* ما يحدث بين اتحاد الشغل والحكومة خطير * لابدّ من اعتماد التشريع الاسلامي مصدرا أساسيا لصياغة الدستور * مسألة ختان البنات تهريج من حين الى آخر ووسط التجاذبات والاعتصامات والمظاهرات ووقفات الاحتجاج المتعاقبة منذ الثورة تتردد انباء ببلادنا عن وجود مجموعات سلفية تنظم صفوفها وتتدرب حتى على السلاح استعدادا لاقامة ما يسمى ب «الامارة الاسلامية". واذا كان تواجد مثل هذه المجموعات في ما سمي ب «إمارة سجنان» قد أسال الكثير من الحبر فإن الحدث الأبرز الذي لفت الانتباه الى خطورة هذه المجموعات هو المواجهة المسلحة التي عرفتها منطقة بئر علي بن خليفة والتي انتهت بمقتل جهاديين اثنين من السلفيين وايقاف الثالث. أما الاتهام الأخطر والرسمي الذي وجه للجماعة فقد جاء على لسان رئيس الجمهورية في حديث مع قناة L.B.C قال فيه إن إلغاء حالة الطوارئ الجاري بها العمل في تونس منذ قيام الثورة سيتم في أقرب وقت ممكن بعد الانتهاء من الخطر السلفي الذي يعتبر اليوم الخطر الحقيقي في البلاد. فكيف ينظر «حزب التحرير» لجماعات السلفيين؟ وما رأيه في مثل هذا الاتهام؟ وماذا يقول عن المشهد السياسي بالبلاد؟ وما برنامج عمله لو تم الاعتراف به؟ وهل له موقف من سياسة تونس الخارجية؟ وبما يردّ على اتهامه باللجوء الى العنف لتحقيق برامجه؟ وماذا عن علاقته بحركة «النهضة»؟ وبأي عين ينظر الى زيارات الدعاة الى تونس؟ وما موقفه من أزمة النقاب بالجامعة؟ وهل له موقف من المواجهة بين السلطة الحالية واتحاد الشغل؟ للاجابة عن هذه الأسئلة وغيرها كان ل «التونسية» الحوار التالي مع الأمين العام لحزب التحرير والناطق الرسمي باسمه رضا بلحاج. * ما رأيكم في المشهد السياسي بالبلاد؟ هو وضع ما بعد الثورة، هناك أخذ وردّ وهناك طرح لعديد القضايا الساخنة والحساسة منها ما يقع تضخيمه ومتابعته ومنها ما يتم غض الطرف عنه من قبل الاعلام أو من قبل السلطة والقائمين على المجلس الوطني التأسيسي. ومن نقاط المؤاخذة في عملية تسيير دواليب الدولة، الافتقاد لمنهجية ثورية ولتغيير حقيقي في الرؤى السياسية بما يتماشى ومستلزمات المرحلة الجديدة، إذ أن امكانية الانفتاح على البلدان العربية والاتحاد معها متاحة ولكن السلطة اليوم تتهافت على الاستحقاقات الدولية من قروض وتمويلات واستحثاث على الاستثمار الأجنبي بما يعنيه ذلك من «ارتماء في أحضان العدو". * لو تحدّثنا عن برنامج «حزب التحرير» وأنشطته؟ إن «حزب التحرير» حزب فاعل ويتبلور نشاطه من خلال مشاركته الفعالة في ثورة سوريا عن طريق توجيهات القيادات الموجودة على عين المكان، أما بالنسبة للتحركات داخل البلاد فتبرز من خلال الوجود الفعلي في الميدان وتبني نظام اقتصادي وسياسي وطرح بدائل تشريعية وفكرية وإجرائية كخطوات تؤسس للوصول للتنفيذ الحقيقي. * ما هو مخطّط «حزب التحرير» في صورة التوصّل إلى الممارسة الفعلية للعمل السياسي؟ يسعى «حزب التحرير» لإرساء الحكم عن طريق الخلافة على منهاج النبوّة.واستنادا إلى القرآن والسنّة مع دوام التطبيق والحكم بالشورى وتوضيح علاقة الحكم بالقضاء والمحافظة على التنوع الحزبي وتعدّده وخاصة تحقيق وحدة الأمة الإسلامية بضم البلدان العربية تحت لواء البلد الواحد بلا تمييز على أيّ أساس مهما كان وذلك لتحقيق مشروع تعايش سلمي بين مختلف المذاهب والأديان والأطياف. * ما موقفكم من سياسة الحكومة الخارجية؟ يجب الحذر من إملاءات بعض دول الخليج العربي خاصة بعد وضعية البلاد الجديدة بعد الثورة إذ أن الخطاب الصادر عن الحكام يجب أن يكون ثوريا وجريئا ويجب تبنّي مواقف «صلبة» لا الاكتفاء بردود الأفعال، فالانصياع لأجندات الدول الكبرى ولمآربها من أجل غايات مرتبطة بظروف مؤقتة يجعل من المشرفين على السلطة يتحرّجون حتى من طلب استرجاع المخلوع ومحاسبته وهو ما سينجرّ عنه فشل ذريع لهذه السياسة. * هل أن الحكومة تحاول عرقلة مسار تحرير الإعلام واحتواءه حسب ما يتناسب ومصالحها؟ صحيح أنّ هناك توظيفات لمواد إعلامية غريبة، إلاّ أن عدم رضا وسائل الإعلام بوصول «النهضة» إلى سدّة الحكم واضح من خلال ما يُقدّم من برامج وكتابات، حيث أن هناك من القضايا ما تتم المبالغة فيه بإثارة البلبلة والاستخفاف بعقول الناس كبثّ وتضخيم ما أتى به أحد الدعاة الإسلاميين بخصوص ختان البنات. * ما ردّكم على الاتهامات الموجهة لحزب التحرير في ما يتعلق باستعمال العنف؟ اليسار يستعمل العنف والغرب كذلك تكريسا لنظرية الفوضى الخلاقة ولكن بالنسبة لحزب التحرير فإننا ندين العنف ونجرّمه ونُحرّمه ولا ندعو إلاّ للصراع الفكري والسياسي الواعي، أما الأيادي الخفية التي تحاول نشر الفوضى وإلصاق التهمة بالسلفيين وأنصار «حزب التحرير» فإنها لجهات خارجية تدعم أجندات غربية تخشى الصحوة الإسلامية. * ما حقيقة خروج السلفيين في مظاهرات بمدينة سوسة للمطالبة بإطلاق سراح المتورّطين في قضية بئر علي بن خليفة؟ إن قياديي السلفية مُستاؤون ممّا صدر عن المشاركين في هذه الاحتجاجات ورافضون له خاصة وأنه تصرف مستعجل من قبل البعض لم يتم فيه الأخذ بعدة اعتبارات مما جعل هذه المسألة محل مزايدات وتجاذبات وهو أمر غير مسؤول ولا مقبول. * صدر عن المحتجين في سوسة أنهم يعتزمون اختطاف أعوان أمن كرهائن حتى يتم الافراج عن المسجونين في قضية بئر علي بن خليفة هل هذا صحيح؟ هذه الأقاويل لم تصدر الا عن البعض ولا يمكن الا ان تساق على أصحابها فالتعميم مرفوض والحزب لا يتبنى ولا ينخرط في مثل هذه الممارسات، فهذه التهديدات مردودة على أصحابها، ومن يريد تصفية حساباته بيده فهو لا يسعى إلا لإشاعة الفوضى والخراب. * ما تعليقكم على تصريحات الرئيس المنصف المرزوقي بخصوص إنهاء حظر التجول «الذي لن يلغى الا بانتهاء الخطر السلفي»؟ إن مؤاخذاتي على تصريحات الرئيس عديدة: فأولها ما قاله عن «تطاير» الرؤوس امام جامع الزيتونة، وفي رأيي مثل هذا الكلام مخز ومزر ولا ينم الا عن انتهاج نمط عيش وتفكير بأساليب دخيلة على بلاد الإسلام. كما ان فيه من الاستهتار والاستخفاف الشيء الكثير. ثم ان وصف السلفيين ب «الجراثيم» أمر غريب. بالاضافة الى ما ورد على لسانه من اتهامات نسبت الى السلفيين على غرار توعدهم بمحاربة العلمانية والحداثة والديمقراطية، فكل ذلك كلام مغلوط ولا أساس له من الصحة. كما ان الرئيس المنصف المرزوقي قد وقع عديد المرات في فخاخ اسئلة الصحفي اللبناني الذي أجرى معه الحوار مؤخرا بقناة LBC حيث أبرز المرزوقي تعاليه في الخطاب بقوله «سأعطيهم تأشيرة» رغم ان حزب التحرير عريق وممتد وانصاره في عديد بلدان العالم، كما ان خطابه كان مهينا بتوظيفه كلاما يوحي بأنه سيساهم في الترفيع من مستوانا! وهذا الأمر سيزيد من تأزيم الوضعية اكثر فأكثر وانا مستعد بل وأدعوه الى مناظرة علنية للخوض في جميع المسائل الساخنة والهامة. أما عن الخطر السلفي فهو كلام لا معنى له وهو يتحدث بطريقة الوصاية عن أنصار هذا الطيف ولا أرغب إلا في سماع الرواية الصحيحة لواقعة بئر علي بن خليفة لأن افتعال الأزمات والمشاكل هو أسلوب «بن علي» وهو يذكرنا بما حدث في «الروحية» بخلق العنف ليبرر البسط المبالغ فيه للأمن والحماية، لضمان الاستقرار. * هل صحيح ان حزب التحرير هو الجناح العسكري لحركة «النهضة»؟ «حزب التحرير» كيان سياسي مستقل لا صلة له بحركة «النهضة» ولا بالسلفية وهو لا يدخل في ارتهانات أجنبية. * ماذا تقولون بخصوص الزيارات المتواترة للدعاة الإسلاميين إلى تونس؟ من يرغب في المجيء فليأت، ولا داعي لتضخيم الأمور وإطلاق الفزاعات ورصد قائمات للمسموح لهم بالدخول الى التراب التونسي وللممنوعين عنه، فالأجدر بنا ان نتوخى طريقة المناظرات الفكرية وطرح القضايا بأساليب متحضرة، إذ ان من يتخوفون من ورود الدعاة علينا هم أولئك الذين يعانون من قصور فكري او هم يساريون يمتهنون المهاترات لتطويعها حسب مصالحهم الضيقة. ومسألة ختان البنات «تهريج» ولا علاقة لها بالحداثة، علما وأن الدعوة لختان الإناث لم تصدر عن الداعية وجدي غنيم بل عن أحد مرافقيه المدفوعين من الخليج. * ما رأيكم في «أزمة النقاب»؟ لقد أصبحت أزمة النقاب أزمة لي أنا شخصيا حيث أن ليس هناك من النساء ذوات القرابة الدموية بي من يرتدين النقاب، إن ما يجب الالتزام به هو ارتداء الحجاب العادي الذي يكشف الوجه نظرا لما يستوجبه النظام الاجتماعي عند تعاطي المرأة لأي عمل أو نشاط من ضرورة التعرف على هويتها وهو من حقوق الإدارة التونسية عليها. ومن الضروري أن نؤكد على أن مسألة النقاب ليست بالأهمية التي نتصورها فالأولى بالحكومة اليوم أن تهتم بأمهات الأمور. * ماذا تقولون عن صياغة الدستور؟ «حزب التحرير» قدم مشروع الدستور للأمة وقد تم توزيعه للعموم أثناء انعقاد عشرات اللقاءات وسيقدم قريبا للمجلس التأسيسي، وللتأكيد فإنه لابد من اتخاذ التشريع الإسلامي مصدرا أساسيا لصياغة الدستور، حيث أن العديد من رجال القانون أعربوا عن اقتناعهم بمقترح دستور "حزبنا". * كيف ترون الصراع بين اتحاد الشغل و«النهضة»؟ أمر خطير ما يحدث بين اتحاد الشغل والحكومة، إذ أن النقابة تستغل العمال الذين يردون إليها لقضاء شؤونهم وتسوية وضعياتهم لتقحمهم مثلا في مظاهرات تتعلق بالشأن السوري، كما أنها توظف نزعتها اليسارية في تسيير أمور البلاد. والحكومة تتمادى في تعليق أخطائها على شماعة الآخرين في حين أن الأجدى بها أن تتحمل المسؤولية المنوطة بعهدتها وتبين مواقفها إزاء كل طارئ بكل جرأة وأن يكون خطابها مستندا الى مراجع دينية وركائز تشريعية وهو ما لا تقوم به. وهذا يقودنا الى الحديث عن العلمانية التي تتبناها السلطة اليوم والنتيجة هي أن الثورة لم تمكنّا إلا من تغيير الأشخاص فقط. * كلمة الختام؟ هناك حرب باردة بين عديد الأطراف ولكن المواطن التونسي ذكيّ ويقظ بما فيه الكفاية لذلك يجب الحذر من وعيه الذي سيعصف قريبا بالجميع. والمثير أن هناك نفسا ثانيا في الثورة سيحقق ما لم تحققه الحكومة الحالية.