أكد المؤرخ عمير علية الصغيّر أمس أن دعم الشعب التونسي وتأييده للقضية الفلسطينية اتخذ أشكالا إعلامية وسياسية وشعبية وقتالية، موضحا أن وعي قادة حركة التحرّر الوطني التونسي تمثل في أن نصرة فلسطين هي انتصار لتونس. وأشار الباحث عميرة الصغيّر خلال محاضرة بعنوان «التونسيون والقضية الفلسطينية (1920 1948) في مقر المعهد العالي لتاريخ الحركة الوطنية الى أن حرص الساسة التونسيين وأصحاب الأقلام الوطنية انصبّ على التفريق بين اليهودية كدين والصهيونية كإيديولوجية. وقال الباحث ان القضية الفلسطينية لم تحظ في عشر ينات القرن المنصرم باهتمام كبير لدى النخبة في تونس نظرا لضعف التيار الصهيوني في البلاد ولقلة الأحداث الكبرى القادرة على شدّ انتباه الرأي العام في تونس، غير أن الصحافة التونسية كانت تزخر آنذاك بمقالات ترفض الاستعمار الانقليزي وانحياز المندوب البريطاني للحركة الصهيونية العالمية. وأضاف أن أحداث البراق في عام 1929 شكلت بداية تجسيد التضامن التونسي مع القضية الفلسطينية، حيث انطلقت حملة تبرعات لنجدة المقاومين أشرف عليها مناضلون دستوريون أثمرت أموالا (لم يحدّدها المحاضر) ومبالغ مالية أخرى قدّرت ب100 جنيه استرليني حوّلت لحساب رئيس اللجنة الفلسطينية العربية بالقاهرة وصاحب جريدة «الشورى» محمد علي الطاهر. وأبرز المحاضر أن اللجنة التنفيذية للحزب الحر الدستوري وبعض شعبه أرسلت برقيات تنديد للحكومة البريطانية والمنظمة الأممية بسياسة لندن المحابية لليهود في فلسطين. 22 دورية صهيونية وفي تطرّقه الى العشرية الثالثة من القرن الماضي، اعتبر الصغير أنها كانت حبلى بالتحركات التضامنية مع القضية الفلسطينية خاصة وأنها اقترنت بتكثيف الهجرة اليهودية لفلسطين وتسلّح العصابات الصهيونية من جهة، وازدياد نشاط التيار الصهيوني في تونس من جهة أخرى. وأبرز في هذا الاطار أن تونس عرفت خلال فترة الثلاثينات صدور أكثر من 22 دورية صهيونية تبث الدعاية لفائدة المشروع الصهيوني وتجمع الدعم المالي لفائدته يضاف لها التأييد الفكري الذي وجدته من الاشتراكيين الفرنسيين وصحفهم مثل «Tunis socialiste» وأوضح ان مجابهة الخطر الصهيوني المتفاقم تراوحت بين المشادات مع الاطراف اليهودية المتصهينة التي وصلت الى حدّ إطلاق الرصاص وسقوط القتلى (حادثة فيكتور ديدي بصفاقس 2571937) وبين المقاومة الفكرية التي انبرت تردّ على الدعاية الصهيونية وتفند إدعاءاتها في حقها في فلسطين وترفع عنها اية قيمة انسانية معتبرة إياها حركة عنصرية اجرامية تنتهك حق الشعب الفلسطيني. وذكر المحاضر ان هذه التحرّكات أفضت الى إلغاء زيارة القيادي الصهيوني فلاديمير جايتنسكي الى تونس في 17 مارس 1932 وافشال عرض الفيلم الصهيوني «ارض الميعاد» بقاعة الكوليزي يوم 1 جانفي 1938، كما اثمرت حملة جديدة لجمع التبرعات بلغت نحو 250 ألف فرنك فرنسي في عام 1937. وتابع الأستاذ علية ان تحركات الثلاثينات شكّلت لبنة نضال شعبي وسياسي وكفاحي خلال مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، لاسيما وقد تزامنت مع قرار التقسيم الأممي في 29111947 والاعلان عن تأسيس دولة اسرائيل في 14 ماي 1948. وأوضح المحاضر انه اضافة الى الاضرابات التي عمت العاصمة تونس وصفاقس والقيروان وسوسة ومدنين وقابس فإن التونسيين قرروا استجابة لنداء الجمعيات الداعمة لفلسطين والشباب الزيتوني والكشفي، مقاطعة التجار اليهود ومحلاتهم وقاعات السينما التي تعود اليهم وكل مؤسساتهم وشركاتهم والبدء في حملة تبرعات ثالثة جمعت ما يزيد عن 7 ملايين فرنك لفائدة المقاومين والمتطوعين العرب الذين هبوا لنجدة فلسطين. المتطوعون التونسيون وفي حديثه عن التطوّع للحرب مع الفلسطينيين أشار علية الصغير الى أن العدد الجملي للمتطوعين بلغ 3 آلاف تونسي، الى حد جويلية1948. وأفاد في هذا الصدد أن المتطوّعين كانوا من فئات اجتماعية واقتصادية ومن شرائح عمرية مختلفة الأمر الذي يفسّر حقيقة المد التضامني للقضية الفلسطينية. وأوضح أنه على الرغم من هذا الرقم المعتبر فإن العشرات منهم فقط حاربوا في صف المتطوّعين العرب باعتبار أن الاخرين حالت دون وصولهم الى فلسطين العديد من المصاعب والعراقيل. ونقل المحاضر عن مصادر فرنسية رسمية استشهاد 11 متطوّعا بعد دخولهم مع الفرقة الاولى التونسية الطرابلسية الى بيت لحم ومقارعتهم للعدو الصهيوني خلال النصف الاول من شهر جوان. وشدّد الباحث على أنه رغم الزخم المتنوّع للكفاح التونسي والتأييد الوطني لفلسطين فإن الساسة وقادة حركة التحرر بتونس أكّدوا على ضرورة الفصل والتمييز بين اليهودية والصهيونية وأنه لا يصحّ استهداف التونسيين اليهود البتة وأن الانتصار لفلسطين هو انتصار لتونس. وخلال نقاشاتهم للورقة، استهجن المتدخلون تجاهل الفرقاء الفلسطينيين لهذا التاريخ النضالي العربي المشترك والتفاتهم الاحادي للمصالح الحزبوية الطائفية معتبرين ان نفس الحواجز «العربية» التي تمنع المتعاطفين من كافة أصقاع العالم من مدّ العون للفلسطينيين لا تزال قائمة الى حد اللحظة.