تركة ثقيلة تلك التي تركها التجمع الدستوري الديمقراطي وراءه من ديون و عاطلين عن العمل و عقارات تعد بالآلاف موزعة داخل كامل تراب الجمهورية و باختلاف المدن اختلفت أهمية العقارات من ناحية الحجم و التكلفة المادية اذ لا تجوز المقارنة مثلا بين المقر المركزي الموجود بشارع محمد الخامس و بين بقية المقرات الاخرى على اعتبار الثقل و الرمزية السياسية لمقر شكل لعقود أيقونة الحزب الحاكم و بسقوط النظام ابان احداث 17 ديسمبر مثلت هذه المقرات داخل الوعي الجماعي رمزا لظلم السنوات و بطشها مما جعل أغلبها يتعرض للحرق و التدمير و النهب و بعضها الآخر تحول الى ما سمي ب" دار الشعب " والى" مقرات للجان حماية الثورة " اضافة الى ما صودر بوضع اليد سواء من المواطنين أو حتى من قبل جهات عمومية بتحويل هذه العقارات لمراكز أمنية على وجه الخصوص . " التونسية " حاولت رصد ملف العقارات التي كانت على ملك التجمع في مدينة صفاقس و تحديدا مقر لجنة التنسيق الكبرى التي بنيت في زمن تولي خليفة الجبنياني منصب والي صفاقس بطريقة لا يعلم سرها الا الله و خليفة الجبنياني فالتجمع شكل لعقود كائنا سرطانيا يأخذ و لا يعطي و من ذلك هذا المبنى الذي تقدر تكلفته بمئات الملايين من الدينارات تؤكد استطلاعاتنا أن المواطن البسيط هو الذي تحمل تكاليفه من خلال رفع شعارات من قبيل التبرع اجباري و من خلال ما عرف في ذلك التاريخ بالتبرع بدينار لتأثيث مبنى التجمع مرورا بالشراء التعسفي لبطاقة الانخراط في التجمع . مقر لجنة التنسيق الكبرى لمعرفة مصير هذا العقار كان من الطبيعي البحث عن أصله لمعرفة مالكه الحقيقي فتبين لنا بعد بحث أن ملكية الأرض تعود الى ثلاثة أطراف هي شركة تهيئة صفاقسالجديدة و التجمع الدستوري الديمقراطي و الشركة التونسية للسكك الحديدية قبل أن تحول الدولة هذه الملكية الأخيرة الى ملك عمومي خاص قصد تسهيل التصرف فيها و للإشارة فإن هذا المبنى ينقسم الى جزئين جزء هو مقر لجنة التنسيق و جزء هو قاعة التجمع للمؤتمرات تبين لنا أنه تحت تصرف شركة مستقلة بذاتها مملوكة للتجمع كانت تتولى تنظيم اجتماعات الحزب و تسويغ القاعة لإقامة الأعراس و الحفلات الخاصة وعند بحثنا عن مقر هذه الشركة أبلغنا أن مقرها هو القاعة التي احترقت و بالتالي اندثرت الشركة مع اندثار القاعة و اندثار التجمع غير أن المحير و المثير للاستغراب أنه و في الفترة الموالية لجانفي 2011 كانت لهذه القاعة التزامات مع عدد هام من المواطنين الذين تسوغوا القاعة قصد اقامة أعراسهم هؤلاء وقع تعويضهم بتسويغ قاعات أخرى أو بإرجاع أموالهم . و لمزيد البحث توجهنا الى شركة " الانطلاقة للبعث العقاري " و هي شركة متصرفة في نسبة من ممتلكات التجمع الدستوري الديمقراطي غير أننا لم نلق غير نفي العلاقة بالعقار المذكور مما جعلنا نشعر بأننا ازاء تهمة يتهرب الجميع منها و يخشى الحديث عنها. 12 جانفي 2011 : سقوط النظام في صفاقس بسقوط قلعة التجمع و حرقها سيبقى تاريخ 12 جانفي 2011 محفورا في ذاكرة كل من اختار النزول الى الشارع في مدينة صفاقس ليكون شاهدا على وحشية ردة الفعل الأمنية المبالغ فيها ازاء المحتجين و شاهدا على بداية سقوط الخوف من النظام بسقوط قلعته الحصينة في أيدي المحتجين و من ثم عملية اقتحامها و نهبها و حرقها ثم تدميرها من الداخل باعتبارها رمزا للنظام لتتوالى فيما بعد عمليات الحرق اذ يؤكد الاعلامي بالشقيقة " الصباح " صابر فريخة أن مسلسل الحرق تواصل الى ان بلغ احد عشر حريقا بالتمام و الكمال وهنا نتوقف للإشارة و التساؤل هل كانت كل عمليات الحرق احتجاجا على ممارسات النظام و تشفيا منه ؟ الأقرب للمنطق أن الإجابة هي : لا فخلال معاينتنا المتكررة للمبنى في الفترة الموالية ل 12 جانفي تاريخ أول حريق في هذا المبنى لاحظنا أن عمليات الحرق كانت تندلع فجأة في مكاتب معينة دون غيرها أي أن النية ليست اتلاف المبنى في حد ذاته بل قد تكون اتلاف ملفات ووثائق معينة يخشى أصحابها تسريبها و ما يدعم هذا التصور هو ما يروج حول احتراق جميع الوثائق الموجودة داخل الخزائن المحصنة التي لا يمكن للنار أن تطالها الا اذا وقع فتحها بشكل قصدي و متعمد . و بإحالة الملف الى وزارة أملاك الدولة لحصر ممتلكات الحزب المنحل و تسوية وضعيتها سواء بإرجاع تلك التي هي على ملك خاص لأصحابها أو بعودة التي على الملك العمومي الى الدولة تعود ملكية مبنى لجنة التنسيق بصفاقس الى الدولة و قد علمت "التونسية" أن أكثر من 10 جهات عمومية قدمت طلبات للحصول عليه أو حتى على جزء منه كوزارة الفلاحة ووزارة التعليم العالي و الوزارة الأولى ووزارة الصحة ووزارة الثقافة ممثلة في الهياكل الجهوية بصفاقس غير أن عديد العوائق تحول دون ذلك اليوم أبرزها الجانب المادي الضروري لإعادة إعمار هذا المبنى فدرجة الخراب التي لا حظناها خلال آخر زيارة لنا يوم 17 مارس 2012 لا يمكن تصورها اذ اختفى كل شيء اما بفعل الحرق أو النهب كما نشير الى امكانية تحول المبنى المهجور الى ما لا تحمد عقباه بعد العثور منذ اشهر قليلة على جثة كهل مقتول به اضافة الى ما شاهدناه خلال زيارتنا من علامات على حياة يومية من بقايا أكل حديثة و حشايا للنوم و قوارير خمرية و تجدر الاشارة الى أن السلط المعنية قد بادرت منذ مدة الى اغلاق المبنى بالآجر كما توضح الصور لكننا لم نجد حرجا في الدخول اذ اتبعنا المدرج الذي أعده المتسللون الذين أشرنا اليهم. و بتحولنا الى مستودع السيارات الموجود تحت المبنى لاحظنا أمرا خطيرا يتمثل في تجمع كمية هامة من المياه الراكدة نرى أنها تشكل خطرا على المبنى ان تواصل تجاهلها و تركها على هذا الحال لذا فالسلط المعنية بما في ذلك بلدية صفاقس أو الولاية مدعوة لتحديد مصير هذا العقار من خلال منحه الى جهة معينة أو بجعله مجمعا اداريا أو حتى مقرا للجمعيات التي لا مقر لها أو بتبني فكرة مقر توثيقي لذاكرة الجهة و ان لم يكن فبحمايته من الانهيار و نتمنى أن لا نعود للتذكير بهذا ان حصلت الكارثة التي نخشاها اذ نتوقع أن يتحمل كل شخص مسؤوليته أمام التاريخ و الوطن .