عندما نسمع و نتحدث عن تغول الفساد و الرشوة و الاستبداد و المحسوبية في عهد الرئيس المخلوع نتألم و يصيبنا شعور بالإحباط و الانزعاج و الغضب في نفس الوقت. و نتساءل كيف انتظرنا كتونسيين و تونسيات كل هذا الوقت لنقف على حقائق مرة لا نكاد نصدقها لولا الأدلة و البراهين الدامغة التي تجعلنا مذهولين لهول وقعها على نفوسنا ! و سيكون وقع الصدمة اكبر عندما تتضح الحقائق و الفضائح الأخرى التي لم يأت عليها تقرير اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الفساد و الرشوة. هذا التقرير الذي أشار الى أن أكثر من 10 آلاف ملف فساد و رشوة اغفلت عدة جوانب اخرى من الفساد في قطاعات حيوية على غرار ملف الديوانة و الحاويات و التجارة الموازية و الأموال المهربة الى أوروبا و دول الخليج و غيرها الى جانب عدم التعمق في ملف الوكالة التونسية للاتصال الخارجي و مؤسسة التلفزة التونسية و البنوك و الخوصصة و الدبلوماسية التي كانت في أغلبها في خدمة الرئيس المخلوع و أقربائه و أصهاره و إتباعهم .التقرير لم يتعرض الا الى النزر القليل من ملفات و قضايا الفساد و الرشوة و الاستثراء غير المشروع . لقد نهب الفاسدون ما فوق الارض و ما تحتها و ما في البحر و ابتدعوا كل اشكال التحيل و الاستغلال الفاحش لمؤسسات الدولة من بنوك و مؤسسات و منشات عمومية و اراض فلاحية بصورة فاقت كل التصورات. عبث و فساد هؤلاء المجرمين فاق الاف المرات ما فعله فرعون و ما يحز في النفس ان اغلب هؤلاء مازالوا الى حد الان طلقاء يتنعمون بالحرية و يعيشون بيننا و يتمتعون و عائلاتهم و ابناؤهم بما نهبوه و لم شهد محاكمة علنية و فعلية لعصابات "اللصوص" و الفاسدين الذين من المفروض ان يكون مكانهم السجن الذي لا يرون فيه الشمس. وهذا لا يعني التشفي او الانتقام فنحن كشعب تونسي ننتمي الى هذا الوطن الذي انجب العظماء من العلماء و المفكرين الافذاذ و المصلحين و الزعماء و الابطال و الكفاءات العالية ننشد المساءلة و المحاسبة الشديدة لكل من اجرم في حق بلادنا و في حق شعبنا و شهدائه الابرار و في حق الفئات الفقيرة و في حق العاطلين عن العمل الذين قد يرتفع عددهم في الاشهر القليلة القادمة الى المليون عاطل .و الحقيقة الثابتة ان التونسيين و التونسيات لن يهدا لهم بال و لن يقر لهم حال و لن تكون لهم ثقة في المستقبل الافضل الا متى تم تسريع نسق تفكيك منظومة الفساد و الرشوة و الاستبداد و التعجيل بمحاكمة عادلة للفاعلين و المتورطين في هذه المنظومة التي لم يعد يساورنا شك في انها لا تقتصر على الرئيس المخلوع و افراد عائلته و اصهاره و رموز النظام السابق من وزراء و محامين و اعلاميين و رؤساء مؤسسات و منشات عمومية و بعض رجال الاعمال و اصحاب رؤوس الاموال و المنظمات الوطنية و الاحزاب و الجمعيات الوطنية بكافة اصنافها بل هي امتداد اخطبوطي عميق يهم الالاف من الاشخاص الاتباع للرئيس المخلوع و اصهاره بالخصوص الذين نأمل ان يتم الكشف عنهم و محاسبتهم و هذه المسؤولية تلقى على عاتق المسؤولين في الهيئة الجديدة للجنة الدائمة لمقاومة الفساد و كذلك لقضاتنا الذين يتحملون مسؤولية وطنية تاريخية في تفكيك منظومة الفساد المزعجة .اذ انه دون ذلك لا يمكن الحديث عن الانتقال الديمقراطي و لا عن الاصلاح السياسي و لا عن المستقبل و لا يمكن اعتقادنا في نجاح ثورة الحرية و الكرامة و تحقيق اهدافها الاساسية و ابرزها القطع نهائيا مع الماضي و محاربة الفساد بكل اشكاله و محاسبة الذين امعنوا في استنزاف بلدنا و مقدراته و امكانياته و نهب ثرواته و امواله.