بقلم: ظافر الصغير (كاتب عام النقابة الأساسية للتعليم الأساسي ببن عروس) وجهت وزارة التربية منشورا إلى كل المؤسسات التربوية تحت عنوان «على درب إصلاح المنظومة التربوية» تطالب من خلاله المعلمات والمعلمين المشاركة يوم 18 جوان 2012 في الاستشارة الوطنية لإصلاح التعليم وذلك بالإجابة على الثلاث الأسئلة التالية: 1- ما رأيك في التعليم في تونس؟ (الإيجابيات - السلبيات - المقترحات). 2- ما رأيك في التعليم الابتدائي؟ (الإيجابيات - السلبيات - المقترحات). 3- المدرسة الابتدائية: ما رأيك في مدرستك؟ الظروف المادية والبيداغوجية والعلائقية..؟ (الإيجابيات - السلبيات - المقترحات). إن كل متتبع للشأن التربوي لا يمكن أن يستنتج إلا عدم جدية وزارة التربية وذلك للأسباب التالية: - لماذا تنظيم هذه الاستشارة في هذا الظرف بالذات والمعلمات والمعلمون بصدد القيام بالامتحانات واصلاحها وتنزيل الأعداد؟ - لماذا حددت وزارة التربية الأسئلة التي يجب الإجابة عليها؟ وهل يختلف اثنان في عملية دمار التعليم والقضاء الممنهج على الفكر البشري خلال العهد البائد.؟ - لماذا تتحمل وزارة التربية مسؤولية غيرها فهل أن مسؤولية تدني أداء المنظومة التربوية مسؤولية وزارة التربية بمفردها؟ - هل أن النهوض بواقع التعليم يتم بشكل شمولي؟ - هل أن نفس العوائق التعليمية توجد بجميع المؤسسات ولجميع المتعلمين؟ - لمذا حددت وزارة التربية أسئلة تطالب المعلمين بالإجابة عنها؟ هل هي رغبة حقيقية في الإصلاح أم لاستجداء شرعية من المعلمين لعملية الإصلاح المحددة مسبقا من طرف وزارة الإشراف؟ كل هذه التساؤلات مشروعة لأن التجارب علمتنا أن كل الاستشارات التي تمت سابقا هي مجرد مسرحية سيئة الإخراج لإضفاء شرعية على مشاريع مستوردة ولكن نفس السلوك الارتجالي تواصل ما بعد الثورة خاصة إذا تتبعنا تصريحات بعض المسؤولين بوزارة التربية، ففي أحد التصريحات لمسؤول بالوزارة أعلن الشروع في تطبيق نظام الحصة الواحدة ناسيا أو متناسيا بأن تطبيق هذا الإجراء يتطلب أن تكون بكل مدرسة ابتدائية قاعة لكل قسم وهذا غير متوفر. إن المطلب الذي رافق ثورة شعبنا هو أن يتمتع أبناء شعبنا بتعليم وطني وشعبي وديمقراطي: وطني أن تساهم في صياغة مناهجه قوى وطنية بما في ذلك المعلمون عبر هياكلهم النقابية وشعبي أي أن يشمل التعليم كافة الفئات الشعبية وديمقراطي أي أن نوفر نفس الظروف لجميع أبناء الشعب وعلى جميع المستويات. إن تحقيق هذا المطلب الشعبي لن يتحقق دون مراجعة جذرية للمنظومة التربوية وبمشاركة جميع الأطراف المتدخلة في العملية التربوية لأن الأسباب الأساسية لفشل المنظومة التربوية في اعتقادنا متداخلة ومتشعبة منها ما هو سياسي وما هو اقتصادي إضافة إلى ما هو اجتماعي وثقافي دون أن ننسى الظروف الصحية للمتعلم وكذلك بعض الإصلاحات البيداغوجية الضرورية. إن الشرط الأول للإصلاح الحقيقي هو الإرادة السياسية مما يتطلب القطع مع المناهج السابقة والتي استوردها النظام السابق تطبيقا منه لإملاءات المؤسسات المالية العالمية والتي تهدف إلى سلعنة التعليم وتحويل قطاع التعليم إلى مجال للاستثمار. ونقول هذا ليس من فراغ بل بناء على وقائع ملموسة فباستثناء اصلاح 1958 فإن بقية الإصلاحات التي شهدتها المنظومة التربوية في تونس سبقتها تحولات في التوجهات الاقتصادية في العالم. فإصلاح 1991 سبقه شروع تونس في تطبيق برنامج الإصلاح الهيكلي سنة 1986 الذي يعني انطلاق تخلي الدولة عن القطاع العام والإصلاح الأخير سنة 2002 سبقة إمضاء الدولة التونسية على اتفاقية الشراكة في إطار منطقة التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي.. هذا ما يؤكد أن الإصلاحات الكبرى للمنظومة التربوية تحمل في طياتها أبعاد اقتصادية أي خدمة للرأس المال الأجنبي. إن الإصلاح الجاد يتطلب اليوم مراجعة التنمية بين الجهات وذلك لأن الجهات التي لديها نسبة أميّة مرتفعة أو تدنّ في مستوى تعليم متساكنيها هي التي لديها نسبة بطالة مرتفعة وهذا ما يؤكد أن أكثرية العائلات غير قادرة على مجابهة مصاريف الدراسة مما يدفعها إلى عدم إلحاق أبنائها بالمدرسة أو تشجيعهم على الانقطاع المبكر لذا فعلى السلطة القائمة ما بعد الثورة أن تدفع من أجل المحافظة على مجانية التعليم ومساعدة العائلات المفقرة. كما أن الإصلاح يتطلب التدخل على المستوى الاجتماعي حيث تفيد الأرقام الواردة بإحصاء 2004 أن المناطق التي بها نسبة أمية مرتفعة تعيش أكثرية عائلاتها ظروفا اجتماعية صعبة حيث أنه في بعض المناطق تعيش 12٪ من أسرها في غرفة واحدة. كذلك نسب امتلاك الماء والكهرباء مازالت متدنية إلى جانب نسب امتلاك الحاسوب فهي تتراوح في المناطق الداخلية بين 1٪ و3٪ . هذا من جهة أما من جهة أخرى فإن نسبة الطلاق المرتفعة اليوم في تونس تعكس توتر العلاقات الاجتماعية داخل الأسر وهذا ما ينعكس سلبا على تعلم أبناء شعبنا مما يتطلب فعلا تدخل وزارة الشؤون الاجتماعية لفض بعض المشاكل والمساهمة في النهوض بواقع التعليم. ومن بين أسباب تدني أداء المنظومة التربوية الجانب الثقافي السائد في بعض المناطق والمتمثل في «تقرا ما تقراش المستقبل ما ثماش» هذه المقولة تعكس جريمة النظام السابق في تدمير قيمة العلم وأصبحت ثقافة سائدة في بعض الأوساط. كما أن الأرقام الرسمية تفيد أن نسبة الأمية في أغلبية المناطق الداخلية مرتفعة بالنسبة للفتيات وهذا ما يعكس العقلية الذكورية السائدة في هذه الأوساط ما يتطلب تجريم حرمان أبناء الشعب من التعليم مهما كانت الأسباب إلى جانب ضرورة القيام بحملات توعية في الغرض. ومن بعض أسباب تراجع أداء المنظمة التربوية الظروف الصحية للمتعلمين التي تعيق تقدمهم في التحصيل المعرفي وخاصة أمام ارتفاع كلفة العلاج مثل ضعف البصر أو النقص في السمع وهذا ما يتطلب تدخل وزارة الصحة لمساعدة هؤلاء المتعلمين إضافة إلى أن إدماج المعوقين بالمدارس الابتدائية يعتبر خطأ فادحا وأضر بالمنظومة التربوية لأن الدول التي أحرزت تقدما ملحوظا في التعليم لم تدمج المعوقين مع الأسوياء بل تقدمت أكثر من ذلك حيث ترفض إبقاء المتعلمين الذين يشكون من صعوبات في التعلم بالمدارس العامة بل تلحقهم بمراكز خاصة لمزيد العناية بهم على المستوى الاجتماعي والصحي والنفسي. أما من الناحية البيداغوجية فتتحمل وزارة التربية المسؤولية الكبرى في البرامج والمحتويات وظروف العمل وانتداب المدرسين وإطار الإشراف وإطار التسيير والتقييم والزمن المدرسي والمواد المدرسة.. كل هذه العناصر تتطلب مراجعة جذرية وسنتولى التطرق إليها في فرص أخرى. إن مسؤولية إصلاح التعليم هي مسؤولية كل مكوّنات المجتمع باعتبار أن التعليم أداة لإعادة إنتاج المجتمع ولكي لا تتفرد السلطة السياسية بهذا المجال فإن من واجب كل الأحزاب والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني المشاركة في رسم برنامج إصلاح التعليم إلى جانب وزارة التربية حتى نضمن تعليما جيدا ومجانيا لكافة أبناء الشعب.