هو ابن سيدي بوزيد، وقبل ذلك هو «تونسي دفعة واحدة، يكتب نشيده بدمه لشهيد كان صوته وفمه». أطلق على نفسه إبان الثورة «القيادة الشعرية للثورة التونسية:هيئة الأركان». هو محمد الصغير بن محمد أولاد أحمد بن علي كما دوّن اسمه في بطاقة التعريف الوطنية، وهو عند سائر التونسيين «الصغيّر أولاد أحمد» الذي يحب البلاد كما لا يحب البلاد أحد. التقيناه في مهرجان المبدعات العربيات في دورته الأخيرة بسوسة ضيفا على نساء الإعلام والشعر والفن التشكيلي من العالم العربي فكان معه هذا الحوار. ماذا تفعل في مهرجان المبدعات العربيات؟ - هذه ثاني مرة أحضر فيها الملتقى، وأنا سعيد بأن كرّرت هيئة هذا الملتقى دعوتي لأكون بين نساء أحبهنّ ويبدو أني محبوب منهنّ أيضا. لماذا أنت دون غيرك؟ - والله لا أعلم، ولكن أغلب شعراء تونس لم ينخرطوا بشكل حاسم في الثورة، ولكني أعرف أن كثيرا من الشابات والشبان كتبوا الكثير حول ما حدث في تونس والبلاد العربية. هل تمت دعوتك بسبب قصيدتك «نساء بلادي»؟ - أكثر قرائي من النساء لا أعرف لماذا ولكني أعتقد أن المرأة تعطينا الدفع لنحسن من أساليبنا، ربما هو نوع من الخبث فقصيدة «نساء بلادي «لا تعرف هل هي مدح لهن أو اتقاء لشرهن. ما جديدك الشعري؟ - لي مجموعة ستصدر قريبا بعنوان «حالات الطريق» و مجموعة مقالات كتبتها في العشرين سنة الماضية وكتاب ثالث هو الأهم بعنوان «يوميات الثورة التونسية» بإسم القيادة الشعرية للثورة التونسية. ما تعليقك على تنحية منصف المزغني من «بيت الشعر»؟ - منصف المزغني قضى 14 سنة في بيت الشعر، والتداول على السلطة يقتضي التغيير، وأعتقد أنه ينبغي الاقتداء بي فأنا قضيت أربع سنوات في «بيت الشعر» وغادرت. هل عرض عليك العودة؟ - أنا لا أعود ، أنا مشّاء إلى الأمام، لو عدت لانخرطت في «النهضة» العودة رجعية، و«بيت الشعر» «متاعي أنا»، بن علي لم يكن شاعرا ، أنا صاحب الفكرة وقد كان أول بيت شعر في العالم العربي كما الثورة التونسية هي أولى الثورات العربية. وأنا أتذكر الآن كتاب «الأوائل» لأبي هلال العسكري فالتوانسة كانوا سباقين في شتى المجالات وإن شاء الله نكون سباقين في الدولة المدنية الديمقراطية، نحن ربحنا ولم ننتصر بعد. زمن بن علي كنت تشارك في تظاهرات «حركة التجديد» دون أي خوف، لماذا غبت بعد الثورة؟ - مع أني أدعم نضالات الأحزاب السياسية ضد التيارات التي تنادي بالرجعية بشكل عام فقد أخذت قرارا بأن لا أقرأ شعري في أي نشاط حزبي، قرأت في تجمعات لجمعيات للمجتمع المدني. وهل عندنا في تونس من ينادي بالرجعية ؟ - الحكومة هي الرجعية ذاتها ، نحن كسبنا الحرية ولم نكسب لا الديمقراطية ولا الثروة ولم نكسب الدولة المدنية، حتى هذه الحرية التي نلناها بتضحيات الشهداء والجرحى يحاولون تقليصها في كل المجالات في القضاء وفي الإعلام وأنا أحيي بالمناسبة الإعلاميين ونضالاتهم. الإعلام في نظر البعض فاسد يجب تطهيره؟ - القول بأن كل من هو ضد الحكومة هو من النظام القديم، هو ضرب من الخبث لأن هذه الحكومة لا تمثل الثورة. هي حكومة منتخبة؟ - لا يقال حكومة منتخبة بل يقال مجلس تأسيسي منتخب وحتى الانتخابات مشكوك فيها أصلا ولكننا اعترفنا بها حتى نضبط أمن البلاد. كيف تقول عن الحكومة بأنها الرجعية ذاتها وفيها حزبان تقدّميان؟ - من قال لك هذا؟ «المؤتمر من أجل الجمهورية» أغلب منخرطيه من «النهضة»، ولعلمك ففي عهد بن علي كانت أحزاب تستظل بأحزاب أخرى حتى لا يحاسبها النظام ، أي أنه يمكنك أن تغادر من «النهضة» إلى «الديمقراطي التقدمي» ثم تعود إلى أصلك بعد زوال الخطر. أما الانتخاب فلا يأتي بالضرورة بحكومة ديمقراطية، الانتخاب طريقة تقنية ونحن نريد النتائج، فهذه الثورة قامت من أجل الحرية والعدالة والكرامة ثم غار عليها السياسيون وتحولت إلى معركة إيديولوجية هل أنت مسلم أو كافر عن طريق المفوضية السلفية لتحويل وجهة الثورة التونسية؟ من فوّض السلفية لتحويل وجهة الثورة التونسية؟ - ما حدث في تونس أمر جلل، الثورة التونسية كانت تلقائية ليست مسيرة من الخارج غير أنه في السياقات الكبرى وفي مراكز القوى العالمية يمكن القول إن الولاياتالمتحدة أرادت أن يحكم الإسلاميون حتى تبعد الإرهاب ، ولكني أقول إن الحكم باسم الدين هو الإرهاب عينه ، ولأغلق الباب دون من يترصّد أقوالي دوّن على لساني «أنا لست ضد الدين كحاجة روحية». لماذا صمتّ في ظل حكومة «الترويكا»؟ - كتبت كثيرا منذ احتراق البوعزيزي وكتبت ضد هذه الحكومة . بصراحة صرت أخشى أن أتجول بحرية في الشوارع كما اعتدت. إلى هذه الدرجة؟ - نعم، المشكلة أنه في ما مضى كان هناك وزير ومدير وشرطي يمنعونك كلّ في فضائه. أما الآن فمواطن آخر يمنعك بالقول وبالضرب وهذه أمور منظمة إذ يبدأ الخطاب من أعلى من القادة و«الشباب» بعبارة الشيوخ ينفّذون ما يقوله القادة كما حدث ضد الإعلام والسينما. «النهضة» قامت بمراجعة عميقة سنة 1995؟ - فصارت أكثر رجعية وتشددا، خطابات «النهضة» يناقض بعضها البعض الآخر والتالي يكذّب اللاحق، ومع ذلك لست خائفا لأن الحرية كلّية ولا تقبل التفرقة أو التجزئة، وأنا مع دولة القانون. هل «النهضة» قادرة على الفوز مجددا؟ - «النهضة» لم تفز بأكثر من 18 في المائة في انتخابات 23 أكتوبر فرغم المال السياسي لم يفز أي حزب بأغلبية مطلقة والتوانسة قادرون على صيانة ثورتهم ولكني أخشى من إسالة دماء كثيرة فالعنف اللفظي تحول إلى عنف جسدي طال النساء والرجال والسينمائيين والصحافيين والكتاب أي أن النخبة مستهدفة وآمل أن لا نمرّ بما مرت به الجزائر. هذه نخبة علمانية كافرة في نظر البعض والشعب مسلم يريد تطبيق الشريعة؟ - أنا لم أر آية قرآنية واحدة أو حديثا نبويا واحدا رفعه المتظاهرون خلال الثورة التونسية التي دامت 29 يوما. إن هذه الثورة مدنية سلمية وهي ثورة شعرية بدأت ببيت للشابي «إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر» تحول إلى شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» وصل إلى مصر واليمن، والثورة مثل كل عمل فني بصدد بناء نفسها تكتب وتشطب وتعيد الكتابة. أغلب الثورات كانت مغدورة ولا بد من زمن ، وثورتنا لا نتحكم فيها بمفردنا، هناك أمريكا والجيران. ما موقفك من مبادرة الباجي قائد السبسي؟ - أنا كتبت قبله نفس الأفكار، وقلت على هذه الحكومة أن تحدد موعدا زمنيا للانتخابات فهذه الحكومة شرعيتها تنتهي يوم 23 أكتوبر القادم، وكوني ألتقي مع الباجي قائد السبسي في هذه الأفكار لا يعني أني لا أطالب بمحاسبة النظام البورقيبي كله والاستفادة أيضا من إيجابياته. هل أنت مع إقصاء سائر التجمعيين من الحياة السياسية كما تنادي بعض الأطراف اليوم من داخل «الترويكا»؟ - كنا في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة أقصينا رموزا من «التجمع» من الترشح ومن الواضح الفرق بين حرمانهم من الترشح وحرمانهم من المواطنة. أنا أرى مكانا شاغرا لحزب الشباب التونسي الذي قام بالثورة حتى يحدث توازن في الخارطة السياسية ، الموقف من التجمعيين يخفي معركة سياسية وحسابات كل الأطراف. هل تفكر في الترشح في انتخابات برلمانية قادمة؟ - ربما. ما رأيك في المرزوقي رئيسا؟ - أنا أعرفه منذ الثمانينات، عملنا معا في جريدة» الرأي» هو أعانني كطبيب إذ منحني شهادة لأرتاح وأكتب ، سياسيا أشعر بأنه أسير لحركة «النهضة»، والمفروض أن يبني خطابا لنفسه لا أن يتهجم على الإعلام والمعارضة والمجتمع المدني وعلى القيم الحداثية التي كان يطالب بها والتاريخ لا يرحم، والشعب التونسي لن يسكت مستقبلا على رئيس أو وزير أو شيخ.