إصلاح المنظومة الأمنية وتطهيرها من رموز الفساد من أهم المطالب التي نادت بها الثورة خاصة تلك المتمثلة في فتح ملف البوليس السياسي وكشف الخلايا الأمنية الفاسدة والمتواطئة مع نظام المخلوع والمسؤولة عن قضايا تعذيب طالت المناوئين لنظام بن علي قبل الثورة وقتل الشهداء إبّان الثورة، ويرى ملاحظون أنّ هذا الملف لم يُحسم فيه بعد بالطريقة المطلوبة بل لم يُفتح إلى حدّ اللحظة بكيفية فعّالة تتماشى مع المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد ومكاسب الثورة. «التونسية» طرحت على نخبة من السياسيين والحقوقيين السؤال حول هذا الملف وحصلت على إجابات: قال أزاد بادي عضو المكتب التنفيذي ل«حركة وفاء» إنّ غياب إرادة سياسية واضحة وراء عدم فتح ملف البوليس السياسي إلى حدّ الآن لأن هذا الملف لا يُفتح بقرار قضائي بل بإرادة سياسية، وأضاف أزاد بادي أنّ فتح الملف بالكيفية الفعّالة قد يطال عديد الأطراف المتورّطة مع النظام السابق والتي مازالت ناشطة إلى حدّ اللحظة رغم سقوط هذا النظام ولذلك تتجنّب الحكومة فتح هذا الملف ومسّ الأشخاص المتورّطين لرغبتها في عدم الدخول في صراع مع أطراف مُعيّنة سيما مع قُرب الاستحقاق الانتخابي. وأشار عضو المكتب التنفيذي ل«حركة وفاء» أنّ السلطة اليوم تسعى بطريقة أو بأخرى إلى طمس الحقائق وطمس أرشيف البوليس السياسي لأنه يدخل في حسابات حزبية سياسية تجعل أن ليس من مصلحتها الآن فتح هذا الملف. واستغرب أزاد بادي من تنظيم الحكومة لحملة «اكبس» التي أرادوها حملة للتطهير والمُحاسبة وهي في الحقيقة تفتقد لمصطلح هام ويجب أن يكون متوفّرا وهو «المكاشفة» لأن المكاشفة ضرورية قبل الحديث عن المحاسبة أو التطهير مضيفا أنه في كل الثورات تحتاج البلدان إلى لحظة مكاشفة حقيقية بين الشعوب وقادتها وهذا غير متوفر في تونس. وختم بادي قائلا إنّ فتح هذا الملف بيد الشعب وذلك بضغطه المتواصل على الحكومة للبت في ملف حارق كان من أهم مطالب الثورة وأنه على الشعب أن يكون «حارسا» يقوم على حماية مطالبه الشرعية. أما رضا الآغا عضو المكتب السياسي لحركة الشعب فقد اعتبر أنّ الحكومة الحالية اعتمدت منهج «مصاحبة الأوضاع» ومُصاحبة «الفساد» لأنها تفتقد النيّة الصادقة لتحقيق مطالب الثورة ومن بينها مطلب فتح وتطهير المنظومة الأمنية الفاسدة. وأضاف رضا الآغا أنّ من أهم مظاهر «مصاحبة الأوضاع» المحافظة على رموز تجمعية عُرفت بفسادها في عهد المخلوع أو تعيين رموز تجمعيّة على رأس مؤسسات كبرى وأن هذا دليل على رغبة الحكومة وبالتحديد حركة «النهضة» كحزب حاكم في احتواء التجمعيين ملاحظا أن تواجد أسماء تجمعيّة في مكتب ديوان الوزير الأوّل وتعيين الشاذلي العياري على رأس البنك المركزي دليل قاطع على أن مصاحبة الأوضاع الفاسدة هو منهج الحكومة الحالية مضيفا أنّ كل المؤشرات تؤكد عدم رغبة الحكومة في فتح ملفات الفساد وخاصة ملف البوليس السياسي. وأضاف رضا الآغا أنّ حركة «النهضة» لم تلتزم بالشرعية الثورية وبمطالب الثورة مشيرا إلى أنّها حتى في ملف القضاة الفاسدين لم تقم بجهد واضح وصادق في محاسبة هؤلاء وتساءل الآغا عن ال270 قاضيا المتهمين بالفساد الذين أعلنت عنهم الحكومة أوّل الأمر ليأتي بعد ذلك وزير العدل ويقول أنهم تابوا ولم يبق منهم سوى 81 قاضيا..؟؟ هل هؤلاء تابوا بعيون «نهضوية»؟!! ومن سلّمهم صك الغفران؟؟!! وعن حملة «اكبس» التي نادت بالتطهير الشامل قال رضا الآغا إنها مجرّد ترويج للحملة الانتخابية النهضوية. من جانبه قال عبد الجبار المدوري عضو القيادة الوطنية ل«حزب العمّال» إنّ ملف البوليس السياسي لم يفتح لأنه ملف محرج وشائك ولأنّ الحكومات المتعاقبة بعد سقوط نظام المخلوع حكومات متواطئة وحكومات التفاف على الثورة مشيرا في هذا الصدد إلى أنّ فتح ملف البوليس السياسي يورّط عديد الأشخاص التابعين الآن لنظام وإدارات السلطة. وأضاف المدوري أنه تجري تصالحات أو مصالحات بين الحكومة وعديد الوجوه الأمنية المورّطة لتتحوّل بذلك العدالة الانتقالية إلى عدالة انتقائية وإن كلّ من يدخل في بيت الطاعة النهضوي يقع التغاضي عنه وكل من يرفض الدخول في جلبابها يصبح مورّطا ويدرج على قائمة المحاسبة. وأكد عضو القيادة الوطنية ل«حزب العمّال» أن ملف البوليس السياسي ملف مفصلي تفتح على إثره كل الملفات وكل من تورّط في قتل الشهداء ولكن الحكومة الحالية بصدد الاستفادة منه بطريقة انتهازية تواطئية حسب قوله، وطالب المدوري بضرورة كشف أرشيف البوليس السياسي حتى وإن وقع إتلاف معظمه ومحاسبة المتورطين من الجهاز الأمني بفتح ملف التعذيب والقتل وغيرهما مضيفا أن البوليس السياسي مازال يعمل إلى حدّ الآن في إطار خلايا نائمة وناشطة لصالح عديد الجهات كالحزب الحاكم ورجال الأعمال الفاسدين وعديد الجهات الأخرى مستشهدا بنشاط البوليس السياسي المكثّف في هذه الفترة في مراقبة الهواتف والتنصت ومراقبة الأنترنات مطالبا الحكومة ووزارة الداخلية بتحمّل مسؤولياتهما. أمّا عبد الستار بن موسى رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان فقال إنّ إصلاح المنظومة الأمنية يتطلب فتح جميع الملفات الحارقة بما فيها ملف البوليس السياسي مشيرا إلى أن جميع الأصوات نادت بعد اندلاع الثورة بحل المنظومة الأمنية أي منظومة البوليس السياسي وصدر قرار حكومي بحله لكنه لم يُفَعَّل ولم يَنَفّذ أو نُفِّذَ بطريقة انتقائية وبذلك حافظت المنظومة تقريبا على نفس الأطراف مع تعيين رجالات أمنية جديدة محسوبة على الحزب الحاكم وموالية له على حدّ قوله. وأضاف بن موسى أنّ جهاز البوليس السياسي مازال ناشطا بطريقة فعّالة ومازال يحافظ على ممارساته القديمة. أما القاضي مختار اليحياوي فقد أكّد أنّ المنظومة الدكتاتورية تقتضي مراجعة أرشيف البوليس السياسي الذي لم يُفتح بعد بالشكل المطلوب لأنّ تونس تعيش وضعا انتقاليا ملاحظا أنّ هناك أطرافا تتحمّل المسؤولية في عدم البتّ في هذا الملفّ بالطريقة الناجعة التي نادت بها الثورة. وأضاف مختار اليحياوي أنّ الرأي العام التونسي مُطالب بالإلحاح على فتح ملف البوليس السياسي. بدوره قال نورالدين العرباوي نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «النهضة» أنّ الحركة كطرف سياسي في الائتلاف الحاكم أحرص ما يكون على فتح الملف ولكن الطرف المسؤول عنه هو الحكومة في تشكلاتها «الترويكية» الثلاث، مشيرا في هذا السياق إلى أنّ الملف على أهميته لا يُعتبر أولوية من أولويات الحكومة بل توجد قضايا أهمّ كالتنمية والتشغيل ومقاومة الفقر وهي قضايا تتوقف عليها كل النجاحات المقبلة إضافة إلى موضوع الانتخابات وكتابة الدستور، وختم العرباوي بقوله إنّ ملفّ البوليس السياسي يجب أن يفتح حتى وإن لم يكن أولوية من أولويات الحكومة والشعب. إياد الدهماني عضو الحزب الجمهوري أفاد من جانبه أنّ ملف البوليس السياسي مطلب مطروح بالتأكيد على طاولة الحكومة ولكن لخطورة الملف ولحساسيته ودقته لابدّ من تناوله بهدوء وبالتدرّج لأنّ البلاد تعيش مرحلة انتقالية ولابدّ من ظروف موضوعية وواقعية لطرح الموضوع خاصة توفّر الاستقرار السياسي والأمني، مضيفا أنّ هذا الملف لا يفتح أو يتناول بمجرّد جرّة قلم بل بطريقة مدروسة وواقعية لأنه يدخل في العدالة الانتقالية. أما وزارة الداخلية فأوضحت على لسان ناطقها الرسمي خالد طرّوش في اتصال ل«التونسية» به أن موضوع البوليس السياسي لا يخصّ فقط وزارة الداخلية بل يهمّ العدالة الانتقالية ككل مضيفا أنّ الملف تحت الدّرس.