لم يكن يدور بخلد المنصف بن ابراهيم الشريف كما هو مرسّم في بطاقة هويّته أن يعود إلى أرض الوطن بعد ثمانية عشرة سنة كان قد قضّاها في العمل بالعراق خالي الوفاض مثقلا بهموم التقاضي وتعب المراجعات الاداريّة وهو الحامل لصفة المعاق والاب لولد لم يبلغ بعد السادسة من عمره. السيّد منصف الذّي اختار ذات شتاء من سنة 1980 أن يهاجر باتجاه العراق بحثا عن تأمين مستقبله وتكوين أسرة كباقي خلق الله ممّن لم يحالفهم الحظّ في الدّراسة والتوظيف العمومي، شاءت الظّروف ان تلقيه بأرض الكويت أين عمل سائقا أجيرا قبل أن يتمكّن من امتلاك شاحنة خاصّة ظنّ أنّها ستكون منفذ النجاة وقبلة الخلاص من الضّائقة الماليّة التي طالما عاش تحت وطأتها من قبل. حرب الخليج وتحوّل المسار بعد اجتياح القوّات العراقيّة للاراضي الكويتيّة خيّر محدّثنا المغادرة والعودة مجدّدا الى بلد الرافدين ، أين تعرّضت شاحنته بعد أقلّ من شهر تقريبا الى السّرقة بمنطقة حيّ الامين الثّاني ما اضطرّه الى تقديم شكوى ضدّ مجهول بمركز بغداد الجديدة، وعبثا حاول البحث عن شاحنته إلاّ أن محاولاته باءت كلّها بالفشل. عاد منصف الى العمل بالسياقة بصفة أجير ، وظلّ يعاود مخفر الشرطة بين الحين والاخر عساه يظفر بالجديد لكن دون جدوى. سامرّاء تفضح ضابط الاستخبارات بعد انقضاء ثلاث سنوات عن اختفاء شاحنته شاءت الصّدف أن يتحوّل المنصف الى مدينة «سامرّاء» في رحلة عمل وهناك كانت المفاجأة التي لم يتوقّعها صاحبنا حين أمكن له التعرّف على شاحنته وهويّة من استولى عليها دون وجه حقّ ، ليتبيّن رفقة مرافقيه بأنّ صاحب الفعلة لم يكن غير ضابط في الاستخبارات العسكريّة العراقيّة برتبة عميد وفق ما أسفرت عنه الابحاث ومحاظر الاستنطاق ، قبل أن تقع إحالته بحالة إيقاف على أنظار القضاء بمحكمة «كرّادة» ببغداد والتي حكمت بالتعويض لفائدة المتضرّر وإلزام المشتكى به بدفع مبلغ «مليون دينار» عراقي تحت عنوان جبر الضرر الحاصل عن مدّة اختفاء وسيلة نقله (600 أد) وجبر الضّرر الحاصل للشاحنة (400 أد) وهو ما التزم به المتهم في قضيّة الحال كتابيّا. بداية رحلة الأتعاب بعد مرور ثلاث سنوات أخرى عن زمن المحاكمة تسلّم المنصف أولى دفعات تعويضاته المقدّرة من طرف القضاء العراقي وتولّى المشتكى به تأمين صكّ تضمّن مبلغ 100 ألف.د عراقي تولّى سحبها من مصرف الرّشيد قبل أن يلتجأ الى السفارة التونسية ببغداد التي طلبت منه آنذاك العودة الى أرض الوطن على ان تتكفّل هي بباقي الاجراءات ومن ضمنها تأمين باقي المستحقّات. استجاب المنصف لمقترح السفارة، وعاد أدراجه الى ارض الوطن ممنّيا النفس بوصول المال بين الفينة والاخرى ، وبعد أن طال الانتظار تحوّل صاحبنا الى وزارة الخارجيّة أين تقدّم بشكوى في الغرض مصحوبة بكل الوثائق والمؤيّدات، فطلب منه تحرير توكيل في الغرض لفائدة السيد سفير تونس بالعراق يتولى بموجبه إنابته في النزاعات وهو ما تمّ بالفعل ، قبل أن تتولى الوزارة المذكورة استدعاءه بعد مرور سنة كاملة لتعلمه نجاحها في الحصول على باقي المستحقّات. وبمطالبة المعني بالامر بالتحويل جاء الردّ كتابيّا بتاريخ 10 ديسمبر 2001 عن طريق المدير العام للشؤون القنصلية وبتفويض منه عن السيد مدير الاتفاقيات القنصلية والنزاعات بأنه يتعذّر تحويل المبلغ بحكم الحظر المفروض على العراق آنذاك. تحرّكات ما بعد الثّورة المنصف ورغم انه لم ينقطع عن الشكوى فإنّه أعاد فتح الموضوع بعد الثورة، وقرّر ان يتّجه أوّلا الى سفارة العراق بتونس أين عرض مشكلته وأعاد على مسامع المشرفين عليها الرواية من أوّلها ، وبعد أن طلبت منه مراجعتها في وقت لاحق وهو ما قام به تمّ إعلامه بأنه وقع توجيه مراسلة الى وزارة الشؤون الخارجية بتاريخ 19 أكتوبر 2012 وأن عليه مراجعتها، وفي الحين تحوّل محدّثنا الى هناك ليفاجأ بالردّ غير المتوقّع بالمرة حين تمّ إشعاره بأن لا شيء في الارشيف يفيد أحقّية مطالبته بمستحقّاته المادية . منصف وبعد أن اعيته حيلة البحث عن حقوقه الضائعة، قرّر اخيرا ان يتوجّه الى «التونسية» ليسرد حكايته مطالبا الجهات المعنيّة بالتدخل وفق ما يمتلكه من وثائق وأدلّة من بينها مضمون الحكم الصّادر عن محكمة الرصافة ناهيك وانه معاق وظروفه الاجتماعية تبدو صعبة وصعبة للغاية.