غريب أن يأتي هذه الأيام تأكيد مخبري علمي عن وفاة ياسر عرفات لما كنت كتبته على الصحف والمواقع العربية بعد أيام قليلة من وفاة أبوعمار. فقد كشفت قناة الجزيرة بأن معهد لوزان السويسري برئاسة الدكتور (فرنسوا بوشيد) أكد وجود كمية من مادة البولونيوم الإشعاعية في جسم ياسر عرفات من خلال الملابس وبقايا الإفرازات التي تسلمها المعهد وأكد أن هذه المادة المشعة لا توجد عادة سوى لدى المتعاطين معها في المفاعلات النووية. على إثر وفاة الشهيد أبو عمار في المستشفى العسكري (بيرسي) بباريس منذ ثماني سنوات نشرت لي بعض الصحف العربية مقالا مفاده أن ياسر عرفات توفي مسموما بفعل فاعل والإشعاع القاتل هو أقرب الإحتمالات ونشر الصحفي الإسرائيلي صديق الشعب الفلسطيني وصديق أبو عمار (أمنون كابليوك) في نفس الأسبوع مقالا يؤكد نفس الأمر. وخلال شهر ماي الماضي إلتقيت المناضل الوزير كبير المفاوضين الفلسطينيين د. صائب عريقات في مجلس الصديق المشترك سعد الرميحي سكرتير صاحب السمو أمير دولة قطر وقلت له بحضور جمع من المثقفين والإعلاميين القطريين منهم د. محمد صالح المسفر وبحضور الصديق سفير فلسطين بالدوحة منير غنام قلت لصائب عريقات: « لماذا لم تواصل منظمة التحرير وحكومة السلطة مهمة وواجب البحث عن حقيقة إغتيال أبوعمار؟ وماهي المعلومات التي لديكم وهل هي مقنعة ؟ وسألني عما يمكن أن أضيفه في هذا الأمر؟ فقلت له: لقد نصحت الزميل منير غنام منذ سنة ونصف أن يبلغ الرئيس محمود عباس أن يحتاط في نشاطاته ومؤتمراته الصحفية من (فلاش) المصورين لأن إحدى وسائل القتل المستحدثة لدى بعض مختبرات المخابرات هي ضخ كمية قاتلة من الإشعاع النووي بدقة مهنية مجربة عبر (فلاش) ضوئي معد للغرض ومحمل بمادة البولونيوم في شكل عملية تصوير تبدو عادية جدا. وقلت له بأن فرق الأمن الخاصة بحماية الشخصيات في بلدان أوروبية عديدة أصبحت تمتحن وتجرب كل أجهزة التصوير والإضاءة والتقاط الصوت في مناسبات اللقاءات بين الشخصيات ووسائل الإعلام. وهو عمل إحتياطي أصبح روتينيا. وأضفت قائلا لصائب عريقات: لقد إكتشف أطباء (مستشفى برسي) نصف الحقيقة في التقرير الصادر على إثر الوفاة يومي 9 و11 نوفمبر 2004 بتوقيع كبير الأطباء (د. كريستيان إستريبو) حين أكد التقرير عدم التوصل إلى سبب بيولوجي للوفاة مع الإقرار بأن صفائح الدم تغيرت توازناتها العادية بصفة فجئية وهي ظاهرة نادرة وغير معروفة وليست لها أعراض محددة لكنها تؤدي إلى الوفاة المبرمجة. وسبق لي في نوفمبر 1999 أن تحادثت مع المناضل خالد مشعل حين أبعد من الأردن واستقر بالدوحة (و خالد تكوينه الجامعي علمي وكيميائي) وحدثني عن محنته الشخصية وعن بعض المعلومات عن ابتكار الموساد لوسائل اغتيال جديدة وغامضة وغير مسبوقة (تذكروا قضية المبحوح في دبي) ثم كان لي لقاء مع أحد خبراء الطاقة النووية المهندس في معهد (ألتران) الفرنسي للتكنولوجيا النووية د. هاني مسوري فأكد لي أنه يمكن إرسال الإشعاع بمادة البولونيوم عن بعد وبدون الحاجة إلى حقنها أو إطعامها للهدف البشري المقصود. ولا بد أن أذكر حدثا آخر له علاقة بإغتيال أبو عمار وهو أن أحد كبار المسؤولين في وزارة خارجية دولة أوروبية كبرى تربطني به علاقة قديمة أسر لي بما قاله وزير خارجية الولاياتالمتحدة الأسبق في عهد بوش الإبن الجنرال كولن باول لوزير خارجية تلك الدولة حين زارها في خريف 2003. سأله الوزير الأوروبي عن موقف واشنطن من ياسر عرفات وأريال شارون فقال باول: إنهما معا يشكلان عقبة أمام الحل الأمريكي ويجب أن يغادرا السلطة. ونعرف بعد ذلك كيف غادر الإثنان السلطة وحين سمعت بالجلطة الشارونية لم أفاجأ. ثم إن أحد الصحفيين المقربين من شارون أصدر كتاب مذكرات عن شارون وقال فيه أنه خلال لقاء بين بوش الإبن وشارون قال الرئيس الأمريكي لرئيس حكومة إسرائيل: إن عرفات هرم وسيتكفل الرب بنهايته فرد عليه شارون حسب الصحفي: علينا مساعدة الرب قليلا. حين أذكر إغتيال أبو عمار رحمة الله عليه أتذكر أن أعراض الأمراض المفاجئة التي أزهقت أرواح ثلاثة زعماء عرب لا تختلف كثيرا عن أعراض البولونيوم الذي قتل ياسر عرفات (والله أعلم) وهؤلاء الزعماء هم جمال عبد الناصر الذي توفي يوم 28 سبتمبر 1970 وطالب نجله عبد الحكيم بفتح تحقيق في أسباب وفاته ! ثم هواري بومدين الذي توفي في 27 سبتمبر 1978 ثم الملك حسين الذي وافاه الأجل يوم 7 فيفري 1999 مباشرة بعد تعديل مسألة ولاية العهد ! وهؤلاء ستبقى أسباب وفاتهم رحمهم الله غير واضحة بل مسجلة ضد مجهول. واليوم حين تفتح قناة الجزيرة هذا الملف الذي أرادت عديد الأطراف غلقه فلا بد من تنسيق الجهود الفلسطينية والعربية والدولية من أجل إحقاق الحق وبيان أسرار وخلفيات جريمة الدولة على الأقل للتاريخ.