يكتبها: أبويوسف تكاثرت عمليات سبر الآراء واستطلاعات الرأي وتعددت أنواعها ومصادرها حتىّ أنّنا نقف أحيانا مشدوهين أمام بعض نتائجها التي تجانب الواقع ولا تعكس الحقيقة المعاشة ولكنّها قد تنطلي على العديد من المواطنين الذين لم يتعوّدوا على مثل هذه التقييمات ولا على هذه الجداول الإحصائية ولا على هذه النسب المائوية ذات المدلولات المتعدّدة. إنّ عمليات سبر الآراء تعتمد على معايير علمية وإحصائية وهي أداة من أدوات البحث التي تعتمد أيضا على المقابلات الفردية والجماعية لإضفاء المزيد من الدقّة على الدراسة المراد إنجازها. ولا تستقيم عملية سبر الآراء إذا لم تلتزم بمقتضيات المناهج العلمية المعتمدة وإذا لم تنجز من طرف مكاتب متخصّصة. ودون الخوض في المسائل التقنية المعقّدة يمكن تلخيص المنهجية في النقاط التالية: 1 تحديد الموضوع بكل دقّة مثل نوايا الاقتراع أوالثقة في الأحزاب السياسية، 2 ضبط الأهداف، 3 تحديد الفئة أوالفئات المستهدفة: الشباب، النساء، الناخبون.... 4 صياغة الأسئلة التي يمكن أن تكون مغلقة أي لا تتطلب إجابة محدّدة بنعم أولا مثلا وهي الأكثر استعمالا أ وأن تكون مفتوحة من نوع ماذا تقترح لتطوير قطاع كذا... 5 تحديد حجم العينة ثم سحبها، وتكمن الصعوبة في تحديد العينة بكلّ دقّة بالاعتماد على إحصائيات المعاهد المختصة مثل معاهد الإحصاء وهي الوحيدة التي تقوم بعمليات التعداد العام للسكان والسكنى وتعمل على تحيينها بصفة دورية من خلال إسقاطات تعتمد أساسا على مؤشرات الخصوبة والوفيات، والعيّنة يمكن سحبها بطريقة عشوائية وهي الأكثر دقة في تمثيل المجتمع الإحصائي غير المتجانس وتعتمد طريقة الحصص Méthode des quotas وفي هذه الحالة يجب أن تكون ممثّلة لجميع الأصناف أي النوع الاجتماعي(ذكر أو أنثى) والفئات العمرية والجهات والنشاط(تلميذ، طالب، مشتغل، عاطل عن العمل،...) والوسط(حضري أوغير حضري)، وبقدر ما تكون قاعدة العينة عريضة ودقيقة بقدر ما يكون هامش الخطإضئيلا. ويعتبر الاتّصال المباشر أفضل طريقة لتنظيم سبر آراء وبالتالي فإنّ مدّة الإنجاز تكون أطول والكلفة تكون أكبر. لذلك فإنّ اغلب العمليات أصبحت تنجز بواسطة الهاتف مما يجعل احتمالات الخطإ أكثر شيوعا ولكنّها أقلّ من استعمال الانترنت في انجاز مثل هذه العمليات. إن عمليات سبر الآراء المتعلّقة خاصّة بالحياة السياسية لا تخلومن مغالطات مقصودة ومن أهداف مخفية لتزييف النتائج لصالح جهة ما إنّما المراد بها توجيه الرأي العام في اتجاه معيّن من خلال تقديم جملة من الاستنتاجات لمحاولة إقناعه بوجاهة المقاربة المعتمدة من طرف القائمين على الشأن العام بالبلاد أوبأهلية شخصية سياسية بقيادتها في الفترة القادمة وإبرازها كمنقذ من الأوضاع المتردّية. وقد حصل وأن أخطأت كبرى معاهد سبر الآراء في العالم في تقييماتها للأوضاع السياسية والاجتماعية وفي تقديم نوايا التصويت أو النتائج الأوليّة لانتخابات ما وشكّل صعود اليميني المتطرّف «جان ماري لوبان» إلى الدور الثاني في الانتخابات الرئاسية الفرنسية في شهر أفريل 2002 على حساب مرشّح اليسار «ليونال جوسبان»، في حين لم تعطه «تكهّنات» المعاهد المختصة أي أمل في ذلك. فكانت أكبر نكسة لهذه المعاهد المختصة. وإذا كانت هذه المعاهد تعتمد المناهج العلمية الحديثة في تنظيم عمليات سبر الآراء والتي تحتمل هامشا من الخطإ قد يصل إلى 3 بالمائة قد وجدت نفسها في بعض الأحيان في «بنك الاتهام» فما بالك بمن يكتفي بوضع سؤال أو جملة من الأسئلة على موقعه ثم يعتمد نتائجها في التحاليل وأحيانا في إنجاز الدراسات ليخرج علينا باستنتاجات تفتقد إلى المصداقية و«يسوّقها» على أنّها ذات صبغة علمية، كما أنّ وسائل الإعلام لا تتوانى أحيانا في تقديم مثل هذه النتائج والاستنتاجات دون قراءة نقدية وهوما يتسبّب في إرباك المشهد العام بالبلاد ويضفي المزيد من الضبابية عليه. إنّ عمليات سبر الآراء واستطلاعات الرأي هي بمثابة المحرار لقياس درجة الرضا من عدمه وتقديم صورة أقرب ما تكون للواقع وللحقيقة تساعد على مواكبة التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية شريطة الالتزام بالقواعد المهنية وشروط المصداقية والضوابط الأخلاقية. وفي ظلّ العشوائية التي أصبحت تميّز مثل هذه الاستطلاعات فقد بات من الضروري وضع إطار قانوني ينظّمها وإنشاء هيئة تشرف عليها من أجل منع التلاعب بها ووضع شروط لصناعة عمليات سبر الآراء واستطلاعات الرأي وبثها واستغلالها.