فوز رئيس المجلس العسكري في تشاد في الانتخابات الرئاسية    بعد معاقبة طلاب مؤيدين لفلسطين.. رئيسة جامعة كورنيل الأمريكية تستقيل    بنزرت.. الاحتفاظ بثلاثة اشخاص وإحالة طفلين بتهمة التدليس    نبات الخزامى فوائده وأضراره    وزير الخارجية: تونس حريصة على المحافظة على العلاقات التّاريخية والطّبيعية التّي تجمعها بالاتّحاد الأوروبي    المرسى: القبض على مروج مخدرات بحوزته 22 قطعة من مخدّر "الزطلة"    بسبب التّهجم على الإطار التربوي.. إحالة ولي على محكمة الناحية بسوسة    استدعاء سنية الدّهماني للتحقيق    أولا وأخيرا...شباك خالية    للنظر في إمكانية إعادة تأهيل عربات القطار: فريق فني مجري يحل بتونس    أم تعنّف طفليها وتسبب لهما كسورا: وزارة المرأة تتدخل    شكري حمدة: "سيتم رفع عقوبات الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات في أجل أقصاه 15 يوما"    الرابطة 1 (مرحلة التتويج) حسام بولعراس حكما للقاء الكلاسيكو بين الترجي والنجم    المدير الفني للجنة الوطنية البارلمبية التونسية ل"وات" : انطلقنا في الخطوات الاولى لبعث اختصاص" بارا دراجات" نحو كسب رهان التاهل لالعاب لوس انجليس 2028    تونس تفوز بالمركز الأول في المسابقة الأوروبية لزيت الزيتون    قبلي: تنظيم يوم حقلي في واحة فطناسة بسوق الاحد حول بروتوكول التوقي من عنكبوت الغبار    هام/ وزارة التربية: "نحن بصدد بلورة تصوّر جديد لمعالجة هذا الملف"..    المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بصفاقس تواصل حملتها على الحشرة القرمزية    اللغة العربية معرضة للانقراض….    تظاهرة ثقافية في جبنيانة تحت عنوان "تراثنا رؤية تتطور...تشريعات تواكب"    قابس : الملتقى الدولي موسى الجمني للتراث الجبلي يومي 11 و12 ماي بالمركب الشبابي بشنني    عاجل : إغلاق مطار دكار بعد إصابة 11 شخصاً في حادث طائرة    سلالة "كوفيد" جديدة "يصعب إيقافها" تثير المخاوف    سابقة.. محكمة مغربية تقضي بتعويض سيدة في قضية "مضاعفات لقاح كورونا"    181 ألف بناية آيلة للسقوط في تونس ..رئاسة الجمهورية توضح    نابل: الكشف عن وفاق إجرامي يعدّ لاجتياز الحدود البحرية خلسة    الزمالك المصري يعترض على وجود حكام تونسيين في تقنية الفار    أبطال أوروبا: دورتموند الأكثر تمثيلا في التشكيلة المثالية لنصف النهائي    زغوان: حجز 94 طنا من الأعلاف غير صالحة للاستهلاك منذ افريل المنقضي    كأس تونس: البرنامج الكامل لمواجهات الدور ثمن النهائي    يمنى الدّلايلي أوّل قائدة طائرة حربية مقاتلة في تونس    دراسة صادمة.. تناول هذه الأطعمة قد يؤدي للوفاة المبكرة..    عاجل/ الحوثيون يعلنون استهداف ثلاث سفن بصواريخ وطائرات مسيرة..    الزغواني: تسجيل 25 حالة تقتيل نساء في تونس خلال سنة 2023    مفزع: 376 حالة وفاة في 1571 حادث مرور منذ بداية السنة..    سليانة: تنظيم الملتقى الجهوي للسينما والصورة والفنون التشكيلية بمشاركة 200 تلميذ وتلميذة    حماية الثروة الفلاحية والغابية من الحرائق في قابس....و هذه الخطة    في وقفة احتجاجية أمام مقر الاتحاد الأوروبي.. "تونس لن تكون مصيدة للمهاجرين الأفارقة"    قضية مخدّرات: بطاقة ايداع بالسجن في حق عون بالصحة الأساسية ببنزرت    السلطات السعودية تفرض عقوبة على كل من يضبط في مكة دون تصريح حج.    مقارنة بالسنة الفارطة: تطور عائدات زيت الزيتون ب91 %    الثلاثي الأول من 2024: تونس تستقطب استثمارات خارجيّة بقيمة 517 مليون دينار    الفيلم العالمي The New Kingdom في قاعات السينما التونسية    كشف لغز جثة قنال وادي مجردة    على طريقة مسلسل "فلوجة": تلميذة ال15 سنة تستدرج مدير معهد بالفيسبوك ثم تتهمه بالتحرّش..    البطولة العربية لألعاب القوى للشباب: ميداليتان ذهبيتان لتونس في منافسات اليوم الأول.    عاجل/ نشرة استثنائية: أمطار متفرقة بهذه المناطق..    بطولة روما للتنس للماسترز : انس جابر تواجه الامريكية صوفيا كينين في الدور الثاني    كتاب«تعبير الوجدان في أخبار أهل القيروان»/ج2 .. المكان والزّمن المتراخي    آخر أجل لقبول الأعمال يوم الأحد .. الملتقى الوطني للإبداع الأدبي بالقيروان مسابقات وجوائز    «قلق حامض» للشاعر جلال باباي .. كتابة الحنين والذكرى والضجيج    محمد بوحوش يكتب...تحديث اللّغة العربيّة؟    مدْحُ المُصطفى    ستنتهي الحرب !!    إذا علقت داخل المصعد مع انقطاع الكهرباء...كيف تتصرف؟    عشرات الشهداء والجرحى والمفقودين جراء قصف متواصل على قطاع غزة    بعض مناضلي ودعاة الحرية مصالحهم المادية قبل المصلحة الوطنية …فتحي الجموسي    متى موعد عيد الأضحى ؟ وكم عدد أيام العطل في الدول الإسلامية؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الناطق الرسمي لحزب التحرير في حديث ل«الشروق»
نشر في الشروق يوم 16 - 02 - 2012

كيف يقرأ الوضع العام داخل المجتمع التونسي اليوم؟ كيف يرى مستقبل الصراع بين مختلف التيارات السياسيّة والفكريّة؟ وما موقفه من الاتهامات الموجّهة للتيار السلفي .السيّد رضا بلحاج الناطق الرسمي لحزب التحرير يُجيب.
حزب التحرير وعلى الرغم من عدم حصوله بعد على تأشيرة العمل القانوني فهو رقم سياسي ليس فقط في الجناح الإسلامي بل كذلك على مستوى المشهد السياسي الوطني عبر تحركاته وأنشطته ومواقفه وبياناته التي تتجاوز الواقع المحلي إلى الإقليمي والدولي ، والحزب يقع في منطقة وسطى بين حركة إسلاميّة حاكمة اليوم (وهي حركة النهضة) وتيارات جهادية وتكفيريّة لم يعد فعلها وخطابها غائبا عن المشهد التونسي.
ما هي قراءتكم للوضع الحالي في تونس؟ هل نحن إزاء صراع إيديولوجي محوره التنازع حول نمط المجتمع ؟
طبيعي بعد الثورة أن يطرح الناس على أنفسهم البدائل والخيارات الجديدة وإلاّ فلا معنى للثورة ، ولكن الملاحظ أنّ الطرح الإيديولوجي والفكري يتستّر وراء خطاب سياسي عام وفضفاض يُشعر الناس بأنّهم غير معنيين بالحياة السياسيّة والخطير أنّ النفاق السياسي بإخفاء المضامين اليساريّة والعلمانيّة أو الإسلاميّة واستدراج الناس من حيث لا يعلمون إلى مواقف غير معلنة ، ولذلك فنحن نطرح الإسلام بوضوح فكري وسياسي ونتحمّل مسؤوليّة طرحنا.
وفي ظل غياب الصراحة الفكريّة والإيديولوجيّة تصبح هناك مهاترات واندساسات ويُتّخذ الرأي العام رهينة الإثارة والمزايدة من ذلك مسألة النقاب في منوبة وزيارة بعض الدعاة من الخارج والرأي العام يشعر أنّه غير معني بهذه المناكفات التي تصل إلى درجة الدناءة بين الخصوم السياسيين.
لكن البعض يرى أنّ العديد من الأنشطة سواء منها الدعويّة أو الفكرية تستهدف تغيير نمط عيش التونسيين وفرض أنماط عيش جديدة غريبة عن الواقع التونسي؟
يجب أن يتّسع صدر الجميع للصراع الفكري المفتوح لأنّ كلّ طرف من حقّه أن يُقدّم نمط المجتمع وطريقة العيش والنظام السياسي الّذي يراه كفيلا برعاية شؤون الناس وتحقيق أهداف هذه الثورة الطيّبة ، وفي هذا السياق نُلاحظ أنّ بعض الأطراف العلمانيّة تُمارس التحريض والإثارة ضدّ كلّ طرح يُخالف المرجعيّة اللائكيّة التي كانت سبب الأزمة في البلاد ولا يُعقل أن تُقدّم على أنّها مكسب فضلا عن أن تكون من استحقاقات الثورة ، فالمرجع في الصراع هو قوّة الحجّة أو القبول الشعبي وإذا انعدم هذان الأمران حضر التسلّط والقمع وهذا وللأسف ما تدعو إليه ضمنيّا بعض الأحزاب العلمانيّة هذه المرّة باسم تطبيق القانون وفرض النظام العام وحماية المكتسبات ، وهذه الوضعية تدعو حقيقة إلى الاستغراب لأنّ الفكر يُضادد بالفكر لا بالإثارة والتهريج والتخويف والتخوين.
الملاحظ في زيارة بعض الدعاة إلى تونس أنّ بعضها موظّف من جهات خليجيّة لإحباط هذه الثورات وذلك بتركيز فكرة طاعة وليّ الأمر وعدم إحداث الفتنة والمقصود في النهاية هو حماية دول الخليج من المد الثوري باستيعاب الصحوة الإسلاميّة ، لكن هناك زيارات أخرى يبدو فيها حسن النوايا وهي طبيعيّة في عالم إسلامي يعيش الهم والانشغال ولا يُمكن أن نقبل بمنطق إسلام تونسي وإسلام مصري وإسلام خليجي وللعلم شيخ الأزهر محمّد الخضر حسين هو من تونس وكان من خيرة شيوخها ويعتبر إلى يوم الناس هذا مرجعا وقدوة والسؤال الأهم لماذا لا نُفكّر في إحياء جامع الزيتونة باعتباره منارة وجامعة حتّى يكون في تونس علماء وفقهاء قادرين على قيادة الناس وتعليمهم وتأطيرهم؟.
لكن لا بدّ من لفت النظر إلى أنّ ردود فعل البعض على زيارة وجدي غنيم وصلت حدّ الابتذال بل العنف المادي واللفظي كما حدث في المهدية وسوسة ورغم ذلك لم يُسلّط الإعلام الضوء على هذه المواقف المتشنّجة والعنيفة والتي تُساهم مجدّدا في طرح أسئلة على أصحاب الفكر العلماني من حيث مدى صدقهم ممّا يدعون من حق الاختيار وممارسة الإرادة وسيادة الشعب، فوجدي غنيم مثلا حضر له عشرات الآلاف فكيف نتصرّف إزاء هذا التوجّه العام لدى الشباب المتديّن : هل يكون ذلك بالتعالي عليهم تحقيرهم وتعنيفهم ، فلو وقع عكس ذلك مع محاضر علماني لقامت الدنيا ولم تقعد وأصبحت قضية تتجاوز حتى الرأي العام المحلي إلى العالمي مثلما حدث مع فيلم نادية الفاني، فكيف يُتعامل مع أمر باعتباره مسألة فيها نظر ومع أمر آخر باعتباره ذنبا لا يُغتفر.
لكن المنتقدون لزيارة أمثال وجدي غنيم إلى تونس كان من بينهم بعض المنتمين للتيار الإسلامي على غرار الأستاذ عبد الفتاح مورو، ألا توجد خشية ومبرر واقعي تخوّفا على الإرث الإسلامي في تونس والمتصف بالاعتدال والوسطيّة والتنوير وانتقالا به إلى إسلام متطرّف ومنغلق؟
أوّلا، في ما اعلم أنّ الإمام مالك ليس تونسيّا ، ولذلك فالمحاججة بالمنطق الوطني في ما يتعلّق بالإسلام مردودة تاريخيا وواقعيا ، وإذا كان لا بدّ من اختيار فيكون بين دليل ودليل سواء أكان صاحب الطرح من تونس أو غيرها ، ونقول لكل من تكلّم باسم الإسلام في هذا الأمر إنّ العطشان لا يختار لون الماء ولذلك هاتوا أطروحاتكم الإسلامية وفقهكم وفكركم لتنفعوا الناس لا أن نكون مجرّد صيحات فزع وتهويل استرضاء للغرب أو لجهات علمانيّة ، وخطير جدّا أن يُرفض طرح إسلامي والدعوة إلى منعه في تونس لأنّ هذا مقدمة لدكتاتوريّة والدكتاتورية لا تعدم الحجج فمرّة تمنع باسم المصلحة العامة ومرّة باسم حماية الدين ومرّة باسم القانون وهذا في الحقيقة مخيف لأنّه دعوة لقراءة واحدة للإسلام والتنفير من كلّ الدعاة والمفكرين الذين يخالفون منهج هذا الحزب الإسلامي أو ذاك.
وما أريد أن أضيفه في هذا الصدد أنّ الطرح الإسلامي بل الإسلام كان يعيش حالة حصار ومنع وتجفيف منابع دفعت البلاد ثمنه سجونا وتعذيبا ومناف ونسبة جريمة عالية ومرعبة وغياب للقيم وانهيار منظمة القيميّة حتى على مستوى الفرد والأسرة ، واليوم من الطبيعي أن تطرح مواضيع في الوسط الإسلامي جديدة وتظهر شخصيات كانت مغمورة وأن يقع تداول ونقاش وحوار والعكس هو المستغرب تحت أيّ عنوان، وأعتقد بأنّ فتح المجال للناس لتسمع وتتحاور سيرشّد الصحوة الإسلاميّة لترتقي من مجرّد عواطف إلى فكر بل إلى منهج متماسك ولذلك الدعوة إلى المنع والقمع هي إعادة إنتاج الظلم وخلق ردود فعل غير محسوبة لن تقدر عليها أي دكتاتورية يتوهّمها العلمانيون أو اليسار الذين وجدوا أنفسهم في حالة ضعف شعبي وهزال جعل خطابهم متوتّرا ومتشنّجا ، وأنا في هذا الصدد دعوت أكثر من مرّة إلى مناظرات علنيّة مع كلّ من يرى له تصوّرا مخالفا للطرح الإسلامي ليكون الصراع مباشرا والفيصل فيه هو الرأي العام حتى نتجنّب الاندساسات والغيبة والنميمة والتوظيف السيئ للإعلام .
يبقى أن أشير إلى أنّه وللأسف أصبح اليسار في تونس بلا مضامين فكريّة وإيديولوجيّة أقرب إلى مشروع الفوضى أقرب منه إلى مشروع الثورة وأدعوهم إلى مراجعات جدّية ليكونوا ضمن هويّة الأمّة دون أحقاد ونظريات مسقطة.
لكن تعدّدت المخاوف من مخاطر حقيقية وملموسة لبعض التيارات الإسلاميّة منها مثلا الحركات السلفيّة سواء بالنسبة للحريات وحتى الأمن الوطني (مجموعة بئر علي بن خليفة)...ما الحل؟
عموما في تونس لم تقع فوضى منهجيّة أو عنف ممنهج بمعنى يُمارسه أصحابه ويبرّرونه وكلّ ما حدث والحمد لله هي أحداث معزولة وقع مثلها وأكثر منها من قبل تيارات علمانيّة ويساريّة، فلماذا تسليط الضوء على كلّ ما له صفة إسلاميّة وتضخيم الأمر وتهويله في حين أنّ رئيس الدولة قال أنّ هناك أحزاب يساريّة متطرّفة مورّطة في الفوضى والتخريب دون أن يعطى هذا الموضوع حقّه من التحليل والكشف ، إذن المسألة مدبّرة ويُراد بها إحباط الصحوة الإسلاميّة والتنفير منها ولكن بالمقابل ندعو أبناء هذه الصحوة بمن فيهم السلفيين إلى الصراع الفكري والتثقيف والتوعية والفيصل هو قبول الناس من عدمه وسبق أن حذرنا من الاستدراج للعنف لأنّه من أحسن الأجندات الغربيّة لإحباط المشروع الإسلامي ولا سيما بعد سقوط الدكتاتوريّة حيث أصبح من السهل مخاطبة الرأي العام وقيادته بكلّ يُسر وما حدث في بئر علي بن خليفة يدعو إلى الكثير من الحيرة لأنّ الرواية قاصرة وغير كافية : من هي الجهات المحرّكة إن وجدت ؟ وما هي تفاصيل المخطّط إن وجد؟ لأنّ الرأي العام أصبح مرتابا من هذه الروايات بعد حادثة الروحية المختلّة والمتناقضة وبعد انكشاف بعض الأعمال التي حسبت على الإسلاميين وكان بن علي مخطّطا لها ومنفذا لها مثل تفجيرات الساحل أواخر حكم بورقيبة ، المسألة حسّاسة ولا يجب أن يكتفي فيها برواية مسطّحة ومستعجلة ولاسيما أنّ المخابرات لها من أساليب التمويه ما تقدر به على تغيير المسارات حتى في الدول الكبرى.
كأنّكم تشكّكون في الرواية التي قدّمها وزير الداخلية وهو من حركة إسلاميّة والذي أوضح أنّ هدف مجموعة بئر علي بن خليفة هو إقامة إمارة إسلاميّة في تونس، وأيضا أنتم تنفون تورّط بعض المنتمين للتيار السلفي في أحداث عنف؟
أنا لا أدافع عن السلفيين وحزبنا ليس سلفيّا وهذا معلوم لدى الرأي العام ولكنني أتحدّث بوصفي أتعاطى السياسة من موقع الإحساس بالمسؤوليّة فأحاول تنزيل الوقائع منازلها لأنّه أحيانا قد تقال نصف الحقيقة لإخفاء النصف الآخر وقد يُقال الحق ويُراد به الباطل ، أنا لا أبرّئ السلفيّة أو غيرها في واقعة الحال وإنّما أقول الإدانة لا تكفي أن تكون بالإعلام لأنّ الواقع بيّن لنا التوظيف والتزييف حتى بعد الثورة ثمّ إنّ القضاء هو المخوّل الوحيد للوصول إلى الحقيقة في شكلها النهائي ، ثمّ قيل منذ مدّة وقع مسك شبكة لتهريب السلاح من أوروبا وكان ذلك في النشرة الرسمية لأنباء القناة الوطنية ورأينا كميّة هائلة من السلاح ثمّ لم يقع متابعة الموضوع : ما هي الجهة الأوروبيّة التي أوجدت الشبكة وأدخلت كلّ هذا السلاح ؟ لذلك نحن نقول كفا توظيفا للناحية الأمنيّة ولتأخذ الأمور أحجامها وتخرج من التجاذبات السياسيّة.
فالحالة السلفيّة في اعتقادي مفتوحة وليست متجانسة والمشكلة أنّها ليست ممثّلة حزبيّا ولا قياديّا وهذا يجعل التعامل معها إلى حدّ مّا صعب ، فنحن أنفسنا في حزب التحرير نجد في كثير من الأحيان صعوبة في التواصل مع هؤلاء ونجد بعض ردود الفعل المتشنّجة خاصة من صغار السن تصل إلى حدّ التهوّر والتكفير في الصف الإسلامي نفسه ، ولكن عموما ثمّة تيار داخل السلفيّة فيه الكثير من الرشد والوعي ومستعد دوما للحوار وندعوهم إلى تعميم هذا على أبناء الصحوة حتّى لا تصبح موضوعا للانفلات أو التوظيف أو لا قدّر الله بعض الأخطاء الكارثيّة.
الحياة السياسيّة لا تحتمل الفراغ فإذا لم تعمّرها بوعي وفكر وفقه فإنّها ستملأ بمراكمات قد تؤدّي إلى عكس المطلوب وتكثر التهم والالتباسات والشبهات التي يستغّلها الخصوم.
بخصوص تصريحات السيّد وزير الداخلية ، نحن نحاسب السلطة باعتبارها حاكمة والإمام راع وهو مسؤول عن رعيته وحين نتحدّث عن الداخلية أو الاقتصاد أو ما إلى ذلك وإن كان القائمون عليها من النهضة فإنّنا لا نتردّد في المحاسبة لهؤلاء لا بصفتهم الحزبيّة بل بحكم المسؤوليّة والموقع ، وأنا لا أستبعد أنّ حركة النهضة تمارس عليها مؤامرة داخلية وخارجية معالمها واضحة للوصول بها إلى مأزق ومن ثمّ إسقاط التجربة في خطواتها الأولى والإدعاء أنّ الإسلام السياسي عاجز عن قيادة المرحلة وقيادة الأمّة والأصل خاصة وأنّ الداخلية فيها أعماق مجهولة لم تفتح ملفاتها إلى الآن ولم يحاسب رجالاتها ومازالوا من النافذين .
أنتم وكأنّكم بصدد تبرير مقاصد وزير الداخلية الأخيرة بخصوص ما جدّ في بئر علي بن خليفة وتدافعون على حركة النهضة...هل هذا بحث عن الود مع السلطة والحزب الحاكم وهل لذلك علاقة بمطلب تأشيرة العمل القانوني؟
نحن في حزب التحرير لا نُهادن ولا نتزّلف للسلطة أيا كان القائم عليها وواقع الحال دلّ على أنّنا حاسبنا هذه الحكومة على التوجّه العام الّذي لا يفي بمستحق الثورة وكأنّه يُمارس خطأ السابقين ولا سيما في منهجية الدستور المعتمدة والتي غيّبت فيها المرجعيّة الإسلاميّة ثم التوجّه الاقتصادي نحو صندوق النقد الدولي وقد قمنا بوقفات إحتجاجيّة عديدة ضدّ زيارة مديرة هذا الصندوق إلى بلادنا وقلنا إنّ الإصلاح لا يكون بتغيير الأرقام أو الأشخاص بل المنهج وقدّمنا الطرح الإسلامي مفصّلا وقلنا يجب تبني الإسلام بديلا لتحقيق خير هذا الشعب والأمّة عامّة وإلاّ فإنّ هذا الإصلاح سيكون إطالة لأنفاس النظام الرأسمالي المتهالك في الغرب نفسه وكأنّنا بالثورة في تونس قد دُجّنت والتفّ عليها وحركة النهضة تتحمّل مسؤوليّة في الاستعجال في دخول السلطة وفق شروط مجحفة من ذلك القانون الانتخابي الذي يجعلها رهينة أحزاب لا وزن لها شعبيّا ، إضافة إلى عدم الجرأة في تقديم البديل الإسلامي باسمه دون استنكاف.
أمّا تصريحات بعض قياديي النهضة والدكتور المرزوقي في ما يتعلّق بالاعتراف بحزب التحرير فنقول أوّلا رُفضنا في السابق رفضا سياسيّا وهذا ما أكّده الباجي قائد السبسي لوكالة الأنباء الفرنسيّة واليوم كأنّهم يريدون الاعتراف بنا وفق منطلقات سياسيّة لا اعتمادا على الجانب الإداري وهذا دليل على فساد قانون الأحزاب السابق والراهن علما وأنّ هذا القانون في هيئة بن عاشور لم يحقّق حتّى النصاب اللازم للتصويت ودُبّر بليل ، والأصل عندنا أن يكون العمل الحزبي وفق إعلام وخبر لأنّه لا يُعقل أن يختار الحاكم خصومه فيعترف بمن يشاء ويرفض من يشاء.
ثمّ إنّ تصريحات المرزوقي أوحت إلى الرأي العام بأنّنا سنوضع تحت الاختبار والتجربة وهذا مرفوض عندنا لأنّ حزب التحرير حزب عريق وكرامتنا ترفض هذا السياق ونحن الّذين أعطينا ضمانات للأمّة منذ تأسيسنا في أوساط الخمسينات وهي أن لا نستعمل العنف باعتباره مخالفا للطريقة الشرعيّة وليس ترضية لأحد وثانيا حرّمنا الارتباط بالأجنبي ماديا ومعنويّا وثالثا نحن لا نحتكر الإسلام ولا نُكفّر الأفراد وهذا يجعلنا في الموضع السويّ والطبيعي نعلّم غيرنا قبل أن يعلّمنا ثمّ إنّ حزب التحرير موجود في تونس منذ عهد بورقيبة ودفع شبابه من أعمارهم عشرات السنوات من السجن والتعذيب والمنافي وقد شارك أبناؤنا تلقائيّا في هذه الثورة بل منهم من استشهد فكيف يُزايد على حزب التحرير في الاعتراف القانوني به يَُضاف إلى ذلك أنّنا نقدّم بديلا مفصّلا وقدّمنا مشروع دستور دعونا للحوار فيه والنقاش حوله.
ومع ذلك نعتبر تصريح المرزوقي في جزء منه إيجابي وفي جزء منه غامض وملتبس إذ ورد حديثه عن حزب التحرير في سياق العنف والحديث عن حادثة بئر علي بن خليفة ومثل هذا الخلط لا يليق بمن يتعاطى السياسة التي تكمن قوّتها في التفاصيل لا في العموميّات ، ونحن دوما نعمل في العلن ومستعدّون لأيّ إجراء عادي وإداري بلا منّة من أحد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.