بقلم: حافظ الشتيوي «برج زوارة» معلم تاريخي دون تاريخ مضبوط وهو معلم اثري ومعالم الاندثار تهدده ليصبح على قاب قوسين أو أدنى من التلاشي والترهل بفعل عامل الزمن والإهمال والتهميش. «برج زوارة».. لا تعرف هويته بالتحديد إن كان حصنا للحماية أو معقلا للدفاع او بوابة للهجوم فكل ما تبقى منه سور دائري وحجارة تتساقط وكهوف مخفية وأسرار خفية.. ينتصب «برج زوارة» شامخا.. عاليا في قلب العاصمة تونس وتحديدا بجهة باب سعدون.. ويشرف من مكانه العالي على مداخل العاصمة ومخارجها. تراه صامدا في وجه الرياح صامتا مع أشعة الشمس المحرقة وكأنه ينتظر بوادر الفرج دون جدوى.. ينتظر من ينفض الغبار عن آثاره ليكشف للعالم أسراره. يمتد «برج زوارة» على مساحة شاسعة وآثاره تدل على الموقع الاستراتيجي الذي كان يحتله هذا الحصن المنيع إلا ان التاريخ غيبه والحاضر أهمله. حاولنا الغوص في عمق تاريخ هذا المعلم فلم نجد من يشفي غليلنا ولم نستق سوى بعض المعلومات الشحيحة لا تزيد عن كونه يعود إلى العهد الحفصي ويعتقد أن في باطنه دهاليز مجهولة طويلة المدى قد تكون همزة وصل بينها وبين البروج المجاورة وقد تكون مسافتها تصل إلى ابعد من ذلك لتتصل ببعض المغاور او بعض المخابئ ولمَ لا تمتد إلى خارج حدود الوطن؟ وبالرغم من كل هذه المعطيات وعراقة «برج زوارة» التاريخية وهندسته المعمارية من الداخل ومن الخارج فإنه مع الأسف فقد هيبته وعراقته بعد ان أصبح مصبا للفضلات ومرتعا للحشرات والأفاعي والأعشاب الشوكية ومصدرا للروائح الكريهة. سكان منطقة «برج زوارة» والمناطق المجاورة لم يقفوا مكتوفي الأيدي بل اتحدوا معا نساء ورجالا وأطفالا من كل الأعمار وأقاموا الاجتماعات الدورية لتدارس كيفية حماية هذا البرج من الترهل والانهيار ناهيك أنه أصبح يشكل خطرا محدقا بالأطفال الذين وجدوا في مساحاته الشاسعة ضالتهم في اللعب. أهالي المنطقة أبوا إلا ان يطبقوا ما اجتمعوا من اجله على ارض الواقع فأسسوا جمعية منطقة «برج زوارة» لإيصال أصواتهم وطموحاتهم وأحلامهم وأحلام أبنائهم إلى رجال الدولة من اجل إنقاذ هذه الدرة التاريخية الثمينة ليكون مصدر فخر ونعمة وليس مصدر خطر ونقمة. حاولوا بكل جهد الاتصال بوزارة الإشراف لجعلها تؤمن بأهمية هذا المعلم وتنقذه من التلاشي وتعيد إحياؤه من جديد وتتعهده بالرعاية ليكون من ضمن برامجها الإصلاحية. الأهالي تكلموا في جميع وسائل الإعلام بكل عفوية وتلقائية واندفاع مناشدين السلطة إنقاذه وإنقاذهم.. وإحياءه وإحياءهم.. مناشدين الوزارة ان يجعلوه منارة تاريخية ومادة تدرّس للأجيال القادمة وأن يكون مسلكا سياحيا يدعم الخارطة التي نحفظها عن ظهر قلب مقترحين بعث مركز ثقافي يحمي أطفال المنطقة من خطر الضياع والتشرد والتهميش ويخلق لهم مجالا رحبا للتأمل وللتفكير بعمق ويثير في دواخلهم أسمى معاني الانتماء وحب الوطن. «برج زوارة» مكسب تاريخي مما لا شك فيه وإرث حضاري تركه لنا أسلافنا أمانة لنحافظ عليها من اجل الأجيال القادمة والتي تليها فإحياؤه واجب وطني والمحافظة عليه واجب حضاري ليكون منارة جديدة من بين المنارات التاريخية التي نعتز بها.