بمناسبة الذكرى الثانية من اندلاع ثورة الحرية والكرامة، نظم امس الاتحاد العام التونسي للشغل تجمعا عماليا «احتفاليا» بساحة محمد علي بالعاصمة تخللتها كلمة للامين العام للاتحاد «حسين العباسي» بين من خلالها أن «كل محاولات ترويع النقابيين لضرب وحدتهم وتركيع المنظمة الشغيلة آيلة حتما إلى الفشل فالاتحاد اكبر بكثير من ان تربكه التحرشات والتهديدات الغوغائية»-حسب قوله-،معربا عن استيائه مما اعتبره واقعا سياسيا اتسم بكثرة التجاذبات الإيديولوجية والحزبية وتعمقت فيه الاخلالات الاجتماعية،و مؤكدا ان موقف الاتحاد يتحدد اثر اعلان نتائج لجنة البحث والتقصي حول حادثة الاعتداء على الاتحاد في ذكرى اغتيال الزعيم النقابي الراحل «فرحات حشاد»،كما وصف «العباسي» «العقد الاجتماعي» الذي وقع عليه الاتحاد يوم امس مع منظمة الاعراف ومع الحكومة ب«السابقة في تاريخ تونس الحديثة» وشدد ان الهدف منه هو «التوافق حول منوال تنموي بديل يستجيب لطموحات وانتظارات الشغالين في العمل اللائق والحماية الاجتماعية ويؤسس لاقتصاد متين يضمن التوازن ويؤمن القدرة التنافسية والدوام المؤسساتي». وقد رفع المتظاهرون بساحة «محمد علي» عدة شعارات كان من ابرزها «وكلاء الاستعمار نهضاوي رجعي سمسار» و«الشعب فد فد من الطرابلسية الجدد» و«يا حكومة عار العار والأسعار شعلت نار»،و «الجهات تشتعل والحكومة تحتفل»...بحضور عدد هام من السياسيين والنقابيين والنشطاء الحقوقيين والطلبة... و بعد التوقف دقيقة صمت على ارواح شهداء الثورة واحتراما لتضحيات جرحاها،عاد «العباسي» ليستحضر ما طال الاتحاد العام التونسي للشغل ومقراته ومناضليه خلال الاونة الاخيرة من انتهاكات واعتداءات وصفها ب«السافرة»،مشددا على ان الاتحاد سيظل قلعة حصينة عصية الاختراق رغم كل محاولات التركيع وان الاتحاد سيبقى وفيا للوطن وللشعب و«صمام امان» ضد كل مساعي الاستبداد. و اكد «العباسي» على تشبث الاتحاد بالحوار والتوافق كسبيل أمثل لادارة العلاقات داخل المجتمع ولصياغة مضامين النمو الاقتصادي والرقي الاجتماعي ولبلورة آليات المشاركة والمواطنة، مضيفا: «لن يثنينا السعي المحموم لتقزيم دورنا في تحصين تونس الحبيبة من كل الانحرافات التي تنزع الى اعادة انتاج التغول والاستبداد،و لن تركعنا المحاولات اليائسة والبائسة الرامية الى حشرنا في بوتقة المطلبية الضيقة والى الغاء دورنا وتغييبنا كقوة راعية لأهداف ثورتنا المجيدة ولاستحقاقات شعبنا في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية». «وسقطت ورقة التوت» كما صرح «العباسي» بان «ورقة التوت الاخيرة قد سقطت» وان «المخطط بات مفضوحا» وان «أداة التنفيذ باتت مكشوفة»، ملمحا الى اصرار جهة حزبية بعينها على مصادرة الإعلام وتدجين القضاء وتنظيم التهجمات المنظمة والمتتالية على الاتحاد و«ترويع أصحاب الرأي المخالف باستغلال دور العبادة والسيطرة على مفاصل الدولة وشراء ضمائر المستضعفين وتوظيف المشاعر العقائدية لتشويه وتقزيم الآخر تمهيدا لتمرير نمط استبدادي جديد» وهو الامر الذي تفاعل معه الحضور بالساحة بترديد شعار «وكلاء الاستعمار نهضاوي رجعي وسمسار». «تشاؤل»؟ وصرح «العباسي» ان احتفال الشعب بالذكرى الثانية للثورة يتزامن مع «ظرفية لا تزال تراوح بين التفاؤل والتشاؤم،بين الامل في المستقبل والحيرة والقلق ازاء الحاضر العصيب»-حسب قوله-،معربا عن خيبة أمل من «الواقع الجديد لمشهد سياسي طغت عليه التجاذبات الإيديولوجية والحزبية وتعمقت فيه الاخلالات الاجتماعية»،معربا أيضا عن استيائه من عدم توفق المجلس الوطني التأسيسي إلى الانتهاء من صياغة الدستور الجديد في آجاله المحددة والتي كان قد تعهد بالالتزام بها آنفا. «الأجهزة الأمنية» مازالت مشدودة إلى الوراء ! و قال «العباسي»: لا يزال استحداث آليات الانتقال الديمقراطي لم يكتمل بعد وتحديدا المجلس الأعلى للقضاء والمجلس الأعلى للإعلام السمعي البصري والهيئة العليا للانتخابات،كما لايزال الأمن مشدودا إلى المفهوم الذي كان سائدا والذي يختزل مفهوم الأمن الوطني في امن النظام وامن السلطة الحاكمة فقط». و بخصوص ما جرى في عدد من الولايات والمعتمديات كسليانة والقصرين وسيدي بوزيد... خلال الفترة الأخيرة، اوضح «العباسي» ان هذه الاحداث «كشفت ان أجهزتنا الأمنية لا تزال مشدودة الى المفهوم القديم حيث لم تدرك بعد ان الامن في امن المواطن وان الانظمة الى الزوال لا محالة بينما تبقى الاوطان والدول ببقاء مواطنيها وشعوبها»-على حد تعبيره-. «من واجب الحكومة ان تتنبه من...؟» و اكد «العباسي» ان من واجب الحكومة التنبه من ظاهرة غلاء الاسعار الى درجة باتت تهدد بصفة جدية المقدرة الشرائية والتوازنات الاجتماعية، مرجعا سببها الى «غفلة هياكل الرقابة وتباطؤها وسهولة اختراق الحدود من طرف المهربين»، كما اعرب «العباسي» عن تعجبه من اصرار الحكومة على اتباع نفس المنهج الاقتصادي القديم «حيث حافظت على نفس السياسة الجبائية المجحفة متجاهلة كل الدعوات لمراجعة المنوال التنموي الحالي والذي أثبت ضعفه منذ سنوات»-حسب قوله دائما-. وشدد «العباسي» على ان «مسار الانتقال الديمقراطي لن يكتمل الا اذا ارفقنا الاصلاحات الاقتصادية باصلاحات اجتماعية مكرسة لمفهوم العمل اللائق وقائمة على احترام المبادئ الاساسية المنصوص عليها في معايير العمل الدولية»-برأيه-. كما اعلن «العباسي» ان امضاء العقد الاجتماعي بين الاطراف الثلاثة (المنظمة النقابية والمنظمة الشغيلة والطرف الحكومي ممثلا في وزير الشؤون الاجتماعية) ستكون له بوادر ايجابية تتضح خلال الاشهر القليلة القادمة. و للاشارة فقد الغيت المسيرة التي كان من المنتظر ان تعقب كلمة امين عام الاتحاد «حسين العباسي» لاسباب اوضح بعض القيادات النقابية بانها «امنية صرفة».