التحرّكات الشعبية المساندة لكفاح الشعب الفلسطيني أفرزت دعاية النخبة التونسية خاصة الأوساط الزيتونية الى تحرّكات شعبية متنوعة منها بالخصوص: إضرابات ومقاطعة التجار اليهود التونسيين: وقع الإعلان عن قرار التقسيم الأممي في 29 نوفمبر 1947 فبادر الجامع الأعظم وفروعه بإعلان الإضراب العام مع دعوة تجار العاصمة الى غلق المحلات بالعاصمة وجل مدن الإيالة. أمّا إضراب طلبة جامع الزيتونة فقد انطلق يوم 12 أكتوبر 1947 وتواصل الى حدود 4 ديسمبر 1947. كما أضرب فرع جامع الزيتونة بصفاقس يوم 2 ديسمبر 1947 وكذلك فرع الزيتونة بالقيروان منذ 3 ديسمبر وفرع الزيتونة بسوسة ومساكن يوم 4 ديسمبر من السنة نفسها. انطلقت عملية مقاطعة التجار اليهود بتونس مع اندلاع الإضرابات التي صاحبت الإعلان عن تقسيم فلسطين. كانت المقاطعة شاملة بمختلف مناطق الإيالة التونسية وقد كان شعار الأوساط الزيتونية «مقاطعة اليهود الصهاينة على جميع الأصعدة». كما ساهم الحزب الدستوري الجديد في هذه الحركة وخاصة بعض تنظيماته على غرار الشبيبة الكشفية التابعة له رغم توصيات الأمين العام صالح بن يوسف بملازمة الهدوء. وقد كان شباب الدستور الجديد يعترضون الوافدين على المدن فيحثونهم على عدم التعامل مع اليهود بأي شكل من الأشكال. تعود المقاطعة لا لأسباب دينية أو عرقية بل للمساندة المطلقة لكل يهود تونس للمشروع الصهيوني وتدعيمه بكل الطرق خاصة جمع التبرّعات وإيصالها الى المستعمرين اليهود بفلسطين. ساند اليهود بكل فئاتهم خاصة الأغنياء منهم على غرار التجار ماديا مشروع الاستيطان وبحكم حسن تنظيمهم الذي كان سندا ناجعا للصهاينة وقد ذكر المرحوم عبد العزيز العروي في أحد أسماره أن يهود تونس كانوا لشدة مؤازرتهم للمشروع الصهيوني يشرّكون حتى صغارهم في ذلك فيضع هؤلاء بعضا من مصروفهم اليومي في حقة نقودهم «الشقاقة» وعند امتلائها يسلمونها الى آبائهم وبدورهم يوصلونها الى لجان التبرع المدعمة للمشروع الصهيوني. لكل هذه الأسباب وللغيرة على أرض عربية إسلامية مقدسة كان إصرار التونسيين على المقاطعة كبيرا لا سيما التجار رغم ما يمكن أن تؤول إليه هذه العملية من تقلص أرباحهم. لقد تفطن التونسيون رغم ظروفهم الصعبة نتيجة استفحال الاستغلال الاستعماري بعد الحرب العالمية الثانية الى أهمية هذه التبرعات وقد أكد على ذلك الشاذلي بن القاضي في كلمته بجامع الزيتونة في 5 ديسمبر 1947 حيث قال: «إن دعمنا يعتمد أساسا على الإعانات المالية الواجب تقديمها الى إخواننا في نضالهم، وقد أكد لي سيدي الأمين الحسيني بأن اليهود في فلسطينالمحتلة جمعوا سبعين مليون قطعة ذهبية وأن المسلمين الذين يفوق عددهم 400 مليون نسمة يجب عليهم جمع على الأقل ضعف هذا المبلغ خاصة أن الإسرائيليين لا يمثلون سوى 12 مليون نسمة مشتتين في دول العالم». ولئن ساهمت المنظمات والأحزاب التونسية على غرار الدستورين القديم والجديد في التبرعات إلا أن الدور الفعّال اضطلع به الزيتونيون خاصة الصادق بسيّس والشاذلي بن القاضي والحاج الطيب التليلي الذي جمع بين تونس وجربة 155٫400 فرنك أجبرته سلط الحماية على تسليمها لكنه لم يسلم إلا 22٫300 فرنك. كما ساهم الاتحاد العام التونسي للشغل رغم حداثته (تأسس في جانفي 1946) في جمع التبرعات بلغت 50٫000 فرنك. وجمع قدماء المعهد الصادقي من جهتهم التبرعات لفائدة القضية الفلسطينية. وهكذا بلغت التبرعات التي أرسلتها مختلف التنظيمات التونسية حسب ما أعلنه مكتب المغرب العربي في أكتوبر 1948: 5٫22 مليون فرنك إضافة الى مليونين تم إرسالهما الى اللجنة المالية بجامعة الدولة العربية فيكون مجموع تبرعات التونسيين لفائدة إخوانهم الفلسطينيين 7٫22 مليون فرنك. يتبع