فضاء للتكوير الحرّ يؤمنه: الهادي السنوسي عرف التونسي من قديم الزمان وسالف العصر والأوان بقدرته على التأقلم مع كل الأوضاع والاندماج السريع في واقعه المتجدد حتى وإن كان مفروضا عليه. لقد وهبه الله من القدرات الذهنية والمعنوية ما يجعله سريع الهضم للمستجدات ويدفع به الى استنباط الاضافات حتى لا يبقى مجرد مستهلك للأحداث أو خاضع لها باستكانة واستسلام. هذه الميزة تعتبر من الخصال التي تتمايز بها الشعوب والأفراد شرط ان تبقى في دائرة الفعل الايجابي في تصريف المجريات وفي مختلف المجالات.. إلا أن تلك الميزة قد تتحول الى نوع من اللعب على حبال الحياة الجماعية وبالنتيجة شيطنة التصرفات الفردية والجماعية لتدخل في خانة التحيل ومراوغة القوانين والأعراف. لقد لاحظنا ان هذا السلوك الذي عهدناه لدى ممارسي السياسة على وجه الخصوص تحول بفعل فاعل الى المجال الرياضي حيث أصبح مدخلا لكل التجاوزات. ولأن قائمة الأمثلة أطول من شهر الشهار فما بالك بالبطال اكتفي بالاشارة الى القرار الذي اتخذته جامعة كرة القدم باعلانها «الويكلو» بالنسبة الى المقابلات في غياب الجمهور. لقد اتخذ هذا القرار بعد موجة العنف التي اجتاحت ملاعبنا وحولتها الى ساحات وغى...وهذا مفهوم ومعقول ومهضوم. ولكن ما حدث بعد ذلك يثير تساؤلات عديدة لأن «الويكلو» المعلن ادخله البعض الى المطبخ المحلي ليخرج في شكل «صحيّن تونسي» مائة بالمائة!.. كيف ذلك؟ لقد تسنى لنا متابعة عدة مباريات على الشاشة الصغيرة ورأينا بأمهات العيون واخواتها وخالاتها وعماتها الجمهور حاضرا بأعداد مختلفة أي ان «الويكلو» تحول الى نصف ويكلو أو أربعة معناها «ويكلو» بالجمهور وتوابعه! وتوابع ذلك معلومة اذ ساوت او فاقت التجاوزات التي حدثت خلال مقابلات «الويكلو» ما سجلناه في مثيلاتها ذات الأبواب المفتوحة!.. لماذا؟ اسألوا المسؤولين عن التنظيم اولا والحكام ثانيا.. فمن سمح لتلك الجماهير بالدخول الى الملاعب وكيف يغض الحكام النظر عن ذلك الحضور البائن على المدرجات الاسمنتية.. والأغرب من كل هذا ان بعض تلك التجاوزات تمت في حضور مراقبي المقابلات دون أن يحركوا ساكنا وكأن المسألة لا تعنيهم لا من قريب ولا من بعيد! أما الأخطر من كل ماذكرت ان اجتياحات للملاعب من قبل الجمهور حدثت وهي تحت طائلة «الويكلو»!.. فماذا دون الحكم على ورقة التحكيم وكيف برر ما حدث؟.. أشياء يندى لها رأس القلم وصفارة الحكم! متى ندرك ان القرارات والقوانين انما جعلت لتطبق والتطبيق يقتضي الغرامة والتنفيذ وخلاف ذلك يعني التشريع لكل انواع التجاوزات وأشكال الفوضى.. رجاء لا تمرروا (من المرارة) علينا الصحيّن التونسي الذي تعودنا عليه بتمرير صفارة الحسابات خارج.. كل الحسابات.. مثل هذا الصحيّن مرفوض في مطبخنا الأصيل!..