*طنجة - مبعوثنا الخاص/شادي الورداني لم يكن يوم الأربعاء عاديا في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة المغربية، فقد عرض اثنان من أهم أفلام هذه الدورة التي تقدم مجمل الأفلام المغربية التي أنجزت خلال السنة المنقضية، حيث غصت قاعة سينما روكسي بجمهور متيقظ من أهل المهنة ومن أبناء مدينة طنجة جاء لمشاهدة فيلمين يقدمان جانبا من ثقافة أبناء المغرب العربي الذين ضحوا بأنفسهم من أجل إنقاذ أبناء عمومتهم اليهود إبان الاحتلال النازي لباريس مطلع الأربعينات من القرن الماضي . ويلتقي الفيلم القصير"معا" لمحمد فكران مع"الأحرار"لإسماعيل فروخي في زمن الأحداث ومكانها، باريس سنة 1942 والحملة النازية على اليهود الذين لجأ كثير منهم إلى مسجد باريس (يعود تاريخ تشييده إلى سنة 1921) حيث يجدون الأمان من المسلمين من جزائريين ومغاربة وتونسيين والحماية من إمام الجامع ومؤسسه الجزائري قدور بن غبريت. يقدم مخرج الفيلم المغربي والحامل للجنسية الفرنسية إسماعيل فروخي الشاب يونس(قام بالدور الجزائري طاهر رحيم بطل فيلم الذهب الأسود للمنتج طارق بن عمار) ، جزائري هاجر إلى فرنسا سنة 1939 للعمل بأحد مصانعها ولكن إندلاع الحرب العالمية الثانية ألقى به في متاهة البطالة فلجأ إلى تجارة السوق السوداء الرخيصة ببيع السجائر للمهاجرين ...تعتقله سلطات "فيشي" الموالية للألمان وتحاول عقد صفقة معه بتكليفه بالتجسس على مسجد باريس الذي تشتبه الشرطة في تورط إمامه سي قدور بن غبريت (قام بالدور بمهارة عالية الممثل الفرنسي مايكل لونسدال) في إصدار وثائق مزورة لليهود وعناصر المقاومة الفرنسية .وفي المسجد يقع يونس في حب "ليلى"الشيوعية التي تعدم لاحقا وعلى المطرب اليهودي الجزائري سليم(سيمون) الهلالي (قام بالدور الفلسطيني محمود شلبي) ورغم المخاطر يضع يونس حدا لتعاونه مع البوليس الفرنسي ويتحول إلى صفوف المناضلين من أجل الحرية حتى تحرير فرنسا... أما سليم الهلالي فمنحه إمام مسجد باريس شهادة تثبت إسلامه مع أوراق ثبوتية تؤكد أنه مسلم أباً عن جد، وأعطاه اسم أبيه ثم كتب على قبر مهجور في المقابر الإسلامية هذا الاسم كي يضلل الألمان ما رفع عنه الملاحقات .. .وأدخله السيد قدور مقهى المسجد آنذاك و كان يحيي بعض السهرات مع فنانين كبار من أمثال "علي السريتي" عازف العود التونسي الشهير. وقد فاز إسماعيل فروخي عن فيلم « أحرار» بجائزة أفضل مخرج عربي في الدورة الأخيرة لمهرجان أبو ظبي السينمائي، ولكن الغريب أن فروخي تعرض لمصاعب كبيرة لتصوير الفيلم حتى أن إمام جامع باريس رفض أن يصوّر داخل الجامع لأسباب سياسية كما يعتقد المخرج. وصرح إسماعيل فروخي: "لا أخفي أنني تعبت كثيراً، وكدت أن أوقف الفيلم. ولكن الحمد لله ذهبنا إلى المغرب وبنينا ديكوراً مشابهاً لجامع باريس. قبل أن أعثر على الديكور، كنت أشعر بأنني وحيد، لأن المنتج قد يساعدني، لكنه لن يحارب من أجلي عندما تكون الأمور مستحيلة. لكن هذا كله لم يكن كارثياً، وفي النهاية أبصر الفيلم النور". وقد اعتمد المخرج على مؤرخين للعودة إلى تلك الحقبة من تاريخ فرنسا والتركيز على باريس العربية ، الأول هو بينجامان ستورا، المختص في تاريخ المغرب العربي والثاني هو باسكال لوبوترومان الذي يشتغل منذ عشر سنوات على واقع الإسلام في فرنسا، واشترك معه الفرنسي آلان ميشال بلان في كتابة السيناريو.وعن الهدف من فيلم"الأحرار" يقول إسماعيل فروخي" لا أريد أن أغيّر الصورة الخاطئة. كل ما أريده هو أن أبيّن الصورة الحقيقية. أرغب في أن يتعرف الغرب إلى الجانب الحقيقي من العرب، وأنهم ليسوا إرهابيين. أرغب في أن يضعوا الأفكار المسبقة جانباً، وينظروا بعين العقل إلى تلك الحقبة حين حمى المسلمون يهوداً من أيدي النازية". ولعل السؤال متى يرفع الحظر عن التناول الدرامي سينما وتلفزة لتاريخنا ؟ فقبل سنوات أحبط مشروع تلفزيوني للكاتب حسنين بن عمو أيام كان فتحي الهويدي الرجل الأول في التلفزيون وطلب منه تفادي أي إشارة إلى اليهود وكأنهم لم يكونوا يوما بيننا ومن أبناء البلد مثلنا مثلهم ، كما أن السيناريست رضا قحام أعد مسلسلا عن "خير الدين باشا" ظل طي النسيان ...طبعا لا يمكننا أن نتحدث عن "برق الليل" لعلي العبيدي لأنه لم يعرض أصلا للجمهور التونسي عدا عرض يتيم في إحدى دورات أيام قرطاج السينمائية ... ماذا ينتظر صناع الصورة عندنا في هضبة الهيلتون وشطرانة ورادس وعند "كاكتوس" سامي الفهري (بعد الثورة بطبيعة الحال لأن أولوياتها في الماضي كانت برامج التسلية والألعاب المدرة للأموال ببركة سيدي بلحسن) وفي وزارة الثقافة لتتحرك ماكينة الإنتاج بفكر جديد يليق بشعب أجبر المحتل على الانسحاب والطاغية على الفرار عند الغروب ؟