وزارة التجهيز: تحويل في الطريق الوطنية عدد 8 بداية من يوم الاثنين القادم    ملعب حمادي العقربي يفتح أبوابه الوقت هذا.. شنوة لازم تعرف قبل ما تمشي!    معهد الرصد الجوي يضع عددا من المناطق في الخانة الصفراء    أمطار وبَرَد في عز أوت: تقلبات مفاجئة تضرب 13 ولاية تونسية    18/20 وُجّه لعلوم الآثار بدل الطب... تدخل وزاري يعيد الحق لتلميذ باكالوريا    الإدارة العامة للأداءات تنشر الأجندة الجبائية لشهر أوت 2025..    شراو تذاكر ومالقاوش بلايصهم! شنوّة صار في باب عليوة؟    زغوان: حجز 735 كلغ من الأسماك الفاسدة كانت داخل براميل بلاستيكية كبيرة الحجم    عاجل/ زلزال بقوة 5.5 درجات يضرب هذه المنطقة..    عاجل/ القبض على "بلوجر" معروفة..وهذه التفاصيل…    عاجل/ وزارة الفلاحة توجه نداء هام لمُجمّعي الحبوب وتقدّم جُملة من التوصيات للفلاحين..    عاجل/ تزايد محاولات القرصنة..ووكالة السلامة السيبرنية تحذر..    نقابة الصحفيين : مقاطع الفيديو المتعلقة بجماهير المهرجانات والمتداولة ليست لصحفيين محترفين ويجب احترام أخلاقيات المهنة    كيف حال الشواطئ التونسية..وهل السباحة ممكنة اليوم..؟!    عاجل/ شبهات اختراق وتلاعب بمعطيات شخصية لناجحين في البكالوريا..نقابة المستشارين في الإعلام والتوجيه الجامعي تتدخل..    عاجل/ الحماية المدنية تُحذر من اضطراب البحر حتى وإن كان الطقس مشمساً..    غدًا.. الدخول مجاني لجميع المواقع الأثريّة والمعالم التاريخيّة    جامع الزيتونة ضمن السجل المعماري والعمراني للتراث العربي    الشاب بشير يمتع جماهير مهرجان سلبانة الدولي    تحذير: استعمال ماء الجافيل على الأبيض يدمّرو... والحل؟ بسيط وموجود في دارك    وزير التعليم العالي يتدخل وينصف التلميذ محمد العبيدي في توجيهه الجامعي    اتحاد الشغل يؤكد على ضرورة استئناف التفاوض مع سلطات الإشراف حول الزيادة في القطاع الخاص    "تاف تونس " تعلن عن تركيب عدة اجهزة كومولوس لانتاج المياه الصالحة للشرب داخل مطار النفيضة- الحمامات الدولي    المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط تدعو إلى سنّ ضوابط لحضور الأطفال في المهرجانات والحفلات    غازي العيادي ضمن فعاليات مهرجان الحمامات الدولي: ولادة جديدة بعد مسيرة فنية حافلة    مونديال الكرة الطائرة تحت 19 عاما - المنتخب التونسي ينهي مشاركته في المركز الثاني والعشرين    أحمد الجوادي في نهائي 1500 متر: سباحة تونس تواصل التألق في بطولة العالم    كيفاش أظافرك تنبهك لمشاكل في القلب والدورة الدموية؟    شنية حكاية ''زكرة بريك'' اللي خوّفت جدودنا؟    الفنان "الشامي" يحقق نجاحا جماهريا باهرا ضمن فعاليات الدورة 45 لمهرجان صفاقس الدولي.    توقعات موسم أوت - سبتمبر - أكتوبر 2025: حرارة أعلى من المعدلات واحتمالات مطرية غير محسومة    جثمان متحلل بالشقة.. الشرطة تكشف لغز اختفاء عم الفنانة أنغام    طقس اليوم: أمطار رعدية متوقعة وارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة بالجنوب    نواب أمريكيون يدعون ترامب لإنهاء الحرب في غزة    بعد إيقاف مسيرتها.. أنس جابر تتفرغ للدفاع عن أطفال غزة    الرضاعة الطبيعية: 82% من الرضّع في تونس محرومون منها، يحذّر وزارة الصحة    مباراة ودية: تغيير موعد مواجهة النجم الساحلي والنادي البنزرتي    البطولة العربية لكرة السلة - المنتخب الجزائري يتوج باللقب    النادي الإفريقي يعلن تعاقده رسميا مع "فوزي البنزرتي"    موجة شهادات مزورة تثير تداعيات سياسية في إسبانيا    كولومبيا.. تعيين ممثل أفلام إباحية وزيرا للمساواة    محمد رمضان يرد على الشامتين بعد انفجار حفله الغنائي: "اللي معندوش كلمة طيبة يخرس!"    بطاطا ولا طماطم؟ الحقيقة إلّي حيّرت العلماء    سهرة قائدي الأوركسترا لشادي القرفي على ركح قرطاج: لقاء عالمي في حضرة الموسيقى    عاجل : القضاء الأميركي يوقف ترحيل آلاف المهاجرين: تفاصيل    الحوثي يستهدف مطار بن غوريون بصاروخ باليستي    الرابطة الأولى: قطيعة بالتراضي بين فادي سليمان ومستقبل قابس    عرض كمان حول العالم للعازف وليد الغربي.. رحلة موسيقية تتجاوز الحدود    القصرين: منع مؤقت لاستعمال مياه عين أحمد وأم الثعالب بسبب تغيّر في الجودة    تاريخ الخيانات السياسية (33) هدم قبر الحسين وحرثه    أعلام من بلادي: الشيخ بشير صفية (توزر): فقيه وأديب وشاعر درس في الجزائر وتونس    دكتورة في أمراض الشيخوخة تحذّر من اضطرابات المشي لدى كبار السن المؤدية إلى السقوط    انتعاشة هامة للسياحة/ هذا عدد عدد الوافدين على تونس الى 20 جويلية 2025..    وزارة الصناعة تمنح شركة فسفاط قفصة رخصة البحث عن الفسفاط " نفطة توزر"    وزارة التجارة تعلن عن تحديد أسعار قصوى للبطاطا وهوامش ربح للأسماك بداية من 4 أوت    هل يمكن لمن قام بالحج أن يؤدي عمرة في نفس السنة؟    شنوّة جايك اليوم؟ أبراجك تكشف أسرار 1 أوت!    خطبة الجمعة: أمسِكْ عليك لسانك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الناطق الرسمي لحزب التحرير في حديث ل«الشروق»
نشر في الشروق يوم 16 - 02 - 2012

كيف يقرأ الوضع العام داخل المجتمع التونسي اليوم؟ كيف يرى مستقبل الصراع بين مختلف التيارات السياسيّة والفكريّة؟ وما موقفه من الاتهامات الموجّهة للتيار السلفي .السيّد رضا بلحاج الناطق الرسمي لحزب التحرير يُجيب.
حزب التحرير وعلى الرغم من عدم حصوله بعد على تأشيرة العمل القانوني فهو رقم سياسي ليس فقط في الجناح الإسلامي بل كذلك على مستوى المشهد السياسي الوطني عبر تحركاته وأنشطته ومواقفه وبياناته التي تتجاوز الواقع المحلي إلى الإقليمي والدولي ، والحزب يقع في منطقة وسطى بين حركة إسلاميّة حاكمة اليوم (وهي حركة النهضة) وتيارات جهادية وتكفيريّة لم يعد فعلها وخطابها غائبا عن المشهد التونسي.
ما هي قراءتكم للوضع الحالي في تونس؟ هل نحن إزاء صراع إيديولوجي محوره التنازع حول نمط المجتمع ؟
طبيعي بعد الثورة أن يطرح الناس على أنفسهم البدائل والخيارات الجديدة وإلاّ فلا معنى للثورة ، ولكن الملاحظ أنّ الطرح الإيديولوجي والفكري يتستّر وراء خطاب سياسي عام وفضفاض يُشعر الناس بأنّهم غير معنيين بالحياة السياسيّة والخطير أنّ النفاق السياسي بإخفاء المضامين اليساريّة والعلمانيّة أو الإسلاميّة واستدراج الناس من حيث لا يعلمون إلى مواقف غير معلنة ، ولذلك فنحن نطرح الإسلام بوضوح فكري وسياسي ونتحمّل مسؤوليّة طرحنا.
وفي ظل غياب الصراحة الفكريّة والإيديولوجيّة تصبح هناك مهاترات واندساسات ويُتّخذ الرأي العام رهينة الإثارة والمزايدة من ذلك مسألة النقاب في منوبة وزيارة بعض الدعاة من الخارج والرأي العام يشعر أنّه غير معني بهذه المناكفات التي تصل إلى درجة الدناءة بين الخصوم السياسيين.
لكن البعض يرى أنّ العديد من الأنشطة سواء منها الدعويّة أو الفكرية تستهدف تغيير نمط عيش التونسيين وفرض أنماط عيش جديدة غريبة عن الواقع التونسي؟
يجب أن يتّسع صدر الجميع للصراع الفكري المفتوح لأنّ كلّ طرف من حقّه أن يُقدّم نمط المجتمع وطريقة العيش والنظام السياسي الّذي يراه كفيلا برعاية شؤون الناس وتحقيق أهداف هذه الثورة الطيّبة ، وفي هذا السياق نُلاحظ أنّ بعض الأطراف العلمانيّة تُمارس التحريض والإثارة ضدّ كلّ طرح يُخالف المرجعيّة اللائكيّة التي كانت سبب الأزمة في البلاد ولا يُعقل أن تُقدّم على أنّها مكسب فضلا عن أن تكون من استحقاقات الثورة ، فالمرجع في الصراع هو قوّة الحجّة أو القبول الشعبي وإذا انعدم هذان الأمران حضر التسلّط والقمع وهذا وللأسف ما تدعو إليه ضمنيّا بعض الأحزاب العلمانيّة هذه المرّة باسم تطبيق القانون وفرض النظام العام وحماية المكتسبات ، وهذه الوضعية تدعو حقيقة إلى الاستغراب لأنّ الفكر يُضادد بالفكر لا بالإثارة والتهريج والتخويف والتخوين.
الملاحظ في زيارة بعض الدعاة إلى تونس أنّ بعضها موظّف من جهات خليجيّة لإحباط هذه الثورات وذلك بتركيز فكرة طاعة وليّ الأمر وعدم إحداث الفتنة والمقصود في النهاية هو حماية دول الخليج من المد الثوري باستيعاب الصحوة الإسلاميّة ، لكن هناك زيارات أخرى يبدو فيها حسن النوايا وهي طبيعيّة في عالم إسلامي يعيش الهم والانشغال ولا يُمكن أن نقبل بمنطق إسلام تونسي وإسلام مصري وإسلام خليجي وللعلم شيخ الأزهر محمّد الخضر حسين هو من تونس وكان من خيرة شيوخها ويعتبر إلى يوم الناس هذا مرجعا وقدوة والسؤال الأهم لماذا لا نُفكّر في إحياء جامع الزيتونة باعتباره منارة وجامعة حتّى يكون في تونس علماء وفقهاء قادرين على قيادة الناس وتعليمهم وتأطيرهم؟.
لكن لا بدّ من لفت النظر إلى أنّ ردود فعل البعض على زيارة وجدي غنيم وصلت حدّ الابتذال بل العنف المادي واللفظي كما حدث في المهدية وسوسة ورغم ذلك لم يُسلّط الإعلام الضوء على هذه المواقف المتشنّجة والعنيفة والتي تُساهم مجدّدا في طرح أسئلة على أصحاب الفكر العلماني من حيث مدى صدقهم ممّا يدعون من حق الاختيار وممارسة الإرادة وسيادة الشعب، فوجدي غنيم مثلا حضر له عشرات الآلاف فكيف نتصرّف إزاء هذا التوجّه العام لدى الشباب المتديّن : هل يكون ذلك بالتعالي عليهم تحقيرهم وتعنيفهم ، فلو وقع عكس ذلك مع محاضر علماني لقامت الدنيا ولم تقعد وأصبحت قضية تتجاوز حتى الرأي العام المحلي إلى العالمي مثلما حدث مع فيلم نادية الفاني، فكيف يُتعامل مع أمر باعتباره مسألة فيها نظر ومع أمر آخر باعتباره ذنبا لا يُغتفر.
لكن المنتقدون لزيارة أمثال وجدي غنيم إلى تونس كان من بينهم بعض المنتمين للتيار الإسلامي على غرار الأستاذ عبد الفتاح مورو، ألا توجد خشية ومبرر واقعي تخوّفا على الإرث الإسلامي في تونس والمتصف بالاعتدال والوسطيّة والتنوير وانتقالا به إلى إسلام متطرّف ومنغلق؟
أوّلا، في ما اعلم أنّ الإمام مالك ليس تونسيّا ، ولذلك فالمحاججة بالمنطق الوطني في ما يتعلّق بالإسلام مردودة تاريخيا وواقعيا ، وإذا كان لا بدّ من اختيار فيكون بين دليل ودليل سواء أكان صاحب الطرح من تونس أو غيرها ، ونقول لكل من تكلّم باسم الإسلام في هذا الأمر إنّ العطشان لا يختار لون الماء ولذلك هاتوا أطروحاتكم الإسلامية وفقهكم وفكركم لتنفعوا الناس لا أن نكون مجرّد صيحات فزع وتهويل استرضاء للغرب أو لجهات علمانيّة ، وخطير جدّا أن يُرفض طرح إسلامي والدعوة إلى منعه في تونس لأنّ هذا مقدمة لدكتاتوريّة والدكتاتورية لا تعدم الحجج فمرّة تمنع باسم المصلحة العامة ومرّة باسم حماية الدين ومرّة باسم القانون وهذا في الحقيقة مخيف لأنّه دعوة لقراءة واحدة للإسلام والتنفير من كلّ الدعاة والمفكرين الذين يخالفون منهج هذا الحزب الإسلامي أو ذاك.
وما أريد أن أضيفه في هذا الصدد أنّ الطرح الإسلامي بل الإسلام كان يعيش حالة حصار ومنع وتجفيف منابع دفعت البلاد ثمنه سجونا وتعذيبا ومناف ونسبة جريمة عالية ومرعبة وغياب للقيم وانهيار منظمة القيميّة حتى على مستوى الفرد والأسرة ، واليوم من الطبيعي أن تطرح مواضيع في الوسط الإسلامي جديدة وتظهر شخصيات كانت مغمورة وأن يقع تداول ونقاش وحوار والعكس هو المستغرب تحت أيّ عنوان، وأعتقد بأنّ فتح المجال للناس لتسمع وتتحاور سيرشّد الصحوة الإسلاميّة لترتقي من مجرّد عواطف إلى فكر بل إلى منهج متماسك ولذلك الدعوة إلى المنع والقمع هي إعادة إنتاج الظلم وخلق ردود فعل غير محسوبة لن تقدر عليها أي دكتاتورية يتوهّمها العلمانيون أو اليسار الذين وجدوا أنفسهم في حالة ضعف شعبي وهزال جعل خطابهم متوتّرا ومتشنّجا ، وأنا في هذا الصدد دعوت أكثر من مرّة إلى مناظرات علنيّة مع كلّ من يرى له تصوّرا مخالفا للطرح الإسلامي ليكون الصراع مباشرا والفيصل فيه هو الرأي العام حتى نتجنّب الاندساسات والغيبة والنميمة والتوظيف السيئ للإعلام .
يبقى أن أشير إلى أنّه وللأسف أصبح اليسار في تونس بلا مضامين فكريّة وإيديولوجيّة أقرب إلى مشروع الفوضى أقرب منه إلى مشروع الثورة وأدعوهم إلى مراجعات جدّية ليكونوا ضمن هويّة الأمّة دون أحقاد ونظريات مسقطة.
لكن تعدّدت المخاوف من مخاطر حقيقية وملموسة لبعض التيارات الإسلاميّة منها مثلا الحركات السلفيّة سواء بالنسبة للحريات وحتى الأمن الوطني (مجموعة بئر علي بن خليفة)...ما الحل؟
عموما في تونس لم تقع فوضى منهجيّة أو عنف ممنهج بمعنى يُمارسه أصحابه ويبرّرونه وكلّ ما حدث والحمد لله هي أحداث معزولة وقع مثلها وأكثر منها من قبل تيارات علمانيّة ويساريّة، فلماذا تسليط الضوء على كلّ ما له صفة إسلاميّة وتضخيم الأمر وتهويله في حين أنّ رئيس الدولة قال أنّ هناك أحزاب يساريّة متطرّفة مورّطة في الفوضى والتخريب دون أن يعطى هذا الموضوع حقّه من التحليل والكشف ، إذن المسألة مدبّرة ويُراد بها إحباط الصحوة الإسلاميّة والتنفير منها ولكن بالمقابل ندعو أبناء هذه الصحوة بمن فيهم السلفيين إلى الصراع الفكري والتثقيف والتوعية والفيصل هو قبول الناس من عدمه وسبق أن حذرنا من الاستدراج للعنف لأنّه من أحسن الأجندات الغربيّة لإحباط المشروع الإسلامي ولا سيما بعد سقوط الدكتاتوريّة حيث أصبح من السهل مخاطبة الرأي العام وقيادته بكلّ يُسر وما حدث في بئر علي بن خليفة يدعو إلى الكثير من الحيرة لأنّ الرواية قاصرة وغير كافية : من هي الجهات المحرّكة إن وجدت ؟ وما هي تفاصيل المخطّط إن وجد؟ لأنّ الرأي العام أصبح مرتابا من هذه الروايات بعد حادثة الروحية المختلّة والمتناقضة وبعد انكشاف بعض الأعمال التي حسبت على الإسلاميين وكان بن علي مخطّطا لها ومنفذا لها مثل تفجيرات الساحل أواخر حكم بورقيبة ، المسألة حسّاسة ولا يجب أن يكتفي فيها برواية مسطّحة ومستعجلة ولاسيما أنّ المخابرات لها من أساليب التمويه ما تقدر به على تغيير المسارات حتى في الدول الكبرى.
كأنّكم تشكّكون في الرواية التي قدّمها وزير الداخلية وهو من حركة إسلاميّة والذي أوضح أنّ هدف مجموعة بئر علي بن خليفة هو إقامة إمارة إسلاميّة في تونس، وأيضا أنتم تنفون تورّط بعض المنتمين للتيار السلفي في أحداث عنف؟
أنا لا أدافع عن السلفيين وحزبنا ليس سلفيّا وهذا معلوم لدى الرأي العام ولكنني أتحدّث بوصفي أتعاطى السياسة من موقع الإحساس بالمسؤوليّة فأحاول تنزيل الوقائع منازلها لأنّه أحيانا قد تقال نصف الحقيقة لإخفاء النصف الآخر وقد يُقال الحق ويُراد به الباطل ، أنا لا أبرّئ السلفيّة أو غيرها في واقعة الحال وإنّما أقول الإدانة لا تكفي أن تكون بالإعلام لأنّ الواقع بيّن لنا التوظيف والتزييف حتى بعد الثورة ثمّ إنّ القضاء هو المخوّل الوحيد للوصول إلى الحقيقة في شكلها النهائي ، ثمّ قيل منذ مدّة وقع مسك شبكة لتهريب السلاح من أوروبا وكان ذلك في النشرة الرسمية لأنباء القناة الوطنية ورأينا كميّة هائلة من السلاح ثمّ لم يقع متابعة الموضوع : ما هي الجهة الأوروبيّة التي أوجدت الشبكة وأدخلت كلّ هذا السلاح ؟ لذلك نحن نقول كفا توظيفا للناحية الأمنيّة ولتأخذ الأمور أحجامها وتخرج من التجاذبات السياسيّة.
فالحالة السلفيّة في اعتقادي مفتوحة وليست متجانسة والمشكلة أنّها ليست ممثّلة حزبيّا ولا قياديّا وهذا يجعل التعامل معها إلى حدّ مّا صعب ، فنحن أنفسنا في حزب التحرير نجد في كثير من الأحيان صعوبة في التواصل مع هؤلاء ونجد بعض ردود الفعل المتشنّجة خاصة من صغار السن تصل إلى حدّ التهوّر والتكفير في الصف الإسلامي نفسه ، ولكن عموما ثمّة تيار داخل السلفيّة فيه الكثير من الرشد والوعي ومستعد دوما للحوار وندعوهم إلى تعميم هذا على أبناء الصحوة حتّى لا تصبح موضوعا للانفلات أو التوظيف أو لا قدّر الله بعض الأخطاء الكارثيّة.
الحياة السياسيّة لا تحتمل الفراغ فإذا لم تعمّرها بوعي وفكر وفقه فإنّها ستملأ بمراكمات قد تؤدّي إلى عكس المطلوب وتكثر التهم والالتباسات والشبهات التي يستغّلها الخصوم.
بخصوص تصريحات السيّد وزير الداخلية ، نحن نحاسب السلطة باعتبارها حاكمة والإمام راع وهو مسؤول عن رعيته وحين نتحدّث عن الداخلية أو الاقتصاد أو ما إلى ذلك وإن كان القائمون عليها من النهضة فإنّنا لا نتردّد في المحاسبة لهؤلاء لا بصفتهم الحزبيّة بل بحكم المسؤوليّة والموقع ، وأنا لا أستبعد أنّ حركة النهضة تمارس عليها مؤامرة داخلية وخارجية معالمها واضحة للوصول بها إلى مأزق ومن ثمّ إسقاط التجربة في خطواتها الأولى والإدعاء أنّ الإسلام السياسي عاجز عن قيادة المرحلة وقيادة الأمّة والأصل خاصة وأنّ الداخلية فيها أعماق مجهولة لم تفتح ملفاتها إلى الآن ولم يحاسب رجالاتها ومازالوا من النافذين .
أنتم وكأنّكم بصدد تبرير مقاصد وزير الداخلية الأخيرة بخصوص ما جدّ في بئر علي بن خليفة وتدافعون على حركة النهضة...هل هذا بحث عن الود مع السلطة والحزب الحاكم وهل لذلك علاقة بمطلب تأشيرة العمل القانوني؟
نحن في حزب التحرير لا نُهادن ولا نتزّلف للسلطة أيا كان القائم عليها وواقع الحال دلّ على أنّنا حاسبنا هذه الحكومة على التوجّه العام الّذي لا يفي بمستحق الثورة وكأنّه يُمارس خطأ السابقين ولا سيما في منهجية الدستور المعتمدة والتي غيّبت فيها المرجعيّة الإسلاميّة ثم التوجّه الاقتصادي نحو صندوق النقد الدولي وقد قمنا بوقفات إحتجاجيّة عديدة ضدّ زيارة مديرة هذا الصندوق إلى بلادنا وقلنا إنّ الإصلاح لا يكون بتغيير الأرقام أو الأشخاص بل المنهج وقدّمنا الطرح الإسلامي مفصّلا وقلنا يجب تبني الإسلام بديلا لتحقيق خير هذا الشعب والأمّة عامّة وإلاّ فإنّ هذا الإصلاح سيكون إطالة لأنفاس النظام الرأسمالي المتهالك في الغرب نفسه وكأنّنا بالثورة في تونس قد دُجّنت والتفّ عليها وحركة النهضة تتحمّل مسؤوليّة في الاستعجال في دخول السلطة وفق شروط مجحفة من ذلك القانون الانتخابي الذي يجعلها رهينة أحزاب لا وزن لها شعبيّا ، إضافة إلى عدم الجرأة في تقديم البديل الإسلامي باسمه دون استنكاف.
أمّا تصريحات بعض قياديي النهضة والدكتور المرزوقي في ما يتعلّق بالاعتراف بحزب التحرير فنقول أوّلا رُفضنا في السابق رفضا سياسيّا وهذا ما أكّده الباجي قائد السبسي لوكالة الأنباء الفرنسيّة واليوم كأنّهم يريدون الاعتراف بنا وفق منطلقات سياسيّة لا اعتمادا على الجانب الإداري وهذا دليل على فساد قانون الأحزاب السابق والراهن علما وأنّ هذا القانون في هيئة بن عاشور لم يحقّق حتّى النصاب اللازم للتصويت ودُبّر بليل ، والأصل عندنا أن يكون العمل الحزبي وفق إعلام وخبر لأنّه لا يُعقل أن يختار الحاكم خصومه فيعترف بمن يشاء ويرفض من يشاء.
ثمّ إنّ تصريحات المرزوقي أوحت إلى الرأي العام بأنّنا سنوضع تحت الاختبار والتجربة وهذا مرفوض عندنا لأنّ حزب التحرير حزب عريق وكرامتنا ترفض هذا السياق ونحن الّذين أعطينا ضمانات للأمّة منذ تأسيسنا في أوساط الخمسينات وهي أن لا نستعمل العنف باعتباره مخالفا للطريقة الشرعيّة وليس ترضية لأحد وثانيا حرّمنا الارتباط بالأجنبي ماديا ومعنويّا وثالثا نحن لا نحتكر الإسلام ولا نُكفّر الأفراد وهذا يجعلنا في الموضع السويّ والطبيعي نعلّم غيرنا قبل أن يعلّمنا ثمّ إنّ حزب التحرير موجود في تونس منذ عهد بورقيبة ودفع شبابه من أعمارهم عشرات السنوات من السجن والتعذيب والمنافي وقد شارك أبناؤنا تلقائيّا في هذه الثورة بل منهم من استشهد فكيف يُزايد على حزب التحرير في الاعتراف القانوني به يَُضاف إلى ذلك أنّنا نقدّم بديلا مفصّلا وقدّمنا مشروع دستور دعونا للحوار فيه والنقاش حوله.
ومع ذلك نعتبر تصريح المرزوقي في جزء منه إيجابي وفي جزء منه غامض وملتبس إذ ورد حديثه عن حزب التحرير في سياق العنف والحديث عن حادثة بئر علي بن خليفة ومثل هذا الخلط لا يليق بمن يتعاطى السياسة التي تكمن قوّتها في التفاصيل لا في العموميّات ، ونحن دوما نعمل في العلن ومستعدّون لأيّ إجراء عادي وإداري بلا منّة من أحد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.