اتفاقا كاملا مع القيادة الليبية حول الظروف القائمة وان بلاده لا تطمع الا بعودة الأمن والاستقرار الى ليبيا لأن أمن تونس مرتبط بأمن ليبيا، معربا عن اليقين بقدرة الليبيين على تحقيق استقرار الأوضاع هناك واستعادة المؤسسات لنشاطها ونسق عملها. وفي رده على سؤال بشأن تسليم رئيس الحكومة الليبية السابق البغدادي المحمودي المحتجز في تونس أوضح ان هناك قضاء عادلا ومستقلا ينظر في الوقت الحاضر في القضية وهو الفيصل في مثل هذه الأحداث. ونفى في المقابل ان تكون هناك دعوات دولية او إقليمية لتونس بتسليم مسؤولين ليبيين سابقين باستثناء الطلب الرسمي الليبي، مؤكدا ان هذه القضايا تبحث وتحل بحسب الأعراف القانونية المطبقة والمتعارف عليها. وعن علاقات الجوار قال ان تونس بلد صغير يحرص على علاقات التعاون مع الجميع وهذا البلد لا يملك طموحات إقليمية بتسيير الآخرين او اتخاذ موقف زعامة. وأوضح السبسي بالقول «رغم ريادة التغيير ضمن الربيع العربي فالثورة التونسية غير قابلة للتصدير إلا ان رياح الحرية لا تحترم الحدود». وجدد التأكيد على ان تونس دولة حريصة على إقامة علاقات طيبة مع الجميع فلكل بلد «أوتاره وأموره ونحن لا نعطي الدروس لأي احد»، مضيفا ان «أيا منا لا يملك الوضعية اللازمة لإعطاء الدروس». وشدد على ان الدرس الحقيقي هو ان يقوم كل واحد منا بواجبه داخل وطنه والسعي للاستجابة الى طموحات شعبه وتحقيق آماله وهذا عمل صعب يتطلب كامل الجهد والوقت. وحول العلاقات مع مصر أكد انها علاقات طيبة «نحن مدينون لأم الدنيا بكثير الأشياء لكن ظروف الشقيق المصري أصعب بكثير لذلك فإن الحلول المطروحة تختلف بين تونس ومصر». واعتبر السبسي في هذا الصدد ان التحديات على الجانب المصري كبيرة وتمنى لهم النجاح في مواجهتها. وفي الشأن الاقتصادي أكد رئيس الحكومة التونسية ان برنامج تحرير الدينار التونسي أمر ملح لتحقيق انفتاح اقتصادي، مشيرا الى ارتباط ذلك بتعزيز التعاون الاقتصادي مع دول المشرق العربي. وأعرب عن الاعتقاد ان العلاقات التجارية مع دول الخليج لو كانت أقوى لتم تحرير الدينار منذ فترة سابقة، مستدركا بالقول ان الوضع الاقتصادي التونسي لم يكن يسمح بذلك. وعلى الصعيد الوطني قال السبسي ان أي تيار سياسي سيحكم تونس لابد أن يأخذ بعين الاعتبار الانفتاح على بقية العالم وأن مصير البلاد مرتبط بدرجة انفتاحها على الآخرين، لاسيما في المجال الاقتصادي والاستثماري. وأضاف ان الانغلاق يخنق أي إنسان لذا فإن تونس في محيط إستراتيجي يجعلها لا تعيش دون انفتاح على الآخرين. وأوضح ان تونس بلد صغير يتمتع بإمكانيات وموارد محدودة رغم تنوعها لذلك فالانفتاح الاقتصادي رهانها المقبل، لاسيما ما يتصل بتنقل الأشخاص ورؤوس الأموال وحق التملك وغيرها من الأمور. وأعرب عن الاعتقاد ان أي حكومة جديدة ستعتمد برنامج التنمية الاقتصادية المقترح والمطروح حاليا للسنوات ال 5 المقبلة. واضاف ان هذا البرنامج الحكومي يرتبط بالاستثمار الخارجي الذي يتطلب ضمانات معقولة لقدومه، معتبرا ان البرنامج التنموي دون هذا الاستثمار لا يمكن تحقيق جزء كبير منه. وحول مستقبل تونس قال ان مكتسبات المجتمع التونسي خلال السنوات ال 50 الماضية لا يمكن الرجوع عنها «فالحكومة الجديدة يمكن لها ان تسير على ذات التوجهات الوطنية وان اختلف تسارع الخطى اما الرجوع للوراء فمستحيل». واكد ان هناك اتفاقا مبدئيا بين القوى السياسية مجتمعة بما فيها حركة النهضة على ان «تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة، العربية لغتها، والإسلام دينها والجمهورية نظامها، وهذا مبدأ ثابت لا رجوع فيه لا بالزيادة ولا بالنقصان». وقال ان القوى السياسية الحالية تدرك المهم والأهم، مضيفا ان بلاده تسير في مرحلة الأهم بنجاح لأن الشعب التونسي متفطن لدوره وخير دليل ما شهدته الانتخابات من نسب مشاركة وإقبال جماهيري غير مسبوق في الحياة السياسية التونسية. واعتبر ان ذلك دليل إضافي يثبت ان المجتمع متهيئ للديموقراطية وأن الجميع متفهم طبيعة المرحلة الحالية القائمة على التفاهم والتوافق بما فيهم التيار الجديد. وأوضح ان التيار الديني في تونس صقلته التجربة والأحداث وقياداته تتمتع بالمرونة المطلوبة التي جعلته يقيم الأمور بمنظور أوسع وأشمل وأفضل. واضاف ان التيار الإسلامي هنا «تونسي خالص» يملك القراءة القرآنية الصحيحة مع تمتعه بصفة الاجتهاد. وحول درجة انفتاح ومرونة القيادات الوسطى والصغرى في التيار الديني قال انها مرتبطة بدرجة الاستجابة الى طموحات هذا الجيل وآماله التي لم تتحقق لاسيما بين الشباب التونسي. وتطرق في هذا الصدد الى وجود 750 ألف عاطل عن العمل بينهم 250 ألفا من حاملي الشهادات العليا. وأكد السبسي في ختام حديثه بالقول «شئنا أو أبينا محكوم علينا أن ننتهج سياسة انفتاحية لتحقيق طموحات وتطلعات الإنسان التونسي». وقال ان الظروف هي التي تخلق الرجال لذا فإن جيل الاستقلال الذي ينتسب إليه السبسي يفهم ان العمل من أجل المصلحة العامة يستمر من المهد الى اللحد. وفي حديثه عن استعداده للمرحلة المقبلة في ظل الحاجة الى رموز سياسية في هذا التوقيت اكتفى بالقول ان وجوده في السلطة خلال الأيام المقبلة «غير وجوبي إلا مع ارتباطه بمصلحة البلاد».