خفق قلبها فرحا حين أعلمها صاحب العمل أنه من المحتمل أن يصرف لها ولزميلاتها «تسبقة» على مرتب شهر أكتوبر حتى يتدبرن شؤونهن مع مصاريف العيد ... وقال لهن أنه تقدم بمطلب إلى المؤسسة الكبيرة التي تقوم شركته الصغيرة بأعمال تنظيف وصيانة مقرها الفخم والأنيق، في إطار ما يسمى بالمناولة، وذلك حتى تصرف له «تسبقة» يصرف منها لهن «التسبقة» التي طالبن بها بإلحاح كبير. وقد أثلج صدورهن أن العرف بدا شبه متيقن أن المؤسسة الكبيرة ستستجيب لطلبه، خاصة أنها قدمت لموظفيها الأساسيين والمرسمين مبلغا ماليا لشراء الأضحية، يسدد على أقساط مريحة، وأعلنت أنها ستصرف مرتبات هؤلاء قبل العيد .... أسرعت في العودة إلى المنزل، وهي تحس بأنها «فرجت»...وبمجرد أن وصلت إلى بيتها أعلمت ابنتها الكبرى أنه سيكون بإمكانهم شراء كيلوغرمات من اللحم، و كل ما يلزم لعيد الأضحى بفضل «التسبقة» التي وعد «العرف» أنه سيصرفها لها ولزميلاتها. لم تفكر منذ سنوات في شراء خروف لعيد الأضحى. فهذا يعتبر من الكماليات بالنظر إلى إمكانياتها المتواضعة... وهي التي تعيش وحيدة مع ثلاثة أطفال.. تصرف عليهم من مرتب هزيل جدا لا يكاد يكفي لشيء... ولولا قيامها بأشغال أخرى أيام راحتها الأسبوعية في بيوت بعض الميسورين، من تنظيف وغسيل وطبخ لما أمكن لأبنائها مواصلة الدراسة، ولما أمكن لها توفير الضروري من الحاجيات لبيتها، أو الادخار أحيانا لمثل هذه الوضعيات، من أعياد وعودة مدرسية وغيرها ...، ولكنها في الأشهر الأخيرة لم تستطع ادخار مليم واحد. وعكس صاحب العمل، لم تكن هي على ثقة تامة بأن المؤسسة الكبيرة ستعاملهم مثل ما ستعامل موظفيها الأساسيين. لذلك وقبل يومين من العيد، وتحسبا لأية مفاجأة، أخذت قطعة مما تبقى من مصوغها ورهنتها بما يكفي لشراء ما وعدت به أبناءها ليوم العيد... وصدق حدسها .. فقد مر عيد الأضحى ولم يكلف كبار المسؤولين في المؤسسة الكبيرة أنفسهم حتى مجرد الرد على مطلب صاحب شركة المناولة الصغيرة.